2024- 05 - 02   |   بحث في الموقع  
logo بيان من أمانة السجل العقاري في طرابلس..اليكم ما جاء فيه logo "فضيحةٌ تاريخية"... تحذيرٌ إسرائيلي لبايدن! logo "يهددون بالاستقالة"... خلافاتٌ شديدة بين نتنياهو وقادة الجيش! logo "جولةٌ جديدة من التصعيد"... الحوثي يحذر من استمرار العدوان على غزة ! logo حمية: قوات الاحتلال مستمرة في تهديدها لسلامة الملاحة الجوية logo الحاج حسن عرض مع وفد وزارة الزراعة الكويتية تفعيل التعاون الزراعي logo المكاري افتتح مكتب “دار البيان العربي للدراسات”: الثقافة الوطنية الجامعة رسالة ايمان بلبنان logo مخزومي عن عصابة استدراج الأطفال عبر TIKTOK: ما حصل يدق ناقوس الخطر
من لبنان الكبير إلى الدولة المدنية مرورًا بزيارة ماكرون (بقلم جورج عبيد)
2020-09-01 20:21:29



"أرز لبنان الذي صنعته هناك تعشّش العصافير" (داود كاتب المزامير)


لا ينحصر تاريخ لبنان ضمن مئة سنة عبرت، أرزه الرابض على رباه وهضابه وجباله، أكّد بهاء بلد وجد في العهد القديم وعلى أرضه مشى المسيح وفوقها تلاقت المسيحيّة والإسلام، وألّفت حقًّا لبنانيًّا مؤلّفًا للحقّ المشرقيّ والحقّ العربيّ.


لن أغوص في متاهات التاريخ وغياهبه كثيرًا. همّي في تلك العجالة الإضاءة على الزمن الراهن في مكنوناته ومكوّناته في تأوهات الناس ورجائهم. الجراح مثخنة والأوجاع رهيبة والأعطاب بليغة. القضيّة الأساسيّة، أن لبنان منذ ما قبل تأسيس دولته كلبنان كبير ومذ ان صغيرًا، لا يزال أسير التاريخ في عناوينه المتكرّرة أو الدائرة في حلقة مفرغة.


لبنان صغيرًا كان أو كبيرًا، ساحة لاصطفاف الطوائف باحترابها وتسوياتها. ليس هذا الاصطفاف معصومًا عن الإدارة الخارجية للأزمات بتوتراتها وعنفها وفكفكتها بالتسويات. ليس للبنان تاريخًا خاصًّا به، ما خلا المرحلة المعنيّة الكبرى، والتي تجاوزت حدوده الجغرافيّة خلال عهد الأمير فخر الدين الثاني الكبير، وقد بلغت حدود الأناضول. ثمّة سؤال لم يواجهه المؤرّخون ولم يجيبوا عليه؟ كيف استطاع هذا الأمير العظيم توحيد لبنان القائم في جوهره على النمط الطائفيّ، وانطلق ليكسر السلطنة العثمانيّة من لبنان إلى سوريا ويبلغ حدودها؟ ثمّة جواب واحد ووحيد كشفه المستشرقون الذين زاروا المشرق، بأنّهم لم يستطيعوا في تلك الحقبة الزمنيّة والتاريخيّة التمييز بين مسيحيّ ودرزيّ ومسلم. يمعنى أنّ قوة الوحدة هيمنت على الواقع اللبنانيّ واستطاع من خلالها ذلك الأمير تجسيد الحقيقة اللبنانيّة المتحررة من الطوائف، والانطلاق بها إلى أبعد من الحدود الجغرافيّة.


