في حين تتهاوى كل جدوى للثرثرة السياسية المتصلة بدوامة ازمة تاليف الحكومة التي غدت مهزلة دراماتيكية وسط الانهيارات التي يشهدها لبنان بدا مدهشا ان يجد العهد متسعا من الوقت لتفجير شكوك جديدة حول النيات الانقلابية لديه ولدى بعض حلفائه على الطائف من خلال ابتداع تفسير مبتكر لوظيفة المجلس الدستوري تنيط به تفسير القوانين ! ولا يقف عامل الادهاش هنا على توقيت هذا الترف السياسي الذي فجر بسرعة ردودا سلبية عليه بدءا بموقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري وانما العامل الأشد اثارة للصدمة ان الدولة اللبنانية برأسها وأقطابها وحكومة تصريف اعمالها قاطبة لا تبدو مدركة واقعيا فداحة الكارثة الوبائية التي اشتد أوارها في الأسبوعين الأخيرين عقب “انفجار” الأعياد على نحو وضع لبنان واللبنانيين في مهب استباحة الوباء بشكل غير مسبوق .
وبازاء ما يجري من تطورات دراماتيكية امام المستشفيات المختنقة والمكتظة بطوابير المصابين والمرضى خصوصا عند أبواب وباحات أقسام الطوارئ تتساءل جهات معنية في القطاعات الصحية والطبية والمدنية هل يعلم المسؤولون فعلا ماذا يجري في مستشفيات لبنان والألوف من منازل اللبنانيين ويبقون على هذه الوتيرة الخيالية من المعالجات البطيئة لأسوأ واقع عرفه في تاريخه القطاع الصحي في لبنان بعدما كان مفخرة لبنان في المنطقة ؟ كما يتساءلون متى يبادر المسؤولون الى توحيد المرجعية الطبية والصحية في لبنان ووضعها في ايدي خبيرة وعلمية بعيدة من التسييس مادام الحل الحكومي بعيدا ولا افق لانفراج وشيك فيما التضارب على اشده في المعالجات الصحية التي تتبعها الحكومة المستقيلة ؟ ثم هل من تفسير ل”مؤامرة “ تأخير وصول اللقاحات الى لبنان بفعل إجراءات غامضة ومتأخرة في استقدام اللقاح الحصري الوحيد الذي قررته الحكومة في حين كان ممكنا تنويع اللقاحات كما تفعل دول العالم ؟ ولماذا سيكون لبنان بين آخر الدول التي سيصلها اللقاح فيما تلهو وزارة الصحة بتخدير الناس بتوزيع الكمامات وقت تتصاعد ارقام الإصابات على نحو مخيف ؟
ومضى عداد كورونا في تسجيل ارقام قياسية مرعبة خرقت سقف الخمسة الاف إصابة اذ بلغ عدد الاصابات امس 5423 إصابة و17 حالة وفاة ومع ذلك سجل مزيد من الإخلالات بالإقفال واتسعت الاستثناءات بعد يومين فقط من بدئه، وشمل آخرها امس سائقي الفانات والاوتوبيسات. ودق نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف جرس التحذيرات مجددا مشددا على أن “الإقفال التام لا يمكن أن ينجح إذا استمرّ المواطن بعدم الالتزام، والجهات المعنية من لجان نيابية ووزارية وصحّية ووزارات بعدم التنسيق في ما بينها وتوحيد قرارها”. وطالب بـاستحداث مستشفيات ميدانية وتجهيزها ودعم المستشفيات الخاصّة والرسمية بما هي بحاجة إليه لزيادة قدرتها الاستيعابية ومواكبة الحالة الصحيّة الخطرة . وابرز ما كشفه أبو شرف ان “لقاحا يُستخدم في عدد من الدول ممكن استيراده بأقرب وقت وقد يصل الى لبنان قبل لقاح شركة “فايزر” وهو أقل كلفة”، مناشداً “وزارة الصحة الإفساح في المجال أمام القطاع الخاص لاستيراده”.
أما التطور السلبي الاخر الذي هبط على رؤوس اللبنانيين فتمثل في اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امس ان “عصر تثبيت سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي انتهى ونتجه نحو سعر صرف معوم يحدده السوق” .ولكنه عاد وابلغ رويترز ليلا انه لن يجري تعويم العملة من دون موافقة صندوق النقد الدولي بما يعني ان تحرير سعر الصرف يجب ان يتم بالاتفاق مع صندوق النقد وبقرار من الحكومة اللبنانية ولذا دعا سلامة الى تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة لمحاولة النهوض من الواقع الحالي .
بكركي والحكومة
اما على الصعيد الحكومي فبرز امس الاتصال الذي اجراه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، معزيا بوفاة شقيقه . وذكر أن “الاتصال كان مناسبة جرى خلالها تبادل الأفكار في ما يتعلق بالحكومة اذا كان هناك رغبة في تأليفها” .
وتزامن ذلك مع معلومات ل “النهار” عن استمراربكركي في جهودها لتذليل العقبات التي تحول دون توافق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التشكيلة الحكومية اذ زار الوزير السابق سجعان قزي بيت الوسط قبل يومين واطلع الرئيس الحريري على أجواء البطريرك الراعي بعد زيارة الرئيس عون لبكركي .
