تحت العنوان “الحريري يبدأ مع باسيل تمهيداً لحوار بعبدا… وحردان لتسريع حكومة الأمن الاجتماعيّ / برّي على خط الوساطة… ورعد لحكومة غير مصغّرة بتفاهم جامع/ ترجيح حكومة 20 من اختصاصيّين بترشيح الكتل وتوافق الرئيسين”، كتبت صحيفة البناء في افتتاحيتها:
كسر الجليد بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بعدما تحقق الحريري تمرير حكومة اختصاصيين برئاسته وضمان تكليفه قبل اللقاء مع باسيل، ما يعني تثبيت سقوط معادلة الحريري وباسيل معاً داخل الحكومة أو خارجها، كما يعني عدم ربط التكليف بالحصول على موافقة باسيل كما كان طلب الحريري سابقاً، ليتم التفاوض من مواقع جديدة، لا تحتمل أن يذهب الحريري أبعد منها؛ فهو في النهاية يريد تشكيل حكومته والذهاب بها الى المجلس النيابي، واذا كان بمستطاعه الرهان على نيل الثقة من دون التيار الوطني الحر، ولو بنسبة أصوات ضئيلة، فإنه لن يستطيع تشكيل الحكومة من دون توقيع رئيس الجمهورية.
على خلفية هذا التوازن قاربت المصادر المتابعة للملف الحكومي الحوار الدافئ الذي شهده اللقاء بين الحريري وباسيل، من دون أن ينسى الحريري تمرير رسالته المعبرة بأن التفاهم سيكون مع رئيس الجمهورية وتأييد باسيل لذلك.
المصادر أكدت أن مسعى الوساطة بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك بين الحريري وباسيل، يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري على قاعدة فتح الطريق لحفظ التوازنات الطائفية والنيابية والسياسية في خلفية التأليف من دون التخلّي عن شعار حكومة اختصاصيين. فيما كان الموقف الذي عبر عنه رئيس الكتلة القومية النائب أسعد حردان، يدعو لتسريع ولادة الحكومة، والتزامها بأولوية الأمن الاجتماعي.
حول شكل الحكومة تحدّث رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد داعياً الرئيس المكلّف لاعتماد صيغة حقيبة لكل وزير بما يعني حكومة بين 22 و24 وزيراً تتمثل فيها الكتل النيابية بتفاهم جامع.
السيناريو المتوقّع وفقاً للمصادر يتحدّث أصحابه عن زيارة مرتقبة اليوم للرئيس الحريري الى قصر بعبدا، يتمّ خلالها تثبيت عدد الوزراء المرجّح عند عشرين وزيراً، ورسم خريطة لتوزيع الحقائب على الطوائف، واحتساب حصة رئيس الجمهورية والحقائب التي سيتولاها الوزراء الذين سيقوم بتسميتهم، على ان يواصل الحريري مباحثاته مع الكتل للحصول على لوائح ترشيح يختار منها بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
المصادر قالت إنه بمستطاع الرئيس الحريري إذا لم يكن راغباً تلقائياً بتأجيل الاستحقاق المرتبط بولادة الحكومة لما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، أن ينتهي من التأليف منتصف الأسبوع المقبل لتبصر النور الخميس أو الجمعة المقبلين.
وانسحبت إيجابيات التكليف على الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري في ساحة النجمة، مع حضور رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل شخصياً إلى البرلمان على رأس التكتل ومواقفه التي اتّسمت بالليونة ووعود التسهيل، فيما قابله الحريري بضمانة بأنه لن يتعامل بكيديّة وباستهداف الآخرين بل بروح تعاون لتأليف حكومة جديدة تنقذ لبنان.
وكشفت مصادر مشاركة في لقاء الحريري – باسيل لـ”البناء” أن “اللقاء كان إيجابياً وجيداً بعكس ما توقع البعض، وتخلله بعض المزاح والوعود والضمانات المتبادلة.
