ما جرى في منطقة خلدة "أكبر من إشكال وأقل من إشتباك". إنھا حادثة "خطیرة" في توقیتھا ومناخھا وكیفیةتطورھا سریعا في منطقة تُعد موقعا استراتیجیا على الطریق بین بیروت (وضاحیتھا الجنوبیة) والجنوب، وتضم خلیطا من المكونات والقوى الطائفیة والحزبیة (المستقبل ـ حزب الله ـ "أمل" ـ الاشتراكي ـ الدیمقراطي اللبناني) التي تعاونتأمس لحصر التوتر ومنع تطوره نحو الأسوأ، إضافة الى الطرف الرئیسي المتمركز في ھذه المنطقة المنتمي الى"العشائر العربیة" والمعروفین بـ"عرب خلدة"...
ساعات من إطلاق النار الكثیف الذي أسفر عن سقوط قتیلین وعن نشر حال من الرعب في صفوف المواطنینوإقفال الأوتوستراد الساحلي "الحیوي"، وتخللته عملیة إحراق إنتقامیة لمبنى سكني تجاري. وتطلب الأمر تدخلا حازماكثیفا للجیش اللبناني الذي دفع بقوات النخبة (المغاویر) للسیطرة على الوضع، كما تطلب إتصالات على أعلىالمستویات للتھدئة، وكان قطباھا تیار المستقبل وحزب الله، وكان فیھا اللواء عباس إبراھیم وسیطا وساعیا... الى أن تمإحتواء الوضع وإعادته الى طبیعته في ساعة متقدمة من اللیل...
حوادث خلدة أیًا تكن أسبابھا وشرارتھا، تقرع جرس "الإنذار المبكر" وتشكل مؤشرا الى "وضع أمني أخذ فيالتفلت " أكثر فأكثر، والى "فتنة" تطل برأسھا وعناصرھا متوافرة في بیئة حاضنة لھا... ویمكن وضع حادثة خلدة في إطارین منفصلین ومتكاملین في آن:
الأول یتعلق بالتوتر السنّي ـ الشیعي المتصاعد على خلفیة مذھبیة وسیاسیة لأسباب وعوامل متراكمة، كان آخرھا
الحكم الصادر عن المحكمة الدولیة في قضیة إغتیال الرئیس الشھید رفیق الحریري وتضمن إدانة لأحد عناصر أومسؤولي حزب الله سلیم عیاش، من دون إغفال الأسباب السیاسیة التي تساھم في شحن الأجواء، ومنھا ما یتصلبإضعاف دور وصلاحیات رئیس الحكومة والإتیان برئیس حكومة من خارج التمثیل السنّي. ویترافق ذلك مع تغییرحاصل في الساحة والخارطة السنیّة، ویتمثل في الضعف اللاحق بالرئیس سعد الحریري وتیار المستقبل، وما یمثله من"قوة إعتدال" مقابل تنامي نفوذ قوى التطرف والتشدد...
وسواء كانت شرارة واقعة خلدة، خلاف على یافطة دینیة عاشورائیة أو على رفع صورة لـ سلیم عیاش، فإن ُوجد الصاعق المفجر أو "المضمون أو الخطر الفتنوي" موجود وقابل لأن یظھر مجددا في أي منطقة وفي أي لحظة اذا حصل دخول لجھة ثالثة متربصة أو لـ"طابور خامس" یسھل علیه الإصطیاد في المیاه المذھبیة العكرة، بدلیل أن جزءا أساسیا من الجھود والإتصالات لیل أمس ركزت على حصر التوتر ومنع تمدده الى مناطق أخرى في العاصمة أو في عكار، حیث التواجد الأساسي لـ"العشائر العربیة" التي تأرجحت مواقفھا وبیاناتھا بین التضامن مع عرب خلدة و عدم السكوت بعد الآن، وبین الإحتكام الى الدولة والبقاء تحت سقف القوانین...
الثاني یتعلق بمجمل الوضع الأمني الذي یُسجل في الآونة الأخیرة خروقات متزایدة عبر حوادث منفصلة تصب في
ضرب نقطة القوة الوحیدة المتبقیة: الإستقرار الأمني. فقد حصل منذ أیام إشتباك محلي بین عناصر حركة "أمل" وحزب الله في بلدة "لوبیة" الجنوبیة على خلفیة رفع "رایات عاشورائیة" وسقط قتیل وأحرق مبنى سكني... كماحصل إشكال وتوتر في بلدة سعدنایل البقاعیة حصل في خلاله إطلاق نار على مسجد وقطع للطریق الرئیسیة لساعات...
والحادثة الأھم والأخطر ُسجلت في قریة كفتون في الكورة واكتسبت طابعا إرھابیا على ید مجموعة مسلحة لھا سوابق
إرھابیة، من دون أن یُعرف الھدف الفعلي للعملیة التي ذھب ضحیتھا ثلاثة شبان من البلدة.
"جریمة كفتون" سلطت الضوء على تنظیم "داعش" واحتمال معاودة نشاطه في لبنان بالتزامن مع إطلالته المتجددة في سوریا والعراق... وجاء الإعلان عن إلقاء "شعبة المعلومات" القبض على "إرھابي داعشي"، كان فيصدد إعداد لعملیة إنغماسیة تستھدف عناصر في الجیش وقوى الأمن، مستغلا مشاركته في منطقة الجمیزة لرفعالأنقاض مقابل بدل مالي، جاء ھذا الإعلان لیعزز القلق وفرضیة وجود مخاطر أمنیة وخلایا نائمة تحاول الإستفادة منمناخ التوترات والخلافات السیاسیة والطائفیة، ومن مرحلة الفراغ وانعدام للوزن للنفاذ الى الوضع الأمني والعبث به...