استشهد ستة فلسطينيين بينهم نساء وأصيب العديد بجروح متفاوتة، وذلك إثر استهداف الاحتلال الإسرائيلي سيارة مدنية في مخيم جباليا شمال قطاع غزة وسيارة في حي الصبرة.
وقبل سقوط الشهداء في استهداف السيارة، أعلنت وزارة الصحة في غزة، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 43 شهيداً من بينهم 13 طفلاً و3 سيدات و296 إصابة بجراح مختلفة، حتى الساعة العاشرة من صباح الأربعاء.
واستفاقت غزة، بكامل أرجائها، على غارات وُصفت بأنها الأعنف والأكثر كثافة منذ بدء العدوان الحالي على القطاع، بعد ليلة حافلة بصواريخ المقاومة والتي تجاوزت الألف، وطاولت مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، من اللد إلى تل أبيب إلى مستوطنات "غلاف غزة"، وصولاً إلى بئر السبع جنوباً، وذلك ردا على مواصلة جيش الاحتلال استهداف المباني السكنية في القطاع، وتحديداً الأبراج، وأحياناً من دون قنابل تحذيريّة.
وأطلقت زوارق الاحتلال قذائف بشكل كثيف صوب شاطئ بحر غزة، كما قصف الاحتلال منزل عائلة اليازجي في شارع النفق بغزة، دون إصابات، وواصل الطيران الحربي للاحتلال قصف أبراج الشيخ زايد شمال قطاع غزة.
من جهة ثانية، أكد موقع "والا" مقتل جندي إسرائيلي الأربعاء، عقب إصابته جراء إطلاق صاروخ مضاد للدبابات من قطاع غزة، كما أصيب شخص آخر في الهجوم ذاته وصفت إصابته ب"الخطرة".
وأعلنت "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أنها استهدفت الأربعاء، جيباً عسكرياً للاحتلال الإسرائيلي على الحدود شمالي قطاع غزة بصاروخ موجه، وأنها أصابته بدقة. فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إصابة 3 جنود، بينهم اثنان بحالة خطرة.
من جهته، قال جيش الاحتلال إنه قتل رئيس جهاز أمن المخابرات العسكرية في حركة حماس وقائد شعبة مكافحة التجسس. وأضاف أنه اعترض طائرة مسيرة أطلقت من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل. وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال: "لا نية لوقف العملية العسكرية في قطاع غزة الآن"، وإن الجيش "تدرّب" على العملية العسكرية في غزة لعدة أشهر.
وذكرت قناة "الجزيرة" أن عدد القتلى الإسرائيليين جراء القصف الصاروخي لفصائل المقاومة ارتفع إلى 5 إسرائيليين، وذلك بعد الإعلان عن مقتل شخص وابنته في مدينة اللد.
وخلّف القصف الصاروخي للمقاومة قتيلين إسرائيليين في عسقلان (جنوب) وثالثاً في مدينة "ريشون لتسيون" (وسط) واثنين سقطا في مدينة اللد، إضافة إلى 26 جريحاً بينهم إصابات وصفت بالحرجة، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
في غضون ذلك، كثّفت مصر مساعيها من أجل التوصل لوقف إطلاق نار بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يصل وفد أمني مصري بعد ظهر الأربعاء، إلى قطاع غزة، بينما تدرس أميركا انتداب موفد عن الخارجية إلى المنطقة للتهدئة على أن تكون محطته الأولى إسرائيل.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن مصر تسعى من أجل استعادة الهدوء بين إسرائيل وقطاع غزة، في الوقت التي تتعالى الأصوات الأممية التي تطالب الولايات المتحدة بالتدخل لدى إسرائيل لوقف العدوان العسكري على القطاع.
وذكرت صحيفة "معاريف"، أن وفداً أمنياً مصرياً سيصل غزة، وذلك بغية إجراء مفاوضات بشأن وقف إطلاق النار. وفي المقابل، سيصل إلى إسرائيل بشكل متزامن وفد مصري أخر، من أجل التفاوض مع الطرفين والضغط عليهما لوقف التصعيد.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر فلسطينية قولها إن "محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بقيت مستمرة حتى ظهر الثلاثاء، لكنها توقفت بعد اغتيال إسرائيل لثلاثة قادة من سرايا القدس". وأوضحت أن إسرائيل رفضت طلب حماس مناقشة وقف إطلاق النار الذي تم تمريره عبر وسطاء دوليين.
