"كانوا يعلمون"، هي العبارة التي تحكم جريمة انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020. ما خُط على جدران محيط المرفأ، "دولتي كانت تعلم" و"دولتي فعلت هذا" بات مكرّساً ومثبتاً. من الزيارة المؤجلة لرئيس الحكومة قبل أيام لوقوع الانفجار، إلى برقيات ومراسلات الأجهزة الأمنية والرسمية. لم يعد ثمة ما يدعو إلى الشكّ في أنّ المسؤولين اللبنانيين الحاليين والمتعاقبين على الحكم والسلطة وإدارة الأجهزة الأمنية سكتوا عن آلاف أطنان نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12. تركوها تتخمّر تحت الشمس وفي الحرارة، وأضافوا إليها عناصر التفجير الأخرى من زيوت وإطارات ومفرقعات لتصبح الجريمة أفظع.مستندات جديدةمستندات جديدة ستخرج إلى سطح ملف التحقيقات، ومن المفترض أن تصبح بعهدة القاضي طارق البيطار في الساعات المقبلة. وهي مراسلات تؤكد أنّ ملف نيترات الأمونيوم تم تقديمه إلى مجلس الوزراء عام 2015. وبالتحديد، في شباط من ذاك العام في مراسلة مباشرة بين المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، حسن قريطم، والأمانة العامة لمجلس الوزراء. كما تفيد وثائق أخرى إلى أنه تم تحويل الملف إلى مجلس الوزراء بناءً على طلب وزير الصحة حينها، الوزير السابق وائل بو فاعور.حكومة تمام سلاموتعني هذه المراسلات أنّ رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام كان على علم بملف نيترات الأمونيوم المفرّغة في العنبر رقم 12. مع العلم أنّ سلام نفى نفياً قاطعاً يوم 9 آب 2020، بعد 5 أيام على الانفجار، تلقيه أي معلومات عن وصول باخرة تحمل مواد كيماوية خطيرة إلى بيروت، أثناء توليه رئاسة الحكومة بين شباط 2014 وكانون أول 2016. مع العلم أيضاً أنّ تفريغ النيترات من على متن السفينة المتهالكة "روسوس" تم في تشرين الأول 2014، أي في عهد حكومة الرئيس سلام.تعقيدات إضافيةيعود ملف انفجار مرفأ بيروت إلى تعقيدات جديدة، خصوصاً أنّ معطيات مماثلة من شأنها أن تضع أسماء جديدة، من رؤساء ومسؤولين وأمناء عامين، تحت مهجر المساءلة أو على الأقل لتدوين إفادتهم وشهاداتهم. ولو أنه مثلاً، الأمين العام السابق لمجلس الوزراء سهيل البوجي توفى عام 2018 وبات في دنيا الحق. لكن بالطبع تبقى مهمّة "نكش" تلك المستندات والتدقيق بها مادةً أساسية أمام المحقق العدلي في الجريمة، لتوسيع تحقيقه وإضافة جوانب جديدة إلى مسؤولية السلطة السياسية التي تعاقبت على البلاد في جريمة المرفأ.احتفال وتكريموفي حين يتابع القاضي البيطار تحقيقاته والاستماع إلى إفادات شهود ومدّعى عليهم في الملف، علمت "المدن" أنه تم تأجيل الاستماع إلى الوكيل البحري لباخرة "روسوس" مصطفى البغدادي إلى الأسبوع المقبل، إضافة إلى مدعى عليهم آخرين في الملف. لكن السلطة السياسية، في المقابل، كانت تحاول رعاية حفل لجميعة نوادي الليونز على أرض مرفأ بيروت. وبعد ضغط من أهالي شهداء وضحايا المرفأ، تراجعت "الجمعية" عن إقامة الحفل مؤكدةً أنّ "اللقاء كان تكريمياً لشهداء المرفأ ورجال الإطفاء والدفاع المدني وتخليداً لصمود بيروت بعد الزلزال الذي حصل في الرابع من آب 2020".. لكن فات هذه النوادي أن حفلها أرادته برعاية ميشال عون، الذي اعترف أمام وسائل الإعلام أنه "كان يعلم" أيضاً.
في ملف مرفأ بيروت، "دولتي فعلت" و"كانوا يعلمون" أكثر من عبارتين، هما قاعدتان ثابتتان في جريمة العصر. ومن اعتبر أنّه في قتل أكثر 200 ضحية وتدمير العاصمة مخرج للحصار الدولي والديبلوماسي، سيسهل عليه رعاية حفل مكان سقوط الضحايا.