2024- 05 - 02   |   بحث في الموقع  
logo مقدمات نشرات الاخبار logo ما صحة تقديم مشروع قانون لحظر “تيك توك” في لبنان؟ logo "كأس مرّ"... ميقاتي متفائلٌ بالبلد! logo بالصورة: عبوة “معدّة للتفجير” تحت سيارة أمام مسجد في عكار logo “الكتلة الوطنية”: لخطة جدية تعالج موضوع اللاجئين logo وفد حماس إلى مصر قريباً... عبد الهادي: من المبكر الحكم على النتائج logo "لن يحمينا أحد"... نتنياهو: سنقاتل بمفردنا إن اضطررنا logo "منعزلٌ عن الجمهور"... دعوةٌ من بن غفير لإقالة غالانت!
هل من أمل بوحدة مسيحيّة سياسية مرتجاة؟ (بقلم جورج عبيد)
2020-10-27 21:28:14



جلسنا، في حديقة غنّاء في إحدى البلدات المتنيّة بين صنوبراتها، مجموعة نخبويّة مسيحيّة مؤلّفة من منتم للعهد وقياديين في القوات اللبنانيّة ورجل أعمال وصحافيين، بضيافة رئيس بلديّة تلك البلدة. هدوء المكان وخلابته ورهافة المضيف وكرم الضيافة كانوا المنطلق للرحابة في الحوار العميق والهادئ. وعلى المستوى الشخصيّ كان الشوق حلوًا والمحبّة رائعة، ومعظمنا على صداقة عتيقة وعميقة جمعتنا.


جاء الحوار كمنطلق لمبدأ سوّغناه ولا بدّ من استمرار تسويغه في كلّ لقاء يسير  بعد جفاء عسير إذا جاز التعبير. فمن جعل من العقل رحمًا للرؤى الجليلة والمستشرفة اكتشف مدى تفاهة الجفاء ونقاء اللقاء وعمقه، بل مدى تفاهة العناوين التي تحوّلت إلى حواجز إسمنتية حجبت الوجه عن الآخر، مبطلة القيم الروحيّة السامية والجامعة، وموطّدة "التعبّد القبوريّ" كما سمّاه رشيد رضا، وقد قاد دومًا إلى ما سمّاه غسان تويني "بالثقافة المتراسيّة".


في التقييم العام، كلّ فريق يحتاج إلى نقد ذاتي لتاريخه وحاضره حتى يستحقّ أن يرنو إلى مستقبله، أي مستقبل فاعليّته كشخص ورؤيا بين محيطه وفي وطنه. مبدأ التصويب والتصحيح ينطلق من أنّ التنوّع في الرؤى والآراء مصدر غنى لتكثيف البحث عن الحقيقة وضمان إيغالنا بها ثم تجسيدها بقواسم مشتركة تجمعنا. ليس من كمال في حقائقنا البشريّة أو حتى التاريخيّة لكونها نسبية. ذلك أنّ التنوّع إذا سلّمنا به كمبدأ، وغصنا في تجلياته، واستشرفنا المعاني الكامنة في جوفه، سيقود حتمًا بعد إلى مساحة مشتركة نقف عليها، أو فضاء مشترك يخيّم على الجميع من بعد حوار جامع ورصين. أمّا إذا استطبت الثقافة المتراسية بتعبّد قبوريّ مطلق ومقيت فهو حتمًا سيحجبك عن الآخر ويقيمك في جحيمك أو يجعل الآخر جحيمًا لك، فتمتنع عن التواصل معه، فلا تفهم حينئذ هواجسه ولا يفهم، تاليًا، هواجسك فتبنيا معًا على سلوكيات الفهم المشترك عمارة يسكنها الجميع بتواصل دائم يمنع التمزّق ويحمينا من الزوال.


