وفي مقاربة وبائية لمسار الوباء واختلافه بين الدول، يبدو واضحاً أن فيروس كورونا لم يحافظ على هويته الأولى الذي ظهر فيها بداية في الصين. لكن ما لا نعرفه، أن بعض هذه التغييرات كانت موجودة في لبنان حتى قبل ظهورها في دول أخرى، وأن بعض هذه الطفرات لم نجدها في الخارج إلا بعد أشهر من ظهورها هنا. هذه الخلاصة توصلت إليها دراسة لبنانية بجهود كثيفة لمجموعة من الدكاترة اللبنانيين.
يشرح البروفيسور فادي عبد الساتر الحائز على دكتوراه في العلوم البيولوجية وأستاذ محاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية – الفرع الاول أن ” هذه الدراسة أُجريت على 11 عينة ( 8 وافدين و3 محليين) تمّ سحبها في بداية ظهور الفيروس في لبنان بعد إجراء تفكيك للشيفرة في مختبرات خارجية، وقد نُشرت في تشرين الأول في مجلة علمية معروفة. وقد اعتمدنا على هذه العينات لإجراء التحليل في شهر أيار 2020 لفهم تطور الفيروس أكثر محلياً ومعرفة ما اذا كان الفيروس قد اختلف جينياً بين الوافد والمقيم أو بين دولة وأخرى.
وكان لافتاً حسب ما أكد عبد الساتر أن هناك تغييرات في الفيروس ظهرت عند المواطنين المحليين تختلف عن تلك الموجودة عند الوافدين، ويعود سبب ذلك إلى تطور الفيروس نفسه. مع العلم أنه عندما أجرينا هذه الدراسة لم يتحدث كثيرون عن تطور الفيروس والمتغييرات التي تحدث كما هي الحال اليوم، إلا أن هذه الدراسة كشفت لنا كيفية اختلاف الفيروس وتطوره من شخص إلى آخر وحتى من الشخص نفسه.
التطور الجيني للفيروس
إذاً، الإنطلاقة كانت بعد أشهر من ظهور الفيروس في لبنان، وكان الهدف من الدراسة اللبنانية التي تولتها
الجامعة اللبنانية تحت إشراف مجموعة من الدكاترة وهم الدكتور محمد أبو حمدان، الدكتور قاسم حمزة، الدكتور علي عبد الساتر، الدكتور حيدر عقل، الدكتور نبيل الزين، الدكتورة إسراء دندش والدكتور فادي عبد الساتر، تسليط الضوء على المتغييرات والطفرات التي يقوم بها الفيروس والتي تختلف بين الدول كما شهدنا في لبنان.
لذلك سعت الدراسة إلى المقارنة لمعرفة مدى تطابق او اختلاف السلالة الموجودة في لبنان مع تلك السلالات الموجودة في الدول الأخرى. وعليه، بدأنا بمراقبة مرضى كوفيد_19 المحليين مع المرضى في الدول الأخرى لمعرفة كيفية تطور الفيروس ومدى امكانية تحوره وتغييره عند انتشاره في الدول. لذلك كان مهماً متابعة هذا الموضوع في الأشهر الأولى بعد ظهور الفيروس في لبنان، ومراقبة التطور الجيني للفيروس ودراسة العلاقة بينه وبين الجينات عند اللبنانيين.
ونتيجة دراسة العينات ومتابعة تسلسلها، يشير عبد الساتر إلى أننا “توصلنا إلى أن الطفرات التي كانت في لبنان لم تكن موجودة بعد في أي مكان في العالم. وفي الوقت نفسه الطفرة التي حُكي عنها في شهريّ حزيران وتموز في فرنسا وأميركا تبيّن أنها موجودة في بعض العينات المأخوذة في لبنان قبل الحديث عنها في الخارج.
كما يعتبر تفكيك شيفرة الفيروس ومقارنته مع الفيروس الأساسي الموجود في الصين ضرورياً فهو يسمح لنا بمعرفة التغييرات التي حصلت في الفيروس خلال الشهرين الماضيين. وقد توصلنا حقيقة إلى اكتشاف 3 طفرات للفيروس (التي حكي عنها في ما بعد في فرنسا وأميركا ) عند 8 مرضى من أصل 11 مريض لبناني.
