يبدو أن الفرنسيين لم يملّوا البحث عن أوراقٍ جديدة في لبنان، مع بلوغ مبادرتهم السياسية حائطًا مسدودًا، بعد أن باءت كل محاولات تشكيل الحكومة بالفشل الذريع.
وفيما ينتظر السياسيون مفاعيل العقوبات الفرنسية التي نبأ بها وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في زيارته الأخيرة إلى لبنان نهاية نيسان الفائت، تستمر السفيرة الفرنسية آن غريو، بحراكها "المدني"، فكانت محطتها لثلاثة أيامٍ متواصلة بين طرابلس وعكار، وغادرت مساء الأربعاء 19 أيار، ومن المرجح أن تستأنف جولاتها الشمالية لاحقًا، من دون تحديد موعدها. الأولويات في أقل من سبعة أشهر، زارت غريو طرابلس مرة ثانية بعد زيارتها الأولى في كانون الأول 2020، لكنها توجهت لأول مرّة إلى عكار، في جولة تهدف إلى أولويات أربع، وفق ما تشير مصادر السفارة الفرنسية لـ "المدن"، وهي: الأمن الغذائي، الصحة، التعليم و"الثقافة والتراث".
وحسب المصادر نفسها، فإن زيارة السفيرة أيضًا هدفت إلى متابعة ما تحقق من خلال المساعدة الفرنسية الاستثنائية، التي أعلن عن تقديمها في آذار 2020، بقيمة 1.1 مليون يورو، إلى أربع منظمات تؤمن مساعدة مباشرة لسكان طرابلس وجوارها، لا سيما في عكار، وهي "سنابل النور" و"عكارنا" و"الصليب الأحمر اللبناني" و"premiers scours" الفرنسية.
وواقع الحال، يبدو أن ما تشهده طرابلس من اهتمام غربي استثنائي، ارتبط بكشف ما وراء الصورة النمطية التي صبغت بها المدينة لعقود طويلة، بفعل السياسات الخاطئة وسوء ما اقترفته الطبقة السياسية بحقها.
ويرى مراقبون أن أمام طرابلس والشمال فرصة ذهبية للاستفادة من الأزمة الراهنة، عبر استقطاب الخارج للاستثمار بها، كمركز استراتيجي ومكمل لدرجة "البديل" عن بعض القطاعات المنهارة في بيروت.
ومساء الثلثاء، التقت السفيرة غريو مجموعة مصغرة من الشخصيات المدنية في طرابلس، بدعوة من السياسي خلدون الشريف، وعرضوا أمامها بعض الرؤى والمشاريع المرتبطة بأزمة جبل النفايات، والقطاعين التعليمي والصحي، والمنطقة الاقتصادية، ومشروع "مدينة الابتكار والمعرفة" في معرض رشيد كرامي الدولي.
وأصغت السفيرة باهتمام كبير للأفكار والمشاريع المقترحة، ولدى سؤالها عن انطباعها في الجولة الشمالية، عبّرت عن انجذاب فرنسي كبير إلى طرابلس وشمال لبنان، لما يختزنه من مميزات وقدرات وامكانات هائلة، لكنها شددت على ضرورة توحيد الجهود المدنية والأهلية، وإطلاق نوع من المنصة لتقديم اقتراحات جدية وبديلة ومدعمة بكل ما تحتاجه، بعيدًا عما عهده اللبنانيون من عناوين فضفاضة غير قابلة للتنفيذ.
وللتذكير، فإن الشركة الفرنسية العالمية CMA CGM استحوذت على حصص شركة Gulftainer التي كانت تقوم بتشغيل رصيف الحاويات بمرفأ طرابلس.جولة عكارية وفي عكار، زارت السفيرة الفرنسية بعض السهول وقبة شمرا، والتقت بعدد من المزارعين للاطلاع على اوضاعهم ومعاناتهم ومشروع الري في المنطقة، كما زارت بلدة ببنين، وبلدة المحمرة حيث بحثت بأوضاع اللاجئين السوريين. كما زارت مدرسة القديس يوسف في بلدة منيارة، ومدرسة الليسيه عبد الله الراسي في حلبا – عكار، إلى جانب بعض المراكز الصحية والجمعيات الأهلية.
وتشدد المعلومات على اهتمام السفيرة الفرنسية بفتح قنوات التعاون مع المنظمات غير الحكومية. ومن المتوقع أن يستمر الحراك الدبلوماسي في طرابلس، إذ من المنتظر أن يزور سفير اليابان المدينة الأسبوع المقلبة، للاطلاع أيضاً على المشاريع المقترحة. الأميركية أيضاً أما اللافت، فكان بزيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى طرابلس، الأربعاء 19 أيار، تزامنًا مع زيارة السفيرة الفرنسية، وجاءت أيضا بعد أقل من شهر لزيارة شيا طرابلس في شهر رمضان، حيث تفقدت بعض المؤسسات الاجتماعية والانسانية.
وفي لقاء الأربعاء، دعت شيا إلى طرابلس 12 سفيرًا إلى المدينة، وفق معلومات "المدن"، على مأدبة غداء، وكانت غريو من ضمنهم، وتناقشوا بوضع طرابلس ومقوماتها، إلى جانب الأوضاع في لبنان.
وفي سياق الاهتمام الفرنسي بتراث طرابلس، تنظم لجنة الثقافة في بلدية طرابلس، بمناسبة اليوم الوطني للتراث، بالتنسيق مع المركز الثقافي الفرنسي في طرابلس والمديرية العامة للآثار مهرجانًا ثقافيًا لثلاثة أيام في حمام عزالدين، الواقع سوق النحاسين، بدءًا من الجمعة 21 أيار.