2025- 07 - 28   |   بحث في الموقع  
logo لبنان يهزم مصر ويتوّج بكأس بيروت الدولية الودية logo الحاج حسن: دماء الشهداء لن تذهب سدى logo عملية سلب فاشلة في زوق مصبح.. إليكم التفاصيل logo سلام استقبل جنبلاط.. هذا ما بحثاه logo اليوم الخامس للإضراب عن الطعام في مخيم البداوي تضامناً مع غزة logo مقدمات نشرات الاخبار logo  جرحى بحادث تصادم بين دراجة نارية و"توك توك" logo ّبالفيديو: حريق كبير في بيروت.. والأهالي يُناشدون الدفاع المدني
لا أرقام ولا حكايات
2021-05-20 12:56:00


كل مرة، يتعرض فيها شعب من الشعوب في الشرق الأوسط للإبادة، فيسقط منه شهداء وقتلى وضحايا، ثمة مقولة تذيع بحقهم، منقسمةً إلى امرين.الاول، تفيد، وبدقة، بأن هؤلاء ليسوا مجرد ارقام. إذ إن تحويلهم إلى أرقام هو جعلهم موضوع للإحصاء بعد ادخالهم في حسبةٍ، تقدم المنظمات الإغاثية الكبرى عليها، قبل أن تعمد الميديا إلى اعلانها. بالتالي، يُمحى كل وجودهم، كما يُطمس كل سياق قتلهم، وراء هذه الحسبة، التي، وحين تصل إلى متلقيها، سيتفاعل معها ببرودة. وهذا، حتى لو أنه، وللحظة، تفاجئ من الرقم، ولكن، الرقم نفسه هو الذي سيطمئنه بأن ما يدل عليه هو، بداية، محبوس داخله لانه، وببساطة، محسوب. فعلياً، جعل الضحايا أرقاماً يحول جانب من وضعهم، الذي يتعلق بالموت، بأثره، إلى مسألة كمية، يمكن قياسها، وبالتالي، التحكم يها. فمن خلال ذلك، لا يعود الموت له وقعه، الذي يؤدي إلى تحول في متلقيه إلى درجة جعله ملتقيه، إنما يصير بوقع مضبوط للغاية، أي من دون وقع. فتحويل هؤلاء إلى أرقام لا يستكمل اقتلاعهم فقط، إنما، وايضا، يرمي إلى اقتلاع موتهم، الموت نفسه، وعندها، يصيرون بلا حياة وبلا موت، يصيرون أبدانا مرقمة تنتظر أو لا تنتظر إنزالها في حفر ترابية بلا اي ضجيج.على أن المقولة نفسها، التي تشدد على الضحايا والشهداء والقتلى ليسوا أرقاماً، تؤكد-وهنا القسم أو الامر الثاني منها- على أنهم حكايات وقصص، بمعنى أن كل شخص منهم له ما يرويه، أو كان له ذلك، ووضعه هذا هو علامة على صلته بالعالم الإنسي. بالطبع، يمكن القول إن التشديد على هذا ينطوي على نية الانتهاء من تقديم هؤلاء على أساس انهم أرقام، بلا اسماء، ولا وجوه، كما لو أنه لم يكونوا على قيد العيش قبل قتلهم، وكما لو أنهم، وفي قتلهم، لا شيء. ولكن، بعيدا عن هذه النية، فتقديمهم على ذلك النحو سرعان ما يندرج في سياق مختلف.أختصر ناحية منه: في لحظة من لحظات انتاج الرأسمالية للتفردن، وصل السرد إلى السلطة الاستطيقية فيها، بحيث صار-وبتخليه عن جزء كبير من اقتداره الابداعي- بمثابة لازمة الفرد، الذي، ومنذ الآن فصاعداً، صار يعيش ليروي، ليقص، ليقول حكايته، أي لكي يمتلك، وبعبارة واحدة، رأسمالا سرديا. بالتالي، صار امتلاكه لهذا الرأسمال بمثابة دليل على كونه فرد، على كونه مندمجاً في العرض العالمي، حيث يعيش مع اغياره، الذين، وعلى منواله، يروون قصصهم وحكاياتهم. بالطبع، يمكن الاشارة-ومع أن هذا قد يكون من ترحيب للسياق-إلى كون تراكم الرأسمال السردي يمكن من زيادة الاندماج اكثر، وهذا، لأن الرأسمال، وكأي رأسمال، سيغدو، ومع تراكمه، صورة (غي ديبور)، وعندها، يكون موافقاً للعرض. كما لو أن كل عيش يجب ان يكون قصة ليكون، وكل قصة يجب أن تكون صورة لتكون، وكل صورة يجب أن تكون في العرض ليكون صاحبها كفرد بواسطتها.