لم تعد الخلافات المسيحيّة نزوة من النزوات ونزهة من النزهات أو ترفًا فكريًّا وسياسيًّا يصير فيما بعد مادة للتسلية، أو للرهانات الباطلة أو العمالات الفاغرة ببطولاتها الفارغة، وعمولتها الباهظة أو الرخيصة. ما لم يدركه المختلفون مع بعضهم في هذه اللحظات العاصفة، بأنّ المسألة المسيحيّة وجوديّة في المطلق والواقع، إنّها الهمّ والقلق اللذان يفترض أن يهزّا كياننا الروحيّ والإنسانيّ. ووجوديتها لم تعد لبنانيّة حصرًا بل مشرقيّة بامتياز. لذلك، بناء الوحدة على الصعيد اللبنانيّ أضحى ملحاحًا، ومن شأنه حتمًا أن يطمئن المسيحيين العرب من سوريا إلى مصر مرورًا بفلسطين والأردن والعراق ويساهم مساهمة فعّالة بانبلاج غدهم، ويتيح لنا في لبنان على وجه التحديد أنّ نكون الوعاء الضامن لموجوديتهم الرحبة في تلك الأقطار والعمل على توسيع رقعة الديمقراطيّة التشاركيّة في الدول القائمة على التنوّع أو الاندراج في أن نكون رواد المواطنة بعد أن يتمّ القضاء التام على  الفلسفات الدامجة بين القوميات والدين، هذا إذا تمّ، وإسرائيل هي العنوان الأول للدمج أو الاندماج.


لانبثاث هذا الضمان مجموعة شروط. غير أنّ ضمان الشروط، بدوره، منوط باستعادة منظومة القيم التي أبدناها بالدم والنار، وأحرقناها بالحقد والكراهية، ورمدناها بصراع الرهانات الصعبة ما بين الشرق والغرب، بخيارات خالية من الارتكاز على الهوية الوطنيّة الثابتة ومن ثمّ المشرقيّة الراسخة التي تجمعنا في هذا المدى إلى لغة واحدة وهوى واحد. 


بداءة البدء هنا، أن يقف كلّ واحد منّا على أطلال ماضيه ويدفن تحتها الأحقاد وينظر إلى السماء ويلتمس من ربها الرضاء، من بعد توبة وغفران. في تاريخ المسيحية مجرمون وزانيات تابوا وتبنَ فتوشحوا جميعهم بالبهاء. عادوا إلى ربهم فقبلهم بالرضوان. كل تاريخ المسيحية مواجهة لما هو مستحيل وعبث. ومن منّا بلا خطيئة فليرجم واحدنا بالحجر. والتوبة تواجه المستحيل المعشّش فيك، وتجعلك إنسانًا جديدًا.


السعي الجوهريّ عندنا، إذا سمونا نحو الصفاء في القلوب والعقول أنّ يفهم كلّ مسيحيّ في لبنان، إلى أي حزب انتمى أو كنيسة اهتدى، وكل الكنائس في لبنان والمشرق هي جسد المسيح، أنّ الشتم المتوحّش والممارَس على وسائل التواصل الاجتماعيّ دعارة حقيقية، لكون الكلمة تزني، والقلم سيف غير مرئيّ قاتل للآخر ومبيد له. 


لذلك ركّزت مع الحاضرين بأنّ التنوّع مصدر غنى وسموّ، لأنّ الحريّة رحمه. لسنا في نظام توتاليتاري أو طوطميّ كما تعيش القبائل في الصحراء. الخيارات في معالجة العناوين تجيء عمومًا من عمل العقل، ومن فحص دقيق مشفوعة نتائجه ومؤكّدة بالحجج الدامغة. لكنّ المبدأ في جوهر نظامنا وبشرتنا أن نبقى شهودًا للمسيح يسوع، لأننا كنيسته، لأن ليس من مسيحية لو لم يكن قائمًا منذ أكثر من ألفيّ سنة، ومتحرًا فينا ومحرّكًا لنا جيلاً بعد جيل. الوجود الكنائسيّ، وقد وصفه بطرس الرسول "بالأمة" ليس إكليركانيًّا محضًا أو بالمطلق بل هو "النحن" الذين اندمجنا بجسد الرب ودمه من بعد تناولنا إياه في كنائسنا وصرناه في الوجود والحياة. وهو، بالتالي، ممدود ومنساب في معظم السياقات التي نطلّ عليها أو تداهمنا أو تخرج من فكرنا. فحن إذا علونا من نوازع اللحم والدم وتطهّرنا من عفن التاريخ، وتعففنا من الآثام والشهوات، لا نكتب بل نستكتب كما قال المطران جورج خضر. فتصير كلّ كلمة مسيحًا مولودًا من الروح ليستقرّ في الآخر ويكون لنا وجود من نور لكلّ أبناء النور. فلا يسوغ بالمطلق، إذا قبلنا كمسيحيين اننا مولودون من يسوع المسيح، أن نتسلّى عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بشتم بعضنا إذا اختلفنا. هل بدأنا نفهم أن هذا الأسلوب يبيد المسيح من أرضنا ويبدّله بالشيطان؟


في السهرة الحلوة اعترف المجتمعون بالخطيئة القيميّة الممارسة الناتجة من التسيّب الآخلاقيّ والسبي الصبيانيّ، وحرصوا وحرّضوا على ضرورة العمل والسهر على اقتلاعها من جذورها، واستبدالها بالعمل على إعلاء مبادئ الحوار بين الشباب بأجمعهم، ليكون في حوارهم اطمئنان وسلام، وألآّ يتحمّل أولادنا وزر خطايانا التي لا علاقة لهم بها.


