2024- 05 - 06   |   بحث في الموقع  
logo دليل الأمان الرقمي: كيف تحمي أطفالك في عالم الإنترنت logo لبنان كـ"حالة إنسانية".. والانقسام قد ينقلب تمرّداً على "الحزب" logo سرقة بقوة السلاح في طرابلس.. إليكم التفاصيل logo جريح بالرصاص في طرابلس.. ماذا جرى؟ logo انجاز لبناني جديد.. راي باسيل تحرز ميدالية ذهبية في بطولة العالم للرماية logo "وصمة عار "... رسالة من الحجار لميقاتي! logo "فنان العرب" يُعلن إصابته بالسرطان! logo سبب طلب السلطة الفلسطينية استبعاد البرغوثي من صفقة التبادل!
عثمانية أردوغان من الطموح والاستبداد إلى نهاية درامتيكيّة وشيكة (بقلم جورج عبيد)
2020-10-06 13:01:52



ليس العالم قادرًا على استيعاب وامتصاص الذئبيّة العثمانيّة-الأردوغانية، وقد أظهر مخالبه وكشّر عن أنيابه، وقفز من عرينه باتجاه ليبيا وهدّد اليونان ويعبث في قبرص ويتحرّك في طرابلس العاصمة اللبنانيّة الثانية ومحيطها ويحاول الامتداد منها إلى بعض المناطق الأكثر سنيّة، ويربض في إدلب ويضغط على الدولة في سوريا وعلى الروس ومنذ أسبوع ونيّف قتل ضابطان روسيان باعتداء تركيّ سافر ويحضّر للامتداد نحو الفرات في اللحظة التي ينساب في قلب الصراع في ناغورني-كاراباخ، وكأنّه بشاسة مطلقة يذكرنا بالمحازر الأرمنيّة الرهيبّة سنة 1916.
إنّه ذئب يشتهي التلذّذ بلحوم البشر وتحويل الدماء المهراقة إلى خمر مسكر. وبمقدار تعاظم الشهوة المتوحشة والموغلة في إجرامه، ينطلق بعزم للغلبة على الهزال والخواء الذي يعيشهما داخليًّا على غرار نظيره الذئب الآخر بنيامين نتنياهو في إسرائيل، فالعزم عنده يغلّف خشية ورعبًا من سقوط وشيك في الانتخابات المنتظرة في تركيا. يوهم شعبه بأنّه أمين على الإسلام، وينطلق من تعاليم ابن تيميّة وسيّد قطب وصولاً إلى يوسف القرضاويّ ليمتّن الجوهر الإحيائيّ الإسلامويّ بقالب إخوانيّ وجده الرئيس السوريّ الراحل حافظ الأسد خطرًا على سوريا وعلى المنطقة السوريّة المشرقيّة فعمد على ترميده ما بين حماه وحمص. ليس لأنّ الأسد الأب كاره ورافض للإسلام السنيّ، وهو في الهوية متقبّل له، بل كاره لانبثاث الرؤى الإسلامويّة المتصاعدة والخطرة على الأنظمة العربيّة من جهة وهي حتمًا على خلاف عقيديّ وجذريّ مع الأنماط القوميّة.
لن ينسى المصريون على سبيل المثال لا الحصر كيف أن رجب طيّب أردوغان دغدغ حواس الإخوان المسلمين في مصر فألبهم على النظام ليتحوّل التأليب إلى رحم ولد منه أحمد مرسي. كان أردوغان يرى مصر مدى له. وبعد سقوط مرسي المدويّ بفعل انقلاب الجيش عليه، بدأ يخطّط للتغلغل في ليبيا وهي على حدود مصر، فأخذ المجتمع الليبيّ إلى صراع بنيويّ فدخلت روسيا وفرنسا، وارتجفت مصر من دوره حتى سقط على أرض ليبيا وانطلقت تلك البلاد إلى بداية تسوية ضمن رعاية دوليّة منظورة. 
خرج من ليبيا مهزومًا منكسر الجناح مقلّم الأظافر، ليستدخل نفسه في إشعال معارك عسكريّة في ناغورني-كاراباخ في معارك بين أذربيجيان وأرمينيا، فينذر حتمًا بصراع خطير بين إسلام إخواني ومسيحيّة أرمنيّة ومشرقيّة سكبت الدماء ظلمًا وشهداء الأرمن سنة 1916 مع سائر الشهداء المسيحيين هم يسوع المسيح المعلّق على خشبة الظلم والإجرام. ما يريده هذا الذئب المتوحّش إعادة تكوين جيو-بوليتيك ممدود من شمال إفريقيا حتى حدود أذربيجيان. في أمكنة تحوّل الذئب إلى ثعلب فتراه يهادن روسيا وإيران ويطلق وعودًا عرقوبيّة، مثلما في الوقت عينه يهادن دونالد ترامب تجنّبًا لديمومة خطر عبدالله غولان عليه في الداخل التركيّ. 
