توقف المراقبون باهتمام عند التبديل الجوهري الذي حصل في موقف حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع من بكركي التي عانت الأمرّين من رفض معراب لوصول مطران جبيل بشارة الراعي الى السدّة البطريركية في العام 2011. بعد إعطاء الفاتيكان الضوء الأخضر لتقاعد البطريرك السابق نصرالله صفير من مهامه إثر تقارير عديدة وصلت إلى "حاضرة روما" لم تكن تصب في صالح البطريرك المُقال، وهو الذي شكّل حالة من التجاذب الحاد بين المسيحيين أثناء ولايته.
فمنذ طرح البطريرك الراعي مسألة حياد لبنان قبل أشهر عاد الشرخ إلى المواقف المسيحية بين مؤيد، تمثله مجموعة ما كان يُعرف بقوى الرابع عشر من آذار وفي مقدمها حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، ومتحفظ كالتيار الوطني الحر وعدم هضم من قبل تيار المرده وهما فريقان من أصل اربعة (ميشال عون، أمين الجميل، سليمان فرنجية وسمير جعجع) اجتمعوا تحت سقف بكركي قبل الإنتخابات الرئاسية في العام 2016.
فالبطريركية التي تفاعلت مع "قلق غير مبرر" لإوضاع المسيحيين في لبنان، عملت على إمكانية استنساخ فكرة "الإجتماع الرباعي" للأقطاب أو ما يوازيه، للبحث في إمكانية تكوين مخرج يدعم طرحها، إضافة إلى إظهار حرصها على المواطنين وما ينتظرهم على صعيد الأزمات المعيشية والإجتماعية.
حزب القوات الذي عبّر عن ارتياحه الشديد لـ "النقلة النوعية" في مواقف بكركي ولاسيما بعد طرحها "فكرة الحياد" التي تخفي في جلابيبها العديد من الأهداف المبطنة، والتي أدّت إلى تباين حاد بين العديد من فئات المجتمع اللبناني. ترجم (حزب القوات) ذلك الارتياح بانفتاح مستجد ولافت على الصرح البطريركي تمثل بزيارات غير مسبوقة ولقاءات فوق العادة وصلت إلى حد قول البطريرك الراعي لجعجع أثناء الإحتفال بعيد القديس شربل في بلدة بقاعكفرا الشمالية "حيث تكونون يكون العيد" وذلك بعد فترة من الجفاء وصلت الى حد عدم الإعتراف بانتخاب الراعي، وظل العديد من رجال الدين المتأثرين بتوجهات القوات يأبون رفع صورة البطريرك الجديد بدون أن تكون صورة البطريرك السلف إلى جانبها، وهي سابقة غير مألوفة في الكنيسة المارونية.
وطالما أن الحرارة الإيجابية سجلت ارتفاعاً ملحوظاً بين الطرفين، ظنت بكركي أنها يمكن ان "تمون" على حزب القوات ورئيسه في إستنساخ الإجتماعات المارونية (قيادات أو نواباً) للبحث في المستجدات الصادمة للمواطنين، لكّن معراب سارعت إلى رفض الفكرة من أساسها بحجة أن "لا ثقة برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي نكث بإعلان النوايا بينهما" وأبلغت بكركي صراحة «عدم رغبتها بتكرار التجربة" الأمر الذي صدم بكركي وأوقعها في أزمة ثقة عملت على بنائها لسنوات باعتبارها المرجعية الروحية الأعلى التي لا يَرد لها الموارنة أي طلب، بغض النظر عن خلافاتهم السياسية. لكّن القوات أصرّت على الرفض من منطلق أنها قد خُدعت تحت سقف بكركي، ولذلك هي لا ترغب بتكرار التجربة الا بشروط أبرزها مشروع سياسي لا يتم نقض مضمونه لاحقاً الأمر الذي احرج بكركي كمرجعية وكوسيط خير!