وأكدت مصادر متابعة للملف الحكومي لـ”البناء” أن الرئيس المكلف بات يملك تصوراً أولياً للحكومة وسيطلع عليه رئيس الجمهورية خلال الساعات المقبلة، وكذلك على حصيلة مشاوراته في مجلس النواب، كاشفة أن الاتجاه الأغلب هو لحكومة تكنوسياسيّة عشرينية من اختصاصيين من أصحاب الكفاءة والخبرة تسميهم الكتل النيابية بالاتفاق مع الرئيس المكلف، وهذا ما يسعى إليه الرئيس نبيه بري كحل وسطيٍّ بين صيغة الحريري من جهة وطرح رئيس الجمهورية والتيار الحر وحزب الله ومعظم الكتل النيابية من جهة ثانية، مضيفة أن الحريري وبعد استشارات اليوم بات شبه مقتنع من أن صيغته تشكيل حكومة اختصاصيين مصغرة لا محل لها في أرض الواقع، لافتة إلى أن اللقاء بين الرئيسين بري وميشال عون والرئيس المكلف في بعبدا أشار إلى هذا الأمر. فالرئيس عون قال للحريري ما سبق وقاله للسفير مصطفى أديب بأن يتشاور مع الكتل النيابية، كما نصح الرئيس بري الحريري بحكومة تكنوسياسيّة تمثل معظم الكتل النيابية في البرلمان لضمان نيلها الثقة وكذلك فعل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة بنصيحة الحريريّ بعدم الذهاب إلى حكومة مصغّرة.
ورجّحت المعلومات أن يزور الرئيس المكلف قصر بعبدا اليوم، وهو يملك تصوّراً لحكومة مصغرة، ولكنّه قد يُضطرّ الى رفع عددها الى 20 وزيراً وليس أكثر.
وتحدّث الحريري عقب انتهاء الاستشارات عن إيجابية اللقاءات التي عقدها مع الكتل النيابية، مشيراً إلى أنها الخطوة الأولى، “حيث قمت بالاستشارات مع معظم الكتل، وسألتقي فخامة الرئيس بأسرع وقت ممكن، لكي أتناقش وأتشاور معه بما حصل، كما سأتشاور توصلاً إلى تشكيل الحكومة”.
وأشار الى ضرورة الإسراع بتأليف حكومة اختصاصيين، “لكي نقوم بالعمل السريع بحسب الورقة الإصلاحية الفرنسية، والتي هي بالفعل إصلاحات كان يفترض بنا القيام بها منذ زمن، لكننا سنقوم بها اليوم. ولسوء الحظ، فإن كل هذا التأخير أوصلنا إلى هنا”.
وأضاف: “علينا أن نقوم بواجبنا على صعيد الإصلاحات التي توافقنا عليها في قصر الصنوبر، والطريقة الوحيدة لذلك هي الإسراع بتشكيل حكومة تستطيع أن تعمل على إنجاز كل هذه الإصلاحات وعلى برنامج صندوق النقد الدولي. ومن هذا المنطلق نكون قد أوصلنا البلد إلى وقف الانهيار ونعمل في الوقت نفسه على إعادة إعمار بيروت”.
وتخالف مصادر سياسية الأجواء التفاؤلية السائدة مشيرة لـ”البناء” إلى أن العبرة في مفاوضات الكواليس وفي التنفيذ، مضيفة أن المشهد لا يزال ضبابياً رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي تلوح في المنطقة، مشيرة إلى قرار العقوبات الأخير، وتساءلت: هل سيغير الحريري أداءه وسياسته باتجاه أكثر استقلالية وتحرراً أم سيبقى في فلك الضغوط والشروط الأميركية – السعودية؟ وهل سيتعامل بجدية مع المشروع الإصلاحي الذي يحتاجه لبنان للنهوض بالاقتصاد؟ موضحة أن المطلوب مشروع إصلاحيّ جديّ وليس مستورداً من الخارج عبر الأداة التنفيذيّة للسياسات الأميركية الدولية أي صندوق النقد الدولي، بل إن المشروع الحقيقيّ هو ما يتلاءم والواقع الاقتصادي المالي الاجتماعي اللبناني.
