2024- 05 - 04   |   بحث في الموقع  
logo توقيف عصابة سرقة دراجات نارية logo بلينكن:أي عملية في رفح ستؤدي الى أضرار"تتخطى المقبول" logo حضور الأقليّات في مهرجان "كان": عدالة أم عنصرية "إيجابية"؟ logo غزة وغَسلها ثقافياً logo //ملف// بول أوستر... "شاعر بروكلين" logo رئيسة مجلس الخدمة المدنية: لا إعلان عن مباراة للسلك الخارجي logo هل وافقت حماس على المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة؟ logo بعد لقائه بن زايد... لابيد: التعاون مع أبو ظبي مصلحة إسرائيلية
إلى جبران باسيل الصخرة في جبل بعبدا (بقلم جورج عبيد)
2020-11-11 02:28:41



بهاؤك يا جبران أنك ربحت الوطن ولم تربح الخارج. كانوا يعملون على اخذ لبنان إلى فتنة محتّمة وأنت فديته بتجرّعك كأس العقوبات وأعلمتنا بانك حرّ، ومنذ نعومة أظفارك كنت تعصف حريّة في لحظات النضال الشديد.


مذ عرفتك على المستوى الشخصيّ، رأيتك تعلو في مبرّات البذل بلا سؤال. أحببت فيك صدقك مع نفسك، وعاينت عندك وفيك قوّة الصلابة ومتانة الموقف وحصافة الفكر الراني نحو الرؤى البعيدة والقريبة. أحببت فيك أنك لم تشته ما ليس لنا به حقّ، ولم تتوسّل يومًا ان تقفز فوق الآخرين لتبيع صداقات ومودّات أو تشتريها من أجل منصب ومكسب. أنت يا صاح منتمٍ إلى مدرسة أجزم بأنني في عشرتي لصاحبها ومذاقتي لفكره، انتابني التغيير في مسائل غير مرتبطة بالسياسة بل بالقيم وهي الجوهر. من ولد بالقيم صعب عليه أن يتوحّل. من هذه الناحية يحقّ لنا أن نراك آتيًا من ذهب التاريخ متجليًّا بمساحته المنيرة وجالسًا مستريحًا على آرائكه الفردوسيّة، طاردًا مع رئيسنا العفن ليكون لبنان وطنًا للضياء.


يا جبران، أقمنا عيدًا جامعًا اليوم لرؤساء الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل. وذكرنا في الخدمة الإلهيّة رئيسنا الجبيب، ليعضده الرب الإله ويحفظه وتنسكب نعمته فيه، واسمه يعني من مثل الله. وذكرناك إلى جانبه ليحميك السيد المبارك من الجور لتبقى أقوى منه واسمك يعني قوة الله. هذه عائلة يسكنها الله فمن مثل الله يتجلّى بقوة في مواجهة الباطل.


بعد القداس الإلهيّ، أطللت علينا لتخاطبنا. لم تشأ يا عزيزي أن تنحصر في الشرح. بل أحكمت الربط بين الوقائع الحاصلة بينك وبين إدارة دبّ فيها الجنون حتى الثمالة، ووجد أربابها أنفسهم أولياء على العالم يتحكمون به، ويقرّرون مصيره، ويتوغلون في الحكم زورًا وحسدًا على سياسيّ مثلك لأنه قرّر الاندماج بقناعة تامّة في الشكل والجوهر مع شريك لم يقف الخلاف العقائديّ حائلاً بعدم التواصل والتفاهم من أجل لبنان والمشرق، وحتّى لا تظنّ إسرائيل بأن بلد الأرز، لقمة سائغة ودائمة لها بنفطه وغازه ومائه وأرضه وفرادته. ما نملكه يؤكّد بأنّ لنا سيادة كلّفت الشهداء وأريقت الدماء في سبيلها ولأجلها. أنت تعلم بأنّ التفاهم الذي ارتضيناه جميعنا هيكلاً ونبراسًا، كان من أجل أن تبقى لنا تلك الكرامة، وقد حلت وطابت وأزهرت وأضاءت أكثر منذ أن سجلنا نصرنا على عدوّ غاشم في حرب تموز سنة 2006، حيث حبل به بالأصل بالإثم وولد بالجوهر في الخطيئة كما كتب صديق حبيب مشترك بيننا هو المطران جورج خضر. ثمّ كان النصر الآخر على القوى التكفيريّة في انبثاثها الشرير في سوريا والعراق ومن ثمّ لبنان، وأكّد هذا الانبثاث دور الدولة الآثمة والشريرة إسرائيل مع خليج متوتّر آنذاك وتركيا باحثة عن عثمانية جديدة، ورعاية "الأمّة البارّة" (التسمية وجدت فوق مدخل جامعة هارفارد في بوسطن) في تكوين تلك المؤامرة وانفجار الحرب بالوسائل التكفيريّة على سوريا.


