مهما تعددت اللقاءات، فإن مصيرها لن يكون سوى الفشل. لا حكومة في الأشهر المقبلة، والأزمة تخطت مسألة الخلاف على الوزراء والحقائب. الصراع السياسي كبير. الرئيس المكلف يريد إقصاء جبران باسيل عن أي دور مستقبلي، ورئيس الجمهورية يريد إفشال هذه المحاولة. في ظل هذا الصراع، يسير الانهيار الاقتصادي الكلي بخطى متسارعة
غاب رئيس الجمهورية عن قداس الميلاد، فقرر التعويض بزيارة إلى بكركي لمعايدة البطريرك بشارة الراعي. زيارة المعايدة صارت حدثاً، في ظل غياب أي تحرك أو حدث سياسي. هذه الخطوة، ربطاً بالمسعى الذي أقحم الراعي نفسه به لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، أخذت التحليلات لتصبّ في خانة الأمل بتحرّك ملف تشكيل الحكومة. لكن في ظل انشداد العين اللبنانية باتجاه واشنطن منذ ما قبل دخول انصار دونالد ترامب إلى مبنى الكابيتول، وعلى الأرجح حتى خروجه من البيت الأبيض، فإن أحداً لا يتعامل مع أي مسعى يتعلق بتشكيل الحكومة بالجدية المطلوبة. لا أحد يضع في حسبانه ازدياد المخاطر المرتبطة بالوضع الاقتصادي، والتي يمكن أن تصل إلى انهيار وشيك، إذا لم تُشكّل الحكومة وتبدأ عملية إنقاذ ما أمكن.
في هذا الوقت، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم، مخصصاً كلمته للحديث عن الملفات الداخلية. وهو كان قد أشار في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى أنه سيتناول ملف تشكيل الحكومة وملف كورونا والترسيم البحري والوضع الاقتصادي والنقدي… ويأمل كثر أن تساهم إطلالة نصرالله في تحريك المياه الحكومية الراكدة. لكن ثمة من يشكك في قدرة الحزب على كسر التباعد القائم بين عون والحريري، خصوصاً أن الحزب سبق أن قام بمحاولة لرأب الصدع بين الطرفين اصطدمت بعقبتين: تمسّك كل منهما بوجهة نظره، وامتلاك المحاولة نفسها عناصر فشلها داخلها، لكونها لم تتضمن أي اقتراحات عملية لحل الخلافات القائمة، إنما ركّزت على الحث على بذل مجهود لإنجاز التشكيلة والتحذير من خطورة البقاء من دون حكومة تعالج الأزمات المتلاحقة. وهو ما كررته كتلة الوفاء للمقاومة في اجتماعها أمس، فحثّت الرئيس المكلف «على إعادة تحريك عجلة التأليف للحكومة ومواصلة التشاور للتوصل إلى الصيغة التي يمكن أن تعزّز الاستقرار والثقة بحسن إدارة شؤون ومصالح البلاد والقدرة على النهوض بالأعباء المترتبة على ذلك».
وسبق لنصر الله أن أشار إلى أن العقد داخلية بخلاف ما يروج عن ارتباطها بالانتخابات الأميركية، وهذا أمر يؤكده معظم الأطراف. بشكل تفصيلي أكثر، أبدى مصدر متابع ثقته بأن العقد المتراكمة والصراع السياسي الواضح بين عون والحريري يمكن اختصارها بالعقدة الأساس: الدور المستقبلي لجبران باسيل. «المستقبل» يعتبر أن الأخير انتهى بالسياسة بغض النظر عن حجمه النيابي أو حجم حزبه. وأصحاب هذا الرأي صاروا يستشهدون بدونالد ترامب، الذي انتهى سياسياً رغم تأييده من قبل ٧٥ مليون أميركي. وفي مقابل الموقف المستقبلي، موقف آخر يعتبر أن رئيس الجمهورية يسعى إلى تثبيت باسيل في المعادلة المقبلة، وهو لا يملك من الأدوات سوى كتلة وزارية وازنة تدعم الكتلة النيابية، وتعيده إلى سكة السباق إلى رئاسة الجمهورية.
