2024- 05