يمكن ترتيب هذه المعادلة بطرق متنوعة، ولكن، ما يهمني هو أن عند عقد الربط بينها، وبين تقديم الفلسطينيات والفلسطينيين، الذين قتلهم الاحتلال الصهيوني، على أساس انهم حكايات وقصص، يبدو ذلك بمثابة تقديمهم كاصحاب رساميل سردية، ولكنها، رساميل مهدورة، بسبب تعرضهم للقتل. ومع توجيه ذلك التقديم الى العرض اياه، كما لو أنه حديث معه، مع عالمه، يغدو كأنه إخبار للمقيمين فيه أنهم هدروا فرصة تلقي تلك الرساميل، أو تداولها. وفي الوقت نفسه، يغدو إخبارا لهم بأنه، وبهدرهم تلك الفرصة، قد هدروا فرصة ثانية، تتعلق بالتعرف على مَن هم مِنهم، على مَن هم على تشابه معهم، اي على أفراد. بهذا، يصير ذلك التقديم طريقة لتحويل الفلسطينيات والفلسطينيين إلى مشابهين للمقيمين في العرض من أجل أن ينتبهوا إليهم، أو بالأحرى من أجل أن يدركوا كونهم ليسوا لا-أفراد، وتحت هذه الصفة، يمكن وضع اي شيء من قبيل متوحشين أو متخلفين الخ. وفي النتيجة، يتضامنون معهم.ولكن، من جهة المقيمين في العرض، غالباً ما يبدو الجواب حاضرا سلفاً: فليقل الفلسطينيون والفلسطينيات ما يحصل لهم، وعندها نتأكد من امتلاكم رساميل سردية، يعمدوا إلى عرضها على نحونا، وعندها أيضاً، نتأكد من كونهم أفرادا، وعندها بالتحديد، ندعو إلى عدم قتلهم. فاقدامهم على سرد حكاياتهم وقصصهم هو الذي يقيهم من القتل، ففي حال لم يقدموا على ذلك، فقد يغدون أرقاما. هذا ما يحيل بشكل من الأشكال الى أسطورة شهرزاد، اذ إنهم يوضعون في مطرحها، حيث يروون لكي لا يتعرضون للقتل، فسردهم هو طريقهم لتسلية القاتل وابعاده عنهم. ولكن، فعلياً، هم في مطرح أصعب من مطرحها، إذ انهم في مطرح المقتولين الذين يجب أن يرووا قتلهم لكي لا يُقتلوا مرة تلو المرة، الا ان ذلك لا يوقف قتلهم، لأنه، وإن اوقفه، فينتهي سردهم، فيقتلون. بالتالي، سردهم، أو عرضهم رساميلهم السردية، لا يؤدي سوى إلى معاودته من جديد، وبين بدايته ومعاودته، مواصلة قتلهم.على هذا المنوال، وحين توجه الدعوة الدائمة إلى الفلسطينيين الا يكونوا سوى شهود على ما يتعرضون له، يعني أن يواظبوا على كتابة شهاداتهم، فهم بذلك يدفعون إلى أن يحولوا إلى ما يعيشونه إلى رأسمال سردي، يعرضونه، يشغلون به العرض، لكي يسلوا عالمه، الذي، وبدوره، يطلب منهم أن يرووا اكثر فأكثر...بعد عقود على نجاتها وامها من اوشفيتز، كتبت روت كلوغر عن رفضها ان تكون شاهدة، مستفهمةً عن الأثر الذي خلفه سرد وقائع القتل والذل والابادة، "لماذا نروي بعد؟"، قبل أن تضيف: "كانت اللغة قد اخترعت من أجل شيء آخر، وكما ان الغرض منها شيء آخر"!


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top