من هذه الآفاق القيميّة والأخلاقيّة والروحيّة انطلقنا في تشخيص سياسيّ داخليّ وهادئ لما نمرّ به ونحن فيه. كان واضحًا أنّ الصديقين القياديين في القوات اللبنانيّة متعطّشان لسماع قراءة استراتيجيّة حرص كاتب هذه السطور على إظهارها بتؤدة ورويّة. كان الهمّ الجوهريّ الوحدة المسيحيّة في بعدها السياسي والتكوينيّ في لبنان والمنطقة المشرقيّة. فأوضحت بأنّنا نسير نحو تكوين  منطقة جديدة مع رسم خريطة تنطلق من أفغانستان إلى حدود إسرئيل. 


ما هو واضح، بأنّ أميركا يهمها في حربها الاقتصادية والماليّة على المثلّث العراقيّ-السوريّ-اللبنانيّ، إضعاف حزب الله، وليس إلغاءه، فالحزب عصيّ على الإلغاء في المعادلات المستقبليّة المطروحة. وفي المعطى الحاليّ فإنّ انقداحًا كبيرًا بدا يحدث في جدار الحصار على المحور العراقيّ، انطلق بتسوية صامتة بين اميركا وإيران، وبموافقة حزب الله والسيستاني والحشد الشعبيّ ومصطفى الكاظمي، وسيؤدّي ذلك إلى ترميم صيغة توافقيّة في هذا البلد، تساهم بها شخصيّة فذّة، وستقيمه في الهدوء. كان الرئيس الراحل كميل شمعون يقول "خلّي عينك على العراق" في الأزمات والتسويات. أبواب التسويات بدأت تظهر من العراق. 


يشي هذا بأن إيران، والتي تتحفّظ القوات اللبنانيّة على دورها وموجوديتها، حاجة أميركيّة لتأمين مستقبل متوازن للمنطقة، وليس فوضويًّا مرميًّا في أحضان الآحاديّة الإسرائيليّة المطلقة. من توهّم بأنّنا سنشهد حربًا اميركيّة-إيرانية مملوء ضلالاً وأوهامًا. وعلى هذا، ليس جليًّا بالضرورة، بأنّ حركة التطبيع الخليجيّة مع إسرائيل، إعلان قاطع لسيادة إسرائيل على من طبّعت معهم، أو انتصار لآحاديّتها، طالما أنّ أميركا مقابل ذلك مصمّمة على إنجاز التسوية وإنفاذها مع إيران وإنقاذها من التهلكة. وأميركا مدركة بأنّ التحالف الروسيّ-الإيرانيّ متين فكيف إذا انضمّت الصين إليه؟ التسوية الأميركيّة-الإيرانيّة رحم جديّ لتسوية النزاعات باسرها في المنطقة الملتهبة.


انطلقنا بالحوار إلى دور سوريا حيث القوات اللبنانيّة ديانة لقيادتها ورئيسها على وجه التحديد ولدور حزب الله، حيث طرح سؤال واضح في هذا المجال، هل رأيتم أيّ اعتراض سوريّ على حركة التطبيع الخليجيّة مع إسرائيل؟ فكان الجواب لا. انطلقنا من الجواب فأشرنا، بأنّ ما يجمع الخليج وبخاصّة الإمارات بسوريا، هو اعتراف بخسارتهم في الداخل السوريّ واحتراق اوراقهم على معظم الجبهات لصالح رجب طيب أردوغان الذي دخل شريكًا مضاربًا للخليجيين بهدف تكوين نيو-عثمانية جديدة، وقيادة السنيّة السياسيّة في المشرق العربيّ.


