مضى أكثر من عشرة أيام على وفاة شخصين بعد تلقي لقاح أسترازينيكا، وأكثر من شهر ونصف على وفاة خمسة أشخاص بعد تلقي لقاح فايزر، ولم تنشر وزارة الصحة تقارير علمية حول سبب الوفاة بعد.
ربما لا علاقة لأي من هذين اللقاحين بحالات الوفاة، بمعنى أنها حصلت مصادفة بعد تلقي اللقاح. أو ربما للقاحات أعراض نادرة جداً، كما ظهر خلال حملة التلقيح باسترازينيكا. أو ربما أيضاً هناك أعراض لم تظهر خلال مرحلة التجارب التي أُطلقت على أساسها اللقاحات، ثم بدأت تظهر خلال توزيعها على نطاق واسع. لا تقارير حول الوفياتوفي انتظار التقارير العلمية التي تقطع الشك باليقين، يكثر الحديث عن أعراض اللقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي. أهل ينشرون قصصاً عن أفراد عائلاتهم أو مقربين بعد تلقي اللقاح. وباتت الأعراض الجانبية الشغل الشاغل للمواطنين، ولم يكن آخرها إصابة مواطنة خمسينية بنزيف بالدماغ بعد خمسة أيام على تلقي استرازينيكا، الأسبوع الفائت.. بل أتت وفاة طالب الطب مارك مسلم (24 عاماً) يوم أمس لتثبت أهمية اعتماد الشفافية من المسؤولين، وشرح الأمور للعموم.
لكن وعوضاً عن اعتماد الشفافية ونشر التقارير العلمية لطمأنة المواطنين، ما زال التكتم سيد الموقف. فربما هناك خوف من أن نشر التقارير حول هذه الوفيات يؤدي إلى عدم إقدام اللبنانيين على اللقاحات، التي بدأت تظهر نتائجها في انخفاض كبير بالإصابات والوفيات والمرضى في المستشفيات. عارض مناعيوفاة الطالب مسلم، في السنة الرابعة بكلية الطب، والذي كان يفترض أن يتخرج بعد أيام، ما زالت غير واضحة. المعلومات المؤكدة أنه أصيب بمرض نادر من المناعة الذاتية macrophage activation syndrome. لكن المصادر الطبية أكدت أن لا علاقة للوفاة بتلقي فايزر. فمسلم تلقى اللقاح منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بينما تدهور حالته الصحية حدث منذ أقل من شهر. كما أنه أصيب بكورونا بعد تلقي الجرعة الأولى وشفي منه.ما حصل، أن مسلم تعرض، منذ أقل من شهر، لحادثة صحية، وأدخل إلى مستشفى السيدة في الشمال، ثم خرج منها بعد نحو عشرة أيام إلى البيت. إلا أن حالته الصحية تراجعت من جديد وأدخل إلى المستشفى مرة ثانية. وعادت وتدهورت حالته الصحية بعد توقف القلب وتلاه فشل أعضاء أخرى في الجسم. ولم يعرف السبب. فنقل إلى مستشفى الروم في بيروت منذ بضعة أيام حيث توفي يوم أمس، ليتبين أن كان مصاباً بهذا المرض المناعي النادر.
وفي انتظار تقرير لجنة المضاعفات والوفيات في وحدة اليقظة الدوائية، حول مدى ارتباط الوفاة باللقاح من عدمها، وإذ كانت له أعراض نادرة تؤدي إلى أمراض المناعة الذاتية، تؤكد مصادر طبية أن مسلم تعرض لاشتراكات صحية لا علاقة لها باللقاح أو بإصابته بكورونا. وقد أظهرت الصور الشعاعية وجود التهابات في الجسم، لكن ليست بالضرورة هي التي تسببت بهذا العارض المناعي الذي أدى إلى وفاته.إفراط جهاز المناعةوللوقوف عند طبيعة هذا المرض المناعي، تواصلت "المدن" مع رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو لجنة اللقاحات في منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، غسان دبيبو، الذي أكد أن هذا العارض المناعي نادر جداً ويصيب عادة الأطفال. ومن خصائصه أنه يؤدي إلى تفعيل جهاز المناعة بطريقة مفرطة. فيفرز الجسم كميات كبيرة من "السايتوكينز" التي تشغل عدد من خلايا المناعة. وهو إلى حد ما شبيه بالالتهابات التي تحصل بعد الإصابة بكورونا، في حال تعرض الجسم لما يعرف بالعاصفة المناعية التي تؤدي إلى ارتباك جهاز المناعة.
لكن دبيبو استبعد أن يكون اللقاح أدى إلى هذا العارض المناعي. فلم يسجل أي حالة من هذا النوع بعد تلقي اللقاح. بل هناك أعراض طبية كثيرة قد تؤدي إلى هذه الحالة المرضية، مثل الإصابة بفيروس معين أو التهابات معينة. فهذا المرض عبارة عن اضطراب في جهاز المناعة وله أسباب وراثية، بمعنى وجود قابلية لجهاز المناعة واستعداد لهذه الاضطرابات.