هذا التثعلب المغلّف لذئبيّته، لم يعد يفيده في التموضعات الخفيّة والظاهرة، ولا في التطلّع إلى هيمنة دولته على جزء من المشرق، ولا إلى هيمنته هو على دولته وتجديد ولايته عليها، وقد دلّ سلوكه اشخصيّ على فساده وبطره وسكره بالنجد الفارغ، فهو يملك قصرًا على أعلى تلّة في اسطنبول ليس له شبيه في العالم وشعبه يئنّ من الفقر والفاقة. خطورة الرجل بأنّه صاحب وجه إقصائيّ ومشروع عدوانيّ، يرى أناه المتضخّمة محور تركيا والعالم، يذكرنا بقول باسكال الشهير Le Moi est haiissable "الأنا مقيت". فمذ أن وصل إلى سدّة الرئاسة، كشف عن وجهه وخطت بصورة تدريجيّة. استدرج الرئيس بشار الأسد إلى صداقة عميقة، وبسبب الثقة الغالية التي منحه إياها الرئيس السوريّ ألغى الحدود بين سوريا وتركيا، فاستغلّ فتح الحدود وجعلها معبرًا للإسلاميين إلى حلب وإدلب وحمص بلوغًا نحو العمق السوريّ، وحاول إحياء الإخوان المسلمين وجوديًّا في سوريا، على غرار ما فعل في مصر لاحقًا، مخترقًا نظامها بمحمد مرسي إلى أن تمّ الانقلاب عليه، وهذا ما جعل العلاقة التركيّة-السوريّة تتدهور وتتدحرج حتى بلغت مرحلة الصراع والحرب واحتلال تركيا لإدلب، واندراج تركيا في الصراع على سوريا لتبدو طرفًا أساسيًّا فيها إلى جانب روسيا وإيران.
في بداءة حكمه، تمظهر بالرجل المنفتح (التثعلب)، فأتى بأحمد داود أوغلو المعروف باتزانه رئيسًا للحكومة ووزيرًا للخارجية، فانطلق اوغلو بمحموعة علاقات أبرز فيها أهميّة الدبلوماسيّة وقوّتها في الحركة الانسيابيّة في العلاقات الدوليّة. ليظهر الخلاف سريعًا بين أردوغان وأوغلو متخذًا إطارًا منهجيًّا ومن ثمّ سياسيًّا. فكان أوغلو يعارض سياسة أردوغان، ويؤمن بأن ما لا يمكن أخذه بالعنف يمكن أخذه باللطف، أي بالتواصل الدبلوماسيّ حتى استقال، واتجه نحو المعارضة. 
خلال تلك الحقبة كشف أردوغان عن وجهه العدوانيّ في قراءته للتاريخ وسكب معانيه في الزمن الراهن. من العوامل المرضيّة العدائيّة والسافرة، اعتلاؤه منبر اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، ومهاجمته بشكل سافر "الحضارة السوداء" (أي بيزنطيا) سنة 2015، معتبرًا بأنّ التاريخ المجيد بدأ عنده مع محمد الفاتح، في حين أنّ بهاء المشرق تجلّى من بيزنطيا، في الشعر والموسيقى والفنّ المعماريّ والطبّ، ورافضًا الاعتراف، في الوقت عينه، بدور تركيا بالمجازر الرهيبة بحقّ الأرمن والسريان والأروام (الروم) سنة 1916. ومن مآثره الرهيبة أيضًا اختطافه لمطرانيّ حلب بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم، وإخفاء مصيرهما وربما قتلهما، والتعرّض للمقدّسات المارونيّة في منطقة براد حيث ضريح القديس مارون الناسك، ودكّ المعالم التاريخيّة، بحسب ما افاد المفكرّ الرؤيويّ غسان شامي، والكنيسة المارونيّة غير آبهة بما يحدث لمقدساتها، وهذا يكشف بأنّ الكنيسة المارونيّة متخليّة غن جذوريّتها المشرقيّة والسريانيّة العميقة.
خيار رجب طيّب أردوغان في الشرق والغرب تعميم الثقافة الإخوانية، بل الإسلامويّة على مختلف تعاليمها وتعاميمها المنكشفة من سيد قطب وابن تيميّة والوهابيّة إلى يوسف قرضاوي وأنسبائه. غير أن جوهر التعميم عنده لصيق بقومية تركيّة ضيّقة وبمجد عثماني يجهد في سبيل استلاده من جوف التاريخ. هذا رجل لا يؤمن بالتنوّع الدينيّ، ويرفض الوجود المسيحيّ في المشرق، وهو يعمل على تشويهها في المدى الأوروبيّ، كما أنّه متّهم بالانفجارات التي حدثت في باريس من شارل إيبدو إلى كاتدرائيّة نوتردام، وقد بسط إرهابه في إسبانيا وألمانيا وإيطاليا. ويعمل بوضوح على إشعال الأرض الفرنسيّة بفتن طائفيّة بين المسلمين والكاثوليك.