على هذا عادت ينابيع الصداقة بين الإمارات وسوريا، وانتهجت البحرين هذا الخيار، والكويت في الأصل لم تدخل الحرب على سوريا، لأنها لم تنسَ فضل الرئيس الراحل حافظ الأسد في تحرير الكويت، والمفاوضات التي توقفت بين خالد الحميدان وعلي المملوك، أي بين سوريا والسعودية توقفت عند نقاط معقولة قابلة للتطوير، فماذا لو عادت واتفق الطرفان على المضيّ بها نحو النهاية، والقوات اللبنانيّة قد اعتبرتها المرجعيّة عقلها ولسانها في لبنان؟ من دون أن ننسى بأنّ الجيش المصريّ دعم الجيش السوريّ في الحرب على التكفيريين. ليس من عداوات مطلقة بين الدول ولا بين الأفرقاء، البراغماتية تبقى السائدة في تكوين العلاقات أو تجديدها. ثم بيّنا في مطالعتنا بانّ ما يربط لبنان بسوريا ثلاثة أرباع الحدود، بما يعني بأنّ الجغرافيا اكبر ديكتاتور وأفتك حتى من التاريخ. فلماذا القوات اللبنانيّة تصرّ على عدم التواصل مع سوريا وترسيخ العلاقات معها، ما هي مصلحتنا في ذلك طالما أن الخطوط تلتقي عند محوريتها في هذا المشرق واعتبارها حجر زاوية؟


وبيّنا بأنّ الرسالة المسيحية انسكبت بكمالها في فلسطين وسوريا ولبنان، وانطلقت من هذا المثلّث غلى العالم. ثمّة إيمان يجمعنا بالمسيحيين السوريين والفلسطينيين، بل المسيحيين العرب بأجمعهم، فأي انعزال أو عزل يدفعنا إلى نهاية عبثيّة. القوات اللبنانيّة بهذا المعنى مدعوّة للدخول في فكر نقديّ جديّ، يستشرف علامات الأزمنة ويستقرؤها ثمّ يدنيها إلى استنباط أنماط جديدة، تحرّرها من تاريخ أسود وأحمر، وتقودها إلى الاستقامة الدائمة في السلوكيات وإلى مصالحة مع الذات ومع الآخرين.


لن يكون الحوار يتيمًا، بل نحن أمام تتمّات متواصلة. وضعنا خلاصات أختم بها وأوردها على النحو التالي:



  1. ضرورة تكثيف الحوار بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، وتوسيعه فيما بعد ليشمل الجميع. لكن قبل ذلك يفترض بالجميع أن يعمدوا ويعملوا على ضبط إيقاع التخاطب على وسائل التواصل الاجتماعيّ ضمن اللياقة والقاعدة الروحية والأخلاقيّة.

  2. الانطلاق إلى فهم مشترك لأوضاعنا الداخليّة، وتثبيت الحضور المسيحيّ كشريك مكوّن جوهريّ ضمن مبدأ التعاقد الميثاقيّ مع المسلمين. وأستشهد هنا بما كتبه الرئيس حسين الحسيني في مقدّمة كتابي: "قراءة في فكر المطران جورج خضر، "الحقّ الطائفيّ لا يساوي شيئًا أقلّ من الحقّ الوطنيّ، والحقّ الوطنيّ لا يساوي شيئًا أقلّ من الحقّ القوميّ. والحقّ المسيحيّ أو الحقّ الإسلاميّ هو الحقّ اللبنانيّ، والحقّ اللبنانيّ هو الحقّ العربيّ.."

  3. الاعتراف الموضوعيّ بمقاومة واجهت إسرائيل وانتصرت على التكفيريين في لبنان وسوريا ومنعت حركة انسيابهم إلى الداخل اللبنانيّ قدر المستطاع.

  4. الانفتاح على سوريا، كدولة قائمة وراسخة. (لم يعد الحقد على الرئيس بشار الأسد نافعًا، والسؤال المطروح لماذا التسامح مورس على من هجّر المسيحيين من الجبل وكان المقدّمة للمصالحة، ولا يسري في الظروف الحالية على العلاقة مع سوريا؟) هذا السؤال مطروح برسم القيادة القواتيّة.

  5. رفض الأطروحة الفدرالية ، فهي تعزل المسيحيين أو بعضهم في بقعة جغرافية  وتخنق بعضهم الآخر. إذا رام بعضهم لتطبيقها فستبيح نهايتهم ومعهم ينتهي لبنان.

  6. الوحدة المسيحية ليس رجاء، بل هي حرص يفترض أن يكون مدى لجهادنا من لبنان إلى المدى المشرقيّ، حتى نبقى ضمن الأسس المتكاملة شهودًا للمسيح الظافر.


 


 



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top