وكما شاهدنا بالطفرة الجديدة للفيروس المتحور في بريطانيا وجنوب افريقيا والذي أثار هلعاً لدى الدول والخبراء، إلا أن المفارقة أن هذه السلالة موجودة كانت قبل الحديث عنها ورصدها عند بعض المرضى والإعلان عنها رسمياً.
ما يعني أن “الطفرة الجديدة البريطانية موجودة من دون شك في لبنان منذ فترة، وهي منتشرة بعدد كبير في لبنان وستكشف الفحوصات التي أجريت في فترة الأعياد وبعد رأس السنة هذه الحقيقة.
إذاً، وفق عبد الساتر الهدف من الدراسة يتمثل بمتابعة تطور الفيروس ومعرفة ما اذا كانت هذه التحورات والتغييرات من شانها أن تجعل الفيروس أكثر شدة وخطورة. وقد أظهرت الطفرة الجديدة التي اكتشفت في بريطانيا وغيرها أن لديها قدرة أكبر على الانتقال وسرعة أكثر على نقل العدوى أي انتشار الفيروس بسرعة أكبر مما كان عليه سابقاً.
لافتاً إلى أن الطفرة الأخيرة للفيروس (السلالة الجديدة التي ظهرت في بريطانيا وغيرها من الدول) هي مجموعة طفرات اجتمعت وأدت إلى هذه السلالة الجديدة. حتى أن هناك دراسة تحدثت عن أن هذه الطفرات التي اجتمعت مع بعضها ظهرت أولاً عند مريض بقي طويلاً في غرفة العناية في أحد المستشفيات. ولأن المريض كان عاجزاً عن محاربة الفيروس نتيجة ضعف في جهازه المناعي، يستفيد الفيروس من ذلك ليتحور نفسه داخل الجسم. وبالتالي انتقلت هذه الطفرات المتحورة في مجموعة واحدة إلى خارج المستشفى ومن ثم نقلها إلى الناس.
أما بالسنبة إلى أن اللبناني لديه مناعة وجينات تحصنه من مضاعفات الفيروس او الإصابة الشديدة كما كان سائداً في أول الجائحة، يؤكد عبد الساتر طان هذه الفرضية أُسقطت ولم تكن صحيحة. علماً أن إيطاليا أجرت دراسة بعد أن سجلت نسبة وفيات مرتفعة جداً لمعرفة سبب ذلك، وتبيّن بعد مقارنة الجين ACE2 أن الطفرات التي حصلت لديهم ليست موجودة عند باقي الشعوب وهذا ما يُفسر نسبة الإصابات والوفيات.
وكما بات معلوماً اختلفت الآراء حول مدى تأثير اللقاحات بعد ظهور الطفرات الجديدة للفيروس، وبينما أشار الخبراء إلى أن هذه التغييرات لن تؤثر على فعالية اللقاح وجد البعض الآخر أنها ستخفف من فعاليته دون التوصل إلى رأي موحد في هذا الموضوع.
وبما أن الفيروس هو الخيار الوحيد المتاح لمحاربة هذا الوباء، لن يكون هناك الكثير من الخيارات في ظل هذه الجائحة التي تعصف بكل الدول منذ سنة.
وكخلاصة الدراسة، يمكن القول أننا “شهدنا في لبنان على طفرات عديدة لم تكن قد ظهرت بعد في دول أخرى، وحتى الطفرات التي حُكي عنها في فرنسا وأميركا خلال شهر حزيران كانت موجودة في لبنان منذ آذار. وهذا ما يشير أيضاً إلى وجود السلالة البريطانية نتيجة قدوم الوافدين إلى لبنان دون اجراء فحص الـPCR في المطار. ولكن بعد الحديث عنها في الخارج، أعاد لبنان فرض اجراء الفحص على أرض المطار، بالإضافة إلى الحالات الإيجابية على متن الرحلة. علماً أن هذه السلالة ليست محصورة في بريطانيا فقط وانما في دول عدة، وأصبحت خارج عن السيطرة. صحيح أنها لا تًشكّل خطورة إلا أن قدرتها على الانتشار أسرع من غيرها وبالتالي ارتفاع أعداد الإصابات.”