رئيس الجمهورية يتريث بالموافقة على لقاء الحريري في بكركي
أمس أطلع عون الراعي على نتائج اللقاءين اللذين جمعاه مع الحريري، مشيراً إلى أن الخلاف لا يزال مرتبطاً بغياب المعايير الموحدة، عدم توزيع الحقائب بشكل عادل على الطوائف، وإصرار الحريري على الحصول على وزارتي العدل والداخلية معاً.
بعد ذلك، وتأكيداً على ما سبق أن قاله في عظته من وجوب أن يلتقي الطرفان لحل الخلافات الحكومية، اقترح الراعي على عون أن يجتمع مع الحريري في بكركي. وبحسب المعلومات، فإن عون لم يعط الموافقة ولم يرفض، بل اكتفى بالإشارة إلى أنه سيدرس الأمر. بالنسبة لمصادر مطلعة، فإن اللقاء ليس هو المشكلة بالنسبة لعون، فقد سبق أن التقى الرئيس المكلف على مدى جلسات عديدة لم يتم التوصل فيها إلى نتيجة، وبالتالي، فإن الرئاسة تعتبر أن مضمون الاجتماع أهم من الاجتماع نفسه.
لكن كان لافتاً أن رئاسة الجمهورية أصدرت بياناً أوضحت فيه أن لا صحة للمعلومات التي نشرت عن اجتماع كان سيعقد صباح اليوم (أمس) في بكركي بين عون والحريري برعاية من الراعي. وأشارت إلى أن الصحيح أن مثل هذا العرض عرضه الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به.
وبحسب المعلومات، فإن التوضيح الرئاسي نائج عن إشاعة أجواء مفادها أن هدف زيارة عون إلى بكركي كان اللقاء بالحريري، إلا أن الأخير لم يحضر. لكن بعيداً عما رافق الزيارة، فقد تمنى عون أن تكون قد أدت إلى توضيح الأمور «بعد كل الشائعات التي تطلق يومياً».
ومقابل سعي الراعي إلى جمع عون والحريري، قلل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط من جدوى هكذا لقاء. وكرر عبر برنامج «صار الوقت» على «أم تي في» نصيحته بترك قوى الأكثرية النيابية تحكم بنفسها، قائلاً: «في الواجهة التيار الوطني الحر ومن خلفه حزب الله».
في المقابل، لا تزال مصادر الحريري الذي عاد إلى بيروت، من دون أن يسجل قيامه بأي نشاط علني، على الموقف نفسه: الرئيس المكلّف قام بما يتوجب عليه دستورياً، وأودع رئاسة الجمهورية تشكيلة حكومية مكتملة، إلا أن رئاسة الجمهورية لم تعط، حتى اليوم، موقفاً بشأن هذه التشكيلة لا قبولاً ولا رفضاً. وتشير المصادر إلى أنه إذا وجد رئيس الجمهورية أن التشكيلة تضر بمصلحة لبنان، فعليه أن يعلن رفضها ويبلغ الرئيس المكلف والشعب اللبناني بموقفه منها، لا الدخول في بازار الأسماء والمقاعد والتفاوض باسم هذا الطرف أو ذاك.
باختصار، كل شيء يشير إلى أن الأزمة السياسية مرشّحة للاستمرار أسابيع وأشهرا. لكن هل يحتمل الوضع في البلد مزيداً من التأخير؟ تؤكد مصادر اقتصادية مطّلعة أن الدعم بعد ترشيده، يفترض أن يكفي لأشهر عدة، وبالتالي لا مشكلة في هذا الجانب، لكن المشكلة الفعلية تتمثل بأمرين: عدم القدرة على وقف انهيار سعر صرف الليرة والزيادة المستمرة في أعداد العاطلين عن العمل. ولذلك، يؤكد المصدر أن على الحكومة أن تتولى مسؤولياتها وتعمد إلى صرف القرض الذي وافق عليه البنك الدولي لصالح برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، مشيراً إلى أن توزيع المبلغ الذي يفوق ٢٥٠ مليون دولار على الأسر المشمولة بالبرنامج، يمكن أن يساهم في لجم الارتفاع المستمر في سعر الدولار.