عشرون يوماً مضت على انقطاع اللقاءات والتواصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، برغم أنّ إبقاء الخطوط مفتوحة ما بين الرجلين خطوة يوجبها الدستور والواقع السّياسي للنّظر في أمر تأليف الحكومة، وهي مُهمّة يفترض أن لا تتقدم عليها أي مُهمّة أخرى في هذا الظرف العصيب.
خلال فترة الشهر والنّصف تقريباً التي مضت منذ تكليف الحريري تأليف الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي، بقيت اللقاءات العشر التي عقدت بين عون والحريري، إنْ سرّاً أو علناً، تراوح مكانها، وغاب أيّ توافق ـ ولو بالحدّ الأدنى ـ بينهما، سواء على شكل الحكومة أو أعضائها أو برنامج عملها، وتبين أنّ هوة واسعة تفصل بين رؤية كلّ منهما للحكومة المقبلة، وهو ما عكسه اللقاء الأخير بينهما الذي كان صدامياً، ومنذ ذلك الحين إنقطعت كلّ خطوط التواصل بين قصر بعبدا وبيت الوسط، حتى أنّ الوسطاء، على قلّتهم، الذين تدخلوا لتقريب وجهات النظر بينهما، عادوا بخُفّي حنين.
فقد بات معلوماً أنّ أكثر من عقدة داخلية وخارجية تحول دون أن تبصر الحكومة النّور، وأنّ الضغوط الكبيرة على الرجلين وغيرهما، داخلياً وخارجياً تحديداً، يجعل ولادة الحكومة متعسّراً، لكنّ كلّ ذلك لا يلغي مسؤولية رئيسي الجمهورية والحكومة في تحمّل مسؤولية التأخير في أمر تأليف الحكومة، أو محاولة تذليل العقبات كأضعف الإيمان، وعدم وضع كلّ واحد منهما على الآخر شروطاً مسبقة يقابلها الآخر بشروط مماثلة.
يتصرّف الرجلان، وهذا حقّهما الدستوري، إنطلاقاً من أنّ مرسوم تأليف الحكومة لن يصدر إلّا بعد رضاهما عن التشكيلة وتوقيعههما عليه، بعد إطلاع رئيس مجلس النواب على مسودتها النهائية، لكنّ الحسابات المعقّدة لكلّ منهما، والخلافات السّياسية بينهما، والتناقض بين خياراتهما الإستراتيجية، تجعل كلّ منهما يتحصّن خلف صلاحياته الدستورية لتحقيق أهدافه السّياسية.
عون، باعتباره زعيماً لأكبر تكتل مسيحي، يرفض أيّ تجاوز لدوره وتأثيره، خصوصاً في آخر سنتين من عهده الذي يبدو شديد الحرص فيهما على تحقيق نجاحات لم تتحقق في السنين الأربع السابقة، وتوريث هذا النّجاح إلى صهره ورئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل.
أمّا الحريري فإنّه يتصرّف كونه الزعيم السّنّي الأكبر، والذي أعطاه إتفاق الطائف دوراً دستورياً جعل منه اللاعب الأبرز في مهمّة التأليف، وهو يريد أن تكون عودته للمرّة الرّابعة إلى السرايا الحكومي الكبير مكلّلة بالنصر، تعويضاً لإخفاقات السنين العجاف السابقة، وتعويض التراجع الذي مُني به سياسياً ونيابياً وشعبياً ومالياً.
من هنا يبدو أنّ أيّ لقاء بين عون والحريري، سواء عقد هذا الأسبوع أو بعده، فاقداً سلفاً حظوظ نجاحه، أو أن يحصل فيه أيّ تقدّم وتجاوز للعقد في مسألة تأليف الحكومة، برغم أنّ سفينة البلاد التي يقودانها، دستورياً، تتجه سريعاً نحو الهاوية، وهي تتخبّط وسط عواصف عاتية من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، في ظلّ إنطباع عام يسود في أغلب الأوساط أنّ الحلّ إذا لم يأت من الخارج ليفرض داخلياً، فإن معجزة وحدها هي التي باستطاعتها لجم السفينة عن الإنزلاق نحو المجهول.