لا بدّ من الاعتراف بأن السياق الطائفيّ لم يستبح لبنان إلاّ بعد تلك المرحلة المجيدة من التاريخ. قوّة الوحدة أرعبت السلطنة العثمانيّة. ما من محتلّ في التاريخ على أرضنا إلاّ وخشي منها. فخر الدين لم يكن أسطورة ولا "إلهًا" يشبه آلهة الإغريق، بل هو حقيقة من لحم ودم وموقف ورجولة وفكر. وقد استطاع اختراق الحجب والتمدّد وتهديد السلطنة من على حدودها وفي عقر دارها. نهاية فخر الدين لم تكن في الأستانة بل كانت بدايته وهي ممدودة إلى زماننا الحاليّ ونحن لا نزال نطرح السؤال التالي: أيّ لبنان نريد؟


لبنان الطائفيّ، أو الساحة للاصطفاف الطائفيّ، لم يظهر من تلقاء نفسه. بل فبركته السلطنة العثمانية بعد قتلها لفخر الدين. ثمّ تواصلت مع الدول الكبرى لإتمام عملية الفبركة المتوازنة. الطائفيّة هدف السلطنة آنذاك لأنها خدمت انبساطها واستعمارها، وهي المزكيّة للمجازر الرهيبة ما بين 1840 ومن ثمّ 1860، لأنها تضعف اندماج الطوائف في الكلّ الذي هو الوطن، وهي المزكيّة للزعامات العائليّة بتوزيع الألقاب عليهم. المشهد عينه استمرّ مع تكوين لبنان الكبير. فقد ولد طائفيًّا بامتياز، والنقاش المصاحب للتكوين كان طائفيًّا بدوره، حيث سعى الفرنسيون وبقوّة لتوسيع رقعة لبنان الجغرافيّة باتجاه وادي النصارى والساحل السوريّ، فجاء الرفض من البطريرك المارونيّ الياس الحويّك آنذاك. 


هنا لا بدّ من مكاشفة اللبنانيين والمؤرّخين المدّعين بأنّ مسألة ضمّ وادي النصارى أو رفضه خرافة، بأمر شخصيّ وعائليّ، وهو أن جدّي المرحوم جرجي عبيد وإخوته الدكاترة الياس (وقد كان نائبًا في سوريا) ويوسف وجبرا ونقولا (والأربعة الكليّة اللبنانيّة في سوق الغرب والجامعة الأميركية في بيروت كأطباء فيما جدي كان محاميًا متخصّصًا بالشرع الإسلاميّ) حنّا وميشال (رجليّ أعمال)، قد استقبلوا في المنزل العائليّ الواقع في قرية المشتاية في وادي النصارى المغفور له إميل إدّه والحاكم الفرنسيّ في اللاذقيّة شوفلر، وجاءهم العرض بضمّ وادي النصارى إلى لبنان فقبلوه بكلّ سرور، وانطلقوا نحو القرى حيث تمّ توقيع عريضة بضمّ هذا الوادي إلى لبنان، وهو ملاصق لعكار لدرجة أن أبرشيّة عكار الأرثوذكسيّة قسمان: قسمّ سوريّ وآخر لبنانيّ. 


أمضى إميل إدّة يومين في المنزل العائليّ، ثمّ أخذ العريضة واتجه من المشتاية حيث يقع دير القديس جاورجيوس الحميراء إلى بكركي واجتمع بالبطريرك الياس الحويك قائلاً له: "إفرح يا سيدنا، لقد وافق مسيحيو وادي النصارى الانضمام إلى لبنان، فما كان من السيد البطريرك آنذاك سوى اعترض قائلاً سيكثر عدد الأرثوذكس إلى أن انتفض إدّه قائلاَ له لا تنسى زوجتي لودي سرسق. على إثر ذلك نقل إدّه إلى جورج كليمنصو وقد كان وزير خارجية فرنسا الموقف الرافض للبطريرك فاستعجله ببرقيّة قائلاً له: "أيها الموارنة لقد كنتم كبارًا في لبنان الصغير وستصبحون صغارًا في لبنان الكبير".