خلال عمليّة فجر الجرود، طلب الأميركيون من الجبل العالي إيقافها فما استجاب، فكانت المعركة حيث من رحمها أشرق لنا فجر جديد. هم يعرفون يا جبران أن القوى التكفيرية وليدتهم، تتوجّع الأمّ أحيانًا كثيرة بحال استمرّت العلاقة بأولادها رحميّة. يؤلمها انخلاع الرحم ليس فقط من أحشائها ولكن من قلبها من قبل الآخرين. لذلك لا يتحملون ولا يطيقون رؤية لبنان بجوهره وطنًا معبّرًا عنه بدولة حقيقيّة، بل يصرّون أكثر من عبد الحليم خدّام على أنّه خطيئة تاريخيّة A historical sin وهذا ظهر في مخطوطاتهم وأدبياتهم، أو كما قال الجنرال الأميركيّ ألكسندر هيغ كيان عبور Transit entity. لقد ترجمت قراءتهم تجاه لبنان بصورة جذريّة وكليّة ممتازة فأبدعت حين عرضت الواقع التاريخيّ للعلاقة بين أميركا ولبنان، ورأيتها في معظم سيرورتها شديدة الاضطراب. لن ينسى جيلي على وجه التحديد وهو جيلك كيف أنّ دين براون أتى إلى لبنان لكي يقنع المسيحيين بالهجرة من لبنان، فطرده المعفور له الرئيس سليمان فرنجيّة. من رأى لبنان خطيئة تاريخيّة أو كيان عبور ازداد وقاحة وصلافة، واستطاب اللعب بحياة لبنان وجوهره وفقًا لمصالحه.


أميركا غير مهتمة بلبنان ولا تراه بذاته بل بذاتها أي بمرآتها. دعني صديقي أقول لك، إنّ أميركا تهتمّ بإسرائيل، وما يهمها من لبنان نفطه وغازه. ما يوجع ويجرح إسرائيل يوجعها ويجرحها. كلّ خطيئتك يا جبران أنك رفضت تهويد القدس وإعلانها مع إسرائيل مدينة وعاصمة أبديّة لليهود وجاهرت برفضك التهويد في خطابيك الشهيرين في القاهرة على مدى سنتين متتاليتين، فيما العرب منكبون صاغرين للتطبيع معها. كلّ خطيئتك يا جبران أنّك اتّبعت خطّ المؤسس العظيم ميشال عون سنة 2006، ودعمت مقاومة باسلة خلال حرب إسرائيل على لبنان، ورفضت الحروب المذهبيّة المنسابة في مفهوم الهويات القاتلة كما كتب أمين معوف أو الصراع على الهويات ورأيت قبل ذلك ذاتك مع المؤسّس الحبيب لحظة توقيع اتفاق مار ميخائيل بما عرف بورقة التفاهم مشرقيًّا، ممدودًا تاريخيًّا نحو قوروش من البترون وجبل لبنان، خطيئتك يا جبران أنك رفضت الجور على سوريا بحرب ضروس عملت أميركا عليها بأذرعتها الشريرة، وكان الخليج مستعذبًا إياها ببعضه ومتوسّلاً لاندلاعها وانفجارها وكانت إسرائيل توطّد الرؤية لتكريس الانقسام والتقسيم ضمن دائرة المشرق، وهذا مشروعها منذ خمسينيّات القرن المنصرم مع ديفيد بن غوريون وموشي شاريت وإسحق ساسون برعاية غولدا مائير. كلّ خطيئتك يا عزيزي أنّك كشفت خبث الأميركيين وقباحتهم باستغلال مسالة النازحين السوريين في سبيل دمجهم Integration بإصرار شديد منهم ورفضت في الوقت عينه مسالة توطين الفلسطينيين خلال رفضك صفقة القرن، فيما هم مصرّون عليه كبند من نبودها.