وبحسب مصادر مطلعة على موقف عين التينة فإن الرئيس بري لعب دوراً أساسياً في ترطيب الأجواء بين عون وباسيل من جهة والحريري، من جهة أخرى مهّد للقاء رئيسي التيارين البرتقالي والأزرق في استشارات اليوم على أن يستمرّ رئيس المجلس في لعب هذا الدور حتى تأليف الحكومة.
وانعكست الأجواء السياسيّة والحكوميّة الإيجابية على سعر الصرف، فواصل سعر صرف الدولار انخفاضه التدريجي، وتراوح أمس في السوق السوداء بين 6800 ليرة لبنانية للشراء و6900 للمبيع.
في غضون ذلك، وبعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية أمس الأول، فرض سلسلة من العقوبات على حزب الله وإيران. وتحديداً على قياديين اثنين في الحزب هما نبيل قاووق وحسن البغدادي. دعا وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في ذكرى مقتل جنود أميركيين في بيروت، دعا العالم لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية.
وتربط مصادر مطلعة لـ”البناء” بين العقوبات على قاووق والبغدادي وعملية حكومة جديدة في لبنان، مشيرة إلى أن العقوبات وحديث بومبيو رسالة تذكير المعنيين بتشكيل الحكومة بموقف أميركا الرافض لوجود حزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر في الحكومة، مضيفة أن واشنطن تسعى في كل حدث وطني وعند تضافر الجهود اللبنانية ضمنها حزب الله، إلى توجيه رسالة إما للتذكير أو التأثير. معتبرة أن أميركا تحاول قدر الإمكان اختراق المبادرة الفرنسية والتأثير على الحريري لتقليص حجم تمثيل حزب الله وحليفه التيار الوطني في الحكومة، لكن من دون أن تنسف التسوية وبالتالي دفع الحريري الى الاعتذار.
على صعيد آخر، وبعد أزمة الدواء لاحت بوادر أزمة حادة في قطاع المستشفيات بسبب تعاميم مصرف لبنان التي فرضت على المستوردين تسديد ثمن المستلزمات والأدوية نقداً. وقد أصدر المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت والمركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية – مستشفى رزق ومستشفى القديس جاورجيوس الجامعي ومستشفى سيدة المعونات الجامعي ومستشفى أوتيل ديو الجامعي ومستشفى جبل لبنان الجامعي بياناً أعلنوا فيه الاعتذار “عن استقبال المرضى وعدم قدرتها على متابعة توفير الخدمات الطبية العلاجية والجراحية خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل النقص المستمرّ في مخزونها من المستلزمات والأدوية وفي ظل عدم توفر العديد من المستلزمات الجراحية والأدوية التي تطلب عادة لكل حالة بمفردها”.
وسرعان ما أعلن مصرف لبنان في بيان ان “الاوراق النقدية مؤمنة وستقوم المصارف المعنية بتأمينها للمستشفيات لتسديد كلفة المستلزمات الطبية المطلوبة”، مشيراً الى أن “هذا القرار تمّ الاتفاق عليه بين جمعية المصارف ومصرف لبنان، فكل الحاجات مؤمنة ولا ضرورة لأي تردّد في تقديم كل الخدمات الطبية التي يحتاجها اللبنانيون”.
بدورها أعلنت جمعية مصارف لبنان في بيان أن “المصارف على استعداد لتوفير السيولة النقدية بالليرة اللبنانية للمستشفيات مقابل الشيكات والبطاقات، وهي تتمنّى على جميع المستشفيات الاستمرار في تأدية خدماتها كافة لجميع المواطنين”.