وفي السياق، تدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إرسال وفد إلى المنطقة لمحاولة التدخل ووقف التصعيد، بحسب ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان" الأربعاء. وأضافت أن الخارجية الأميركية تفكر بابتعاث هادي عمار نائب مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، لمحاولة المشاركة مع أطراف أخرى لإحلال الهدوء.
على المستوى السياسي الإسرائيلي لا يزال التصعيد سيّد الموقف. ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأربعاء، لرفض عروض الوساطة الدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع حركة حماس.
وشجع بينيت نتنياهو على اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد حماس. وقال: "يجب ألا تنهي الحكومة الجولة الحالية في قطاع غزة حتى تدفع حماس ثمناً باهظاً". كما دعا بينيت وزارة الأمن العام والشرطة إلى بذل المزيد من الجهود لحماية المواطنين في المدن المختلطة الذين "يعانون من التخريب والعنف"، حسب تعبيره.
ونقلت صحيفة "جروزاليم بوست" عن مسؤول إسرائيلي "كبير" أن إسرائيل لن تتفاوض على وقف لإطلاق النار قبل أن تدفع حماس "ثمن هجماتها".
وقال: "أطلقت حماس مجموعة من الصواريخ، وبعد ذلك يريدون بالطبع وقف إطلاق النار. وهذا مثالي بالنسبة لهم، إذ لن يتعين عليهم دفع ثمن استهداف القدس ثم إطلاق 500 صاروخ". وأضاف "سيكون هناك وقف لإطلاق النار عندما نكون نحن مستعدين لذلك".
ورأى معلقون وباحثون إسرائيليون أن جولة المواجهة مع حماس، وانفجار الأوضاع في القدس والداخل الفلسطيني، دلّا على انهيار الرهان على اتفاقات التطبيع، وأسفرا عن المس بمكانة إسرائيل الإقليمية، وأظهراها ك"دولة ثنائية القومية".
وقال عومر عيناف، الباحث في مركز "موليد للأبحاث"، إن انفجار المواجهة الحالية في غزة والقدس يدّل على "تهاوي الانطباع الذي حاول بنيامين نتنياهو تكريسه بعد اتفاقات التطبيع مع الدول العربية بأن القضية الفلسطينية لم تعد قائمة، ولم تعد تعني الشعوب العربية".
وأضاف في مقال بصحيفة "يديعوت أحرنوت" أن عودة القضية الفلسطينية بقوة بعد أحداث القدس والتصعيد مع غزة، وما رافقه من التفاف عربي، كل ذلك أضفى صدقية على التحذيرات من قبول ادعاء نتنياهو بأن العالم العربي سيتخلى عن القضية الفلسطينية في أعقاب اتفاقات التطبيع.
من ناحيته، شدد المعلق العسكري لصحيفة "إسرائيل اليوم" يوآف ليمور على أن خطورة إطلاق الصواريخ التي أطلقتها المقاومة في غزة في اليومين الماضيين لا تتمثل في نتائجها المادية، بل في نجاحها في المس بمكانة إسرائيل الإقليمية.
وأشار ليمور إلى أن "جولة القتال الحالية" مسّت بمكانة إسرائيل التي تقدم نفسها على "أنها القوة الأهم في المنطقة، لاسيما بعدما أجبرت حركة حماس الملايين من الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ، واضطرار تل أبيب إلى إغلاق مطار بن غوريون"، مشدداً على أن مكانة "حماس" تعاظمت بشكل كبير.
وأوضح أن كل المؤشرات تدل على أنه "على الرغم من تعمد إسرائيل المس بالكثير من الأهداف المدنية، وضمنها الأبراج السكنية، فإنه لا يوجد لدى حماس النية للتراجع والخضوع"، مبرزاً أن هذا يفرض على إسرائيل أن تقرر المسافة التي يمكن أن تقطعها في هذه المواجهة.