خطيئتك جبران، أنك رفضت كلّ إغراءاتهم السمجة بالانفصال عن مقاومة شكلنا معها وعاء حاميًا للبنان من أطماع إسرائيل فيما اخذ على بعض المسيحيين سابقًا انهم غير آبهين حتى لا يقال شيء آخر، وبندقية مدافعة عن لبنان وسوريا خلال الحرب على الأخيرة، فكنّا كمسيحيين مشارقة تسويغيين لمفهوم القتال الاستباقيّ في الداخل السوريّ، فانتصرنا، وجاء النصر مدوّنًا بأحرف من ذهب لشراكة وطيدة بين مسيحية مشرقية مثّلها عمادنا الحبيب بالتجسيد الكامل وأنت بمعيته، وبين إسلام قرآنيّ مثّلته المقاومة مع حلفاء من الطائفة السنيّة الكريمة، فكنّا في المواجهة مسيحيين ومسلمين معًا في وجه أميركا وبعض الخليج وإسرائيل وتركيا حتى لا تسقط سوريا ولا يسقط لبنان معها وقبلهما العراق. أنت تذكر ومن دون شكّ كلام البطريرك العظيم إغناطيوس الرابع متى سقط العراق سقطت سوريا ولبنان وانتهت فلسطين واهتزّ العرش الهاشميّ. شيء من هذا حصل في التطبيع ولكنّنا مؤمنون بأن ليس من علاقة مع إسرائيل إلاّ بتكريس حقّنا العادل كاملاً، في حين إنني شخصيًّا ومن زاوية عقيدية أرى نفسي غريبًا عن الفكر التطبيعيّ معها، كيف يمكن أن أصافح أمّة أثيمة تغمّست يداها بدماء المسيح الطاهرة ولا تزال تغمّسها بدمائه إلى الآن مع كلّ دم بريء تسفكه في فلسطين وسواها. أأنسى محمّد الدرّة ذلك الفتى الفلسطينيّ الذي قتلته إسرائيل أمام أبيه؟ إنه مشهد صارخ إلى الآن، إنها دينونة للقادة الفلسطينيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان منذ ياسر عرفات؟ تلك هي الإشكالية الجوهريّة في النقاش بعد الخيارات التطبيعيّة المأخوذة سلفًا.   


في النهاية لا تسل عن سفيرة رأيت السمّ ينهمر من عينيها في ردّها عليك أكثر مما انهمر من على لسانها. كان يظهر ككرات نار تطير في الهواء. فتذكرت من جديد بأنّ صفة البارّة المنقوشة فوق مدخل جامعة هارفارد في بوسطن لا تدلّ على البرارة، بل على استكبار قبيح يبيح منطق القوّة الفاجرة بوجه قوة المنطق الراقي. مع أنك رددت يدك للصداقة غير مرّة ووازنت بين مفهوم الانفتاح على الغرب والانتماء إلى الشرق، في حين أن الإدارة الأميركية لم ترد أن تفهم مع دوروثي شيا وديفيد شينكر ومايك بومبيو. سأردّ عليها يا جبران بالإذن منك متبنيًّا ما أتى في صحيفة الأخبار، أنت يا سيدة كاذبة وإدارتك مارقة، وأنت مع إدارتك متهمة بالحرب المالية والاقتصادية على لبنان لتطويعه وتظويع سوريا والعراق معه، فأبشرّك بأننا لن نركع ولن نخضع، ليتنا تركنا قرار القاضي محمد مازح سائدًا عليك أنت المحرضة الأساسية مع ازلامك هنا وفي الخارج لهذه الفوضى الخلاّقة، وكلّ دم سقط على أرض المشرق سقط بسبب طموح دولتك الآثمة إلى النفط والاستثمار في إعمار سوريا. الإشارة إلى إدارتك تعفي الشعب الأميركيّ لأنه أبيّ وصديق ويملك بإصرار منظومة القيم أكثر من إدارتك الرجسة، ودم جورج فلويد كاشف للإجرام. 


يا جبران الحبيب يا "قوّة الله"، إسترح فأنت بمنطق الحق وقوّة المنطق أقوى منهم، ونحن معك في المواجهة إلى النهاية حتى يشرق كوكب الصبح في قلوبهم من المشرق فيطهرهم من آثامهم وينقذهم من ضلالهم. 


عشت يا جبران صخرة لصيقة بجبل بعبدا الشامخ والأبيّ المعلّق على مجد لبنان العظيم.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top