شئت تلك المكاشفة بعيدًا عن تطرّف تاريخيّ أو طائفيّ مذهبيّ، بل كإطار لإظهار حقّ حاول بعضهم طمسه. وللتأكيد في الوقت عينه، بأن وادي النصارى وسوريا كلّها كانت في ظلّ الإمارة المعنيّة المتسعة بحدودها نحو تركيا. بمعنى أن لبنان الكبير كان أبعد بكثير من حالته الجغرافيّة. وحين استبدّ الشبق الطائفيّ انطلقنا نحو السقوط. لبنان الكبير كان أرجوحة أو مجموعة أرجوحات تحولت إلى مطبّات وانهيارات خطيرة. فلنتذكّر قليلاً مؤتمريّ الساحل سنتي 1932 و1936، حيث رفض السنّة بغالبيتهم استقلال لبنان عن سوريا واعتبروا دمشق عاصمتهم المركزيّة، فلنتمعّن قليلاً بالجدل العقيم بين مفهومين واحد ميثاقيّ رسّخه ميشال شيحا، وهو أوّل المحذّرين من محاولات الوكالة اليهوديّة من التخالط مع عدد من المسيحيين والمسلمين في لبنان بغية تأمين دعم عقيديّ قوميّ لتأسيس دولة إسرائيل، واستند عليه فيما بعد الرئيسان الراحلان بشارة الخوري ورياض الصلح في توطيد المعنى الميثاقيّ بين المسيحيين والمسلمين كنظام تعدديّ فريد بوجه ما يحاك من أنظومات آحاديّة في المحيط ومنها إسرائيل. وجورج نقاش القائل فور التأسيس: "نفيان أو نقيضان لا يؤلّفان أمّة واحدة"، وعلى هذا المفهوم استند الانفصاليون والانعزاليون، واستعرت الحروب، ثم تمّت المناداة بالفدرلة، وقبل الفدرلة تمّ الدمج بين الهويات والقوميات القاتلة والطائفيات المتنافرة. 


الإضاءة على هذه المسألة بالذات تقودنا حتمًا للاستنتاج بأن الحروب التي عاشها لبنان، جزء منها توغلت به الرؤى المتصادمة والمتراكمة بفلسفاتها النافرة، المظهرة للنقائص بمنطق النقائض. غير ان الجزء الجوهريّ الذي لا يمكن دحضه إطلاقًا بأنّ الخارج المتفاعل مع الداخل، جاء تفاعله على أن لبنان الكبير خطأ تاريخيّ، وما هو سوى وطن عبور ونزوح ولجوء. لم يتعامل الخارج معه على أنه دولة كيانيّة وحقيقيّة وتاريخيّة، لم يريدوا ان يفهموا بأنّ لبنان وجد في سفر التكوين، ليس سهلاً أن يفهم واحدنا هذا القول بالتشبيه المستعمل: "الصديق كالنخل يزهر وكالأرز في لبنان ينمو" (وليس ينمي، استعمال هذا الفعل في الطقوس المارونيّة، حيث أن فعل نما في المضارع الألف تقلب واوًا). ليس سهلاً أن نعثر عند داود عينه هذا القول في مناجاة الله: "أرز لبنان التي غرستها هناك تعشّش العصافير ومسكن الهيرودي يتقدمها". الموجع في العهد القديم أن تقرأ هذا الكلام عند حزقيال: "إفتح بابك يا لبنان فيأكل النار أرزك"، هذا عينًا يظهر لبنان وكأنه معدّ للنار!!! هل الله أحرقه بالنار أو أنّ التصادم الداخليّ المتماهي مع الخارج من أحرقه بالنار. الله لا يحرق خطيئته، ليس جلاّدًا وسيّافًا، "الله يحبّ الرحمة والعدل"، الله لا يتصارع مع نفسه، لأنه إن تصارع تمزّق ومات...


الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، قدّر واقع لبنان تقديرًا كبيرًا. لقد تعلمنا من منطق التاريخ بأنّ الدول تتعاطى مع قضايانا بمنطق الاستثمار وليس من منطق القيم. يبدو بأن عصر القيم قد انتهى، قد لا تكون قد محقت بالكليّة في فرنسا، المتحسّسة ضمنًا للأرومة المشرقية الروحيّة والفكريّة على الرغم من العلمانويّة أو الفكر العلمانويّ المجتاح لأوروبا بوجه الإسلامويين التكفيريين. هذا التحسّس عبّر عنه ماكرون في منزل الأيقونة المشرقيّة فيروز وفي لقائه العميق مع الرئيس ميشال عون. السؤال المطروح هل الرجل مدرك لخطورة إسرائيل التي كانت خلف زعزعة لبنان الكبير منذ سنة 1948 والكيانات العربيّة كلّها استنادًا إلى الرسائل الثلاث بين ديفيد بن غوريون وإسحق ساسون وموشي شاريت، ولا تزال تحاول من خلال الاستناد إلى صفة القرن وعمليات التطبيق وقانون قيصر الأميركيّ؟ 


لبنان الكبير يعيش الآن في بؤرة صراعات متوثبة. الصراع المتجدّد الآن هو بين أوروبا بأسرها وتركيا مدعومة ضمنًا من الأميركيين، وفي الجانب العربيّ تبدو مصر شريكة للفرنسيين في الحرب مع تركيا من الحدود الليبية إلى شواطئ شرقي المتوسّط، وقد حذّر مندوب الأمم المتحدة غسان سلامة في تقرير أرسله منذ أشهر إلى نيويورك من امتداد الصراع من ليبيا وتفشّيه نحو تلك الأمداء. لعلّ انفجار بيروت والتوترات الأمنية المتسجدة بعده تفترض بالمتابع والباحث أن يلاحظ بان ما حدث ليس وليد صدفة بل خطّة مبرمجة. وقد تتلاقى فرنسا ومصر وسوريا وروسيا وإيران على تقييم الخطر التركيّ الجديد لنكون أمام حقبة جديدة من التحالفات والقراءات. تكفي الطراوة المعقولة والموضوعية والهادئة بين فرنسا وحزب الله، فهي بدورها منعكسة على سوريا، حيث حزب الله شريك في الدفاع عنها وتحريرها.


ثمّة سؤال وقبل الختام، واستنادًا إلى كتاب الدكتور حسن حماده إلى الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، ومن زاوية تاريخيّة، ماذا لو انتهى الصراع بين فرنسا وتركيا، هل نحن أمام قربان يقدّم لها كما ضحى الفرنسيون بلواء الإسكندرون وأنطاكيا مدينة الله العظمى وقد تم سلب اللواء من السيادة السوريّة، أو أن فرنسا دفنت تحت تراب التاريخ تلك السلوكيات التي أدّت إلى الانتهاك والهتك؟ كتاب حسن حماده أيقظ فينا الإحساس التاريخيّ ليس للتبصّر فقط بل للتساؤل العميق أو ليكون مادّة في حوارنا الذي سيكون مديدًا ونشاؤه طيبًا مع فرنسا.


وأخيرًا انبثاق الدولة المدنية تفترض التحرّر المنهجيّ من الطائفيات المتنافرة والقبليات المتصادمة. تاريخنا المعاصر والحديث بني على أحزاب تملك بعضها الطوائف في مصادرة واضحة لله، وجاء التملّك ضمن ستائر دوليّة وعربية وإقليميّة شرعت الفساد في البنية اللبنانية، وهي لا تزال تعيق كل إصلاح وتغيير تاق إليه الرئيس الحبيب والجبل ميشال عون. لن تستقيم حكومة جديدة برئاسة مصطفى أديب أو سواه في حوض فاسد وأنظومة متشابكة. الدولة المدنية توق وهدف. شرطها ولادة أحزاب جديدة بأنماط جديدة تبطل مراحل الموت وتشرّع النوافذ للحياة والفجر والضياء.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top