لا يزال المشهد الحكومي العالق في مرحلة التأليف بعيد عن الانفراج بشقيه الداخلي والخارجي، وكانت نتائج زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بعبدا ولقائه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس الأول، ترجمة للعراقيل المتنوعة التي تقف امام تشكيل حكومة جديدة بمعايير المبادرة الفرنسية كما طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت في قصر الصنوبر، أي من اختصاصيين. واللافت بالأمر، أن الحريري أعاد الطرح نفسه من منبر بعبدا رغم ان ماكرون كان أبدى مرونة في كلامه الأخير حيث اعتبر ان من الممكن التعديل بمواصفات الحكومة اذا لزم الأمر كي ترى الأخيرة النور. ما يطرح أسئلة عما اذا كان تمسك الحريري بالصيغة الأولية للحكومة ناتج عن لقائه الأخير مع ماكرون ام ان الجو السعودي لا يزال متشبث بإبعاد حزب الله والفريق الحاكم عن الحكومة تحت مسمى حكومة اختصاصيين؟
وفي هذا الاطار، تقول مصادر لبنانية مطلعة في العاصمة الفرنسية باريس، أن الحريري لم يتخط حتى الان الفيتو السعودي والخليجي على تمثيل حزب الله في الحكومة وأن المعضلة الحقيقية هي برفض الحريري تشكيل حكومته خارج الرضى السعودي، وهو ما ليس متاحاً حتى الان، من هنا اتى تأكيده في لقاء بعبدا الأخير على أن الحكومة يجب أن تكون فقط من اختصاصيين. وتضيف المصادر، الحريري يعلم بحجم الدعم المالي المرصود للبنان في حال تشكيل الحكومة لذلك هو غير مستعد للتنازل لأي شخصية سنية أخرى عن هذه المهمة ويريد أن يكون شخصياً في الحكم لادارة الدعم الدولي، ما يجعل بنظرها الأزمة تطول.
بالمقابل، مصادر حزب الله أكدت لـ«الديار» سابقاً أن الحريري لم يفاتح الحزب لا مباشرةً ولا مداورةً بوجود هكذا فيتو، وهم أي الحزب لم يسمع بذلك سوى بالاعلام. كما أن الحزب لعب مؤخراً دوراً في تقريب وجهات النظر بين عون والحريري والدفع باتجاه ترميم الثقة بين الطرفين، غير أن محاولته بالاضافة الى مبادرة الراعي لم تلق النجاح حتى الان.
أما على الصعيد الأميركي، ورغم ان لبنان ليس ضمن أولويات الادارة الأميركية الجديدة التي تضع ملفات «كورونا» والصين وروسيا أولوية لها، تكشف مصادر ديبلوماسية لـ«الديار» أن على السعودية أن تبدي مرونة أكبر على الساحة اللبنانية وتدفع في سبيل تشكيل الحكومة اللبنانية في الظروف الحالية قبل ان يتقدم التفاوض الأميركي الايراني ويصبح من الصعب تحصيل المكاسب الممكن تحصيلها الان. كما يلوح بالافق تصعيد أميركي تجاه السعودية من قبل الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن، وبداية التصعيد كان قراره بوقف الدعم العسكري للعمليات التي تقودها السعودية في اليمن، دون أن ننسى تصاريحه السابقة كنائب رئيس لأوباما المنتقدة للسعودية حيث اتهمها بدعم الارهاب، اضافة الى موقفه الحازم من قضية مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. لذا تعتبر المصادر الدبلوماسية أن بوادر السياسة الاميركية غير مطمئنة للمحور السعودي في المنطقة، ما يحتم على الحريري التشكيل سريعاً قبل ان تتغير الظروف وتعاكسه الرياح الاقليمية.
كلمة الحريري في ذكرى 14 شباط
ومن المنتظر أن يدلي الرئيس سعد الحريري بكلمة متلفزة عند الرابعة عصراً اليوم في ذكرى اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتفيد مصادر مطلعة على أجواء الحريري أن الأخير سوف يؤكد على النهج المتبع في مقاربة الملف الحكومي مع رئيس الجمهورية، وأنه متمسك بما اعلنه في بعبدا عن حكومة اختصاصيين ولا ثلث معطل لأحد وأن لا تتعدى التشكيلة 18 وزيراً.