في غضون ذلك، اعلن مكتب الحريري ان الرئيس المكلف التقى ظهر امس في اسطنبول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وجرى خلال اللقاء، الذي استمر ساعتين وتخلله غداء عمل، عرض مفصل لآخر التطورات الإقليمية والتحديات المتعددة وسبل التعاون بين دول المنطقة لمواجهتها. كما تطرق الرئيسان الحريري وأردوغان للعلاقات الثنائية بين لبنان وتركيا، وسبل دعم جهود وقف الانهيار واعادة اعمار بيروت فور تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان.
تفسير الدستور!
في هذه الاثناء فتح الرئيس عون مسلكا جديدا لسجال دستوري بإعلانه ان “دور المجلس الدستوري لا يجوز ان يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور “. ولفت الى “وجود ثغرات في النصوص التي تحدد صلاحيات الوزراء، لاسيما اولئك الذين يتقاعسون عن تنفيذ القانون “.
واثار موقف عون حفيظة الرئيس بري الذي سارع الى الرد في بيان قائلا “ ان دور المجلس الدستوري هو مراقبة دستورية القوانين من دون أن يتعداها الى تفسير الدستور الذي بقي من حق المجلس النيابي دون سواه، وهذا أمر حسمه الدستور ما بعد الطائف بعد نقاش ختم بإجماع في الهيئة العامة”.
كما رد النائب المستقيل مروان حمادة بعنف على عون فاتهمه بارتكاب “خرق جديد للدستور في محاولة منه لنزع سلطة تفسير الدستور من المجلس النيابي “ وقال “هناك فارق كبير بين دستورية القوانين المولج بتفسيرها المجلس الدستوري، وبين تفسير الدستور ومواده الذي لو خرج من المجلس النيابي سيطيح بفصل السلطات وكل التوازنات المؤسساتية، ويعيدنا برعاية العهد الميمون الى الحرب الأهلية”.
ومساء امس دعا الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله الى اعلان نتائج التحقيق في جريمة انفجار المرفأ مستغربا اداء المحقق العدلي وسأل خلال كلمة متلفزة عما اذا كان “ما حصل نتيجة اعمال ام عمل تخريبي ام عدوان؟ اهالي الشهداء لهم حق ان يعرفوا الحقيقة (…)وبعد 5 اشهر الم يتبين من اتى بالنيترات الى لبنان ولمصلحة من اتى بها. وان الادعاء على رئيس الحكومة والوزراء المستقيلين لا يستند على اساس او معيار ولا يجوز بهذا الملف العمل بطريقة 6 و6 مكرر” ودعا الى اعلان نتائج التحقيق حتى يعرف الشعب الحقائق ويواكب القضاء في كل الاجراءات”.
وتحدث نصر الله عن مؤسسة القرض الحسن مؤكدا “انها جمعية لا تبغى الربح وانها تقرض المحتاجين لقاءضمانات منها الذهب وليست منظمة سرية وكل معاملاتها منشورة في دليل للوزارة وهنا نسأل: ما هي الأضرار التي تسببها مؤسسة تمنح قروضاً للناس من دون فوائد على الاقتصاد اللبناني؟” .
وتوجه الى النائب السابق وليد جنبلاط من دون ان يسميه “ اذا كنت تريد قرضا قدم طلبا وضمانات”، وختم “ هذه المؤسسة باقية ومن يريد الانسحاب منها فليفعل ذلك في النهار وادعو حزب الله والجميع الى وضع اموالهم في القرض الحسن، وللئام اللبنانيين نقول روحوا بلطوا البحر”.
ثم عرض لما يسمى بالملف الايطالي الذي اثير سابقا واتهمت بعض الجهات الحزب بتهريب الكبتاغون الى ايطاليا بمليار دولار ، وسخر من الامر واضعا اياه في خانة محاولة تشويه سمعة الحزب واكد انه لم تصدر عن اي جهة رسمية ايطالية اتهامات للحزب .
ولوحظ ان نصر الله لوح بالتحرك في الشارع ردا على بعض الاعلام وقال أنه “بالنسبة لنشر هذا الموضوع على بعض وسائل الإعلام اللبنانية، أنتم تعتدون على كراماتنا وتتهموننا بأشياء بشعة ومستنكرة جدا، ويجب معالجة هذا الموضوع، وهذا النوع من الموضوعات يشكل اتهاما بإنسانيتنا ونعده اتهاما بالإجرام ولا نقبل أن يتهمنا أحد بذلك، وبموضوع الإعلام لا بد من معالجته وإذا كان المطلوب أن تتم معالجته من قبل الناس بتظاهرة واعتصام فمن الممكن أن يأتي يوم للمعالجة”.
اما في الموضوع الحكومي فقال “ان الأمور في موضوع تأليف الحكومة معقدة”
وختم “تأليف الحكومة في لبنان غير مرتبط بمفاوضات أميريكية إيرانية(…)”.