حسان الحسن -
لمن تابع ويتابع مجريات الأوضاع في سورية، يعلم أن التواصل بينها و بين السعودية، ليس بجديدٍ، فقد عقدت في السابق، لقاءات بين الجانبين، ولكن لم تتخط الطابع الأمني، ونقلت الرسائل المتبادلة بينهما، كزيارة معاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك للسعودية، في كانون الثاني 2019. أضف الى ذلك الحفاوة التي لاقاها نائب وزير الخارجية السورية السفير بشار الجعفري، من السعوديين خلال إقامة حفل استقبال على شرف وزير الدولة السعودي فهد المبارك، عقب ندوةٍ نظمت على مستوى مندوبي الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مقرها في نيويورك في كانون الثاني 2020. أما المستجد اليوم، واللافت، في العلاقات الثنائية بين دمشق والرياض، فهو أن دولة كالسعودية، أسهمت بقوةٍ في الحرب على سورية، إعادت النظر في سياستها وسلوكها السابق، واتخذت موقفاً متقدماً، لم تجرؤ أي دولة شريكة في العدوان على سورية، على اتخاذه، من خلال المعلومات المسرّبة عن لقاء الوفد السعودي مع المسؤولين السوريين في دمشق أمس، مفادها : "توجه المملكة الى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، و العمل على عودة سورية الى الجامعة العربية".
أما الأسباب التي دفعت الرياض الى اتخاذ خطوة كهذه، فهي تختصر بسببين أساسيين: أولاً- لا ريب في أن السياسية الأميركية الجديدة التي تنتهجها إدارة الرئيس جو بايدن في المنطقة، هي دافع رئيسي، لهذا السلوك السعودي المستجد، خصوصاً لجهة إعادة استئناف المفاوضات في شأن إعادة تفعيل الملف النووي الإيراني، ونجم عن ذلك، انعقاد مفاوضات إيرانية – سعودية في العراق، للبحث في حل مختلف القضايا العالقة في المنطقة، حيث يوجد تأثير ونفوذ للبلدين. كذلك دفعت الأجواء الإيجابية الناجمة عن اللقاءات الإيرانية – الأميركية، الى تغيير خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تجاه إيران وأنصار الله في اليمن. ويحاول بن سلمان من خلال اتخاذ هذه المواقف، تقديم أوراق اعتماده لدى الإدارة الأميركية الجديدة، من خلال إظهار استعداده للتماهي بالكامل مع سياستها في المنطقة، لتثبيت موقعه في حكم المملكة. أما السبب الثاني، فهو سعي السعودية الى تبديل دورها، وسط المتغيرات المذكورة آنفاً، من خلال محاولة تأدية أدوار معينة، أو توسيع شبكة علاقاتها الإقليمية، لإيجاد توزانٍ مع تحالف الإمارات العربية – "إسرائيل"، لضبط إيقاع الإمارات، كي لا تعاد التجربة القطرية، أي محاولة التفاف سعودي على أي دور إقليمي للإمارات في المنطقة، كالدور الذي أدته قطر، خلال ما يعرف "بالربيع العربي" بتفويض من الأميركيين، كون السعودية هي أكبر دول الخليج، وتتصدر زعامتها. كذلك تحاول المملكة، الحد من النفوذين التركي والإيراني في سورية، والتركي – المصري في المنطقة أيضاً، وقد يكون ذلك من خلال الإسهام في إعادة إعمار سورية. ومن البديهي أن تتلقف سورية، الخطوة السعودية الأخيرة، لأن ذلك، يدفع المملكة كي لا تحذو حذو الإمارات، والتوجه الى التطبيع مع "إسرائيل". وحتماً سيكون لكل ما ورد أنفاً، انعكاس على الأوضاع في لبنان، وليس من المستبعد ، أن يبرز قريباً نوع من ترطيب أجواء بين حزب الله والسعوديين، فور انتهاء الحرب على اليمن. وكل ذلك يؤشر الى أن الخاسر الأكبر داخلياً وسط هذه المتغيرات، هو الرئيس سعد الحريري المرفوض سعودياً وسورياً، ولا يحظى بالدعم الأميركي اللازم، لتشكيل حكومته. أضف الى ذلك هناك انعدام للكمياء بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لذلك لم يبق أمامه إلا الاعتذار. والأمر متوقف على إمكان عقد لقاء بين الرئيس المكلّف، ووزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، فإذا لم يعقد اللقاء، فهذا يعني أن الدعم الفرنسي رفع عن زعيم تيار المستقبل، عندها قد يعلن الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، في وجه الموفد الفرنسي.