كما سوف يحاول الحريري أن يظهر تشدده بتشكيل حكومة بعيدة عن الاحزاب، ليظهر للسعودية عدم قبوله بوزراء لحزب الله بهدف تعزيز موقعه لدى الحكم السعودي وحلفائه الخليجيين. بالاضافة الى ذلك، سوف يشرح الرئيس المكلف وجهة نظره في عملية تشكيل الحكومة ولماذا وصلت الأمور الى الانسداد السياسي، محاولاً أن يكون أقرب الى المزاج الشعبي. غير ان المصادر لم تتوقع ان يذهب الحريري في خطابه الى حد كسر الجرة مع العهد والتيار الوطني الحر، كونه يعلم أن تشكيل الحكومة لن يتم دون توقيع عون.
لقاء بعبدا الأخير: أسماء وحصص والخلاف باقٍ
كما أصبح معلوماً، لم ينجح اللقاء الأخير بين الحريري وعون بفك أسر الحكومة الجديدة، وبدى واضحاً أن الحريري قام بالزيارة لـ «حشر» بعبدا في الزاوية بعد جولاته الخارجية وللتأكيد على نهجه في تشكيل الحكومة. هذا وتقول مصادر مطلعة على اللقاء للديار أن الحريري حمل معه «التوزيعة» ذاتها من أسماء وحقائب، وكشفت أن الخلاف لا يزال عالقاً حول اذا ما كان الوزير الأرمني يحتسب من حصة الرئيس عون أي من الـ 6 وزراء او من خارجها. حيث يصر الحريري على احتساب الوزير الأرمني من ضمن حصة عون المؤلفة من 6 وزراء، فيما يعتبر رئيس الجمهورية أن الكتلة الأرمنية لم تصوت في الاستشارات الحكومية مع التيار الوطني الحر وكتلة لبنان القوي ما يجعل احتساب حصتها الوزارية من خارج حصة العهد.
من جهة أخرى، تكشف مصادر قريبة من المستقبل أن الأسماء المطروحة من قبل رئيس الجمهورية لا تتمتع بصفة الحياد وفي بعض الحالات بصفة الاختصاص، حيث مرشح عون لتولي وزارة الداخلية من آل يمين معروف بانتمائه السياسي ولا يدخل في خانة حكومة الاختصاصيين، كما تعتبر هذه المصادر أن اصرار عون على اعتبار الحصة الارمنية خارج حصته من الـ 6 وزراء، التفاف على مبدأ الثلاث «ستات» للحصول على الثلث الضامن داخل الحكومة والتحكم بمصيرها لوحده، خدمةً لصهره النائب جبران باسيل، اذ تعتبر المصادر أن لو كان عون يعمل لمصلحة عهده لشكل الحكومة بعد أيام من تكليف الحريري كون حكومة الانقاذ حاجة ماسة لعهده في سنواته الأخيرة، بينما هو يصر على الثلث المعطل للتحكم بالاستحقاقات الانتخابية الاتية وضمان مستقبل باسيل السياسي.
على صعيد متصل، علمت «الديار» أن الحصة الشيعية في التشكيلة التي عرضها الحريري تتألف من جهاد مرتضى ويوسف خليل وابراهيم شحرور وشخصية رابعة، حيث يحظى مرتضى وخليل برضى الرئيس بري. أما على صعيد شحرور والشخصية الرابعة، فلقد أكد مصدر في حزب الله للديار أن الحزب لن يناقش بالأسماء قبل الاتفاق بين عون والحريري وهو حتى الان لم يسلم أي اسم للحريري، معتبراً أنه عندما تسلم الاسماء الى الرئيس الحريري تكون الامور بلغت خواتيمها.وكشفت مصادر للديار أن الشخصية الرابعة وهي سيدة، جاوبت الحريري عندما ابلغها نيته توزيرها بانها «تتشرف بذلك ولكن اذا كان توزيرها غير موافق عليه من الثنائي الشيعي فهي تعتذر عن هذه المهمة».
زيارة ماكرون للرياض
هذا ويراهن البعض في لبنان على الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرياض مع ما قد تحمله من تغيير في الموقف السعودي من لبنان وعملية تشكيل الحكومة الجديدة والتي سوف تنعكس على موقف الحريري وبالتالي أكثر مرونة في التفاوض مع عون. ويتوقع أن تتجاوب السعودية مع ماكرون في طلبه خاصةً مع ما يلوح في الافق من تغيرات اقليمية في ظل السعي الاميركي للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران، مقابل ضمانات فرنسية بان تكون «المطالب السعودية» حاضرة على طاولة مفاوضات مجموعة الدول الست أي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا مع ايران بشأن اعادة احياء الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015.