وفي لبنان بفتّش عن عناصر وشخصيات سياسيّة يشعل فيها الجذوة الإسلاميّة المنتقمة، وقد استدخل نفسه في الأزقة الطرابلسيّة العتيقة والقرى التركمانيّة في عكار وبعض من الضنيّة، فرسم خريطة تواجده بمساعدات ماليّة قدّمها بالشراكة مع قطر وبتجنيس خمسة آلاف لبنانيّ من أصول تركيّة، وتأمين مدارس لتعليم اللغة التركيّة. استدخاله في لبنان له ثلاثة عناوين:
1- تنصيب نفسه زعيمًا على المسلمين السنّة في لبنان قاطبة. 
2- إستهلاك سنّة لبنان في صراعه مع السعوديّة والإمارات.
3- تطويق سوريا من الخاصرة الشماليّة بواسطة مجموعته، والمعركة في وادي خالد مع اللإرهابيين دلّت على هذا الهدف. وقد كان بنيّة هؤلاء إثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة في لبنان، كما التواصل مع منطقة تلكلخ ذات الأكثرية السنيّة وهي القريبة جدًّا من وادي خالد، للانطلاق في عمليات تخريبيّة في الداخل السوريّ.
وكشفت بعض المعلومات بأنّ أردوغان استدخل نفسه بواسطة مجموعات له في منطقة الفرات، في المنطقة المشتركة ما بين سوريا والعراق وتركيا، كمحاولة منه للتأثير على مجريات الصراع في منطقة إدلب والانطلاق نحو عمليات تخريبية من تلك المنطقة كما من شمال لبنان.
في هذه المرحلة، وبعد خسارته المدوية في ليبيا، يحاول أردوغان التموضع ما بين لبنان وسوريا والعراق وأرمينيا. التحالف الفرنسيّ-الروسيّ، والتلاقي المصريّ-الإماراتي-السعوديّ استطاع طحنه وطرد فلوله من المرتزقة السوريين وهو يرسلهم للقتال في أرستاد. في لبنان القرار اللبنانيّ واضح بعدم تركه يسترسل ويحكم هيمنته بالسيطرة. (وهنا تظهر بعض المصادر أهمية التلاقي الفرنسيّ-الروسيّ-الإيرانيّ في تعجيل الحلول الداخليّة والتسريع في تأليف حكومة إنقاذ سريعة، كما تعوّل أهميّة على إمكانية فتح التواصل السوريّ-الفرنسيّ في مواجهة التمدّد الأردوغانيّ ما بين لبنان وسوريا). وبراي متابعين فإن القيادة الروسيّة ضاقت ذرعًا منه من بعد سقوط ضابطين شهيدين لها في سوريا. وفي مسألة ناغورني-كاراباخ أو أرستاد، يحاول رجب طيب أردوغان على الرغم من نفيه الإطلالة من أذربيجيان وتصوير إلهام علييف كمدى فعليّ له في وجه الأرمينيين. في المسألة الأرمينيّة "قد" يتلاقى فلاديمير بوتين مع إلهام علييف ورجب طيب أردوغان في اعتبار أن أرمينيا احتلّت عددًا من المدن والقرى الحدوديّة منها. غير أنّ القراءة السياسيّة غير محصورة في معاني الاحتلال أو رفض أرمان سركيسيان أو نيكول باشينيان إستمرار التفاوض مع إلهام علييف بمبادرة روسيّة، بل في التلاقي العضويّ والجوهريّ بين علييف وأردوغان، والذي قد ينتج مدًّا إسلامويًّا رابضًا على حدود روسيا من جهة وإيران من جهة أخرى، إنه صراع جيو-بوليتيكيّ بامتياز، والروس لن يبدّلوا تبديلاً ما بين ليبيا وإدلب وناغورني كاراباخ، بل سيوحدّون جهودهم لكسر أردوغان في إدلب بإطاء الضوء الأخضر للرئيس بشّار الأسد وموافقة إيرانيّة على الرغم من التعاون الاقتصاديّ، وسيقرأون بأن أردوغان يستغلّ المسألة الأرمينيّة لإشعال فتنة مسيحي-إسلاميّة، وإعادة مشهد المجازر الأرمنيّة إلى الأذهان التي لم يعتذر عنها، وبتين مدرك في الأعماق مدى خطورة أردوغلن الإسلامويّ على روسيا. أردوغان يشنّ حربًا على اليونانيين الأرثوذكس وهو متورّط في الصراع مع الأرمن من زاوية شهوته النيو-عثمانية الجديدة.
في الثالث من أيلول الماضي، وهذا ما يصلح كختام لتلك المقاربة، صرّح محمد داود أوغلو قائلاً: "النهج الذي يتّبعه أردوغان ينطوي على مجازافات شديدة". كان أوغلو يشير إلى الصراع بينه وبين اليونان، ولعلّه أشار إلى صراعه في كلّ الأقطار التي ليس له فيها وجود أو دور سوى الحلم، ويؤكّد بأنّ الحكوة التركيّة لا تقدّم دورًا دبلوماسيًّا لائقًا، ووصف النظام الرئائيّ المتبع بأنه يحوي كل معاني الاستبداد، وهذا ما يحجب الضوء عن تركيا في المدى المنظور في ظلّ أوهام أحلام تقود صاحبها وبلاده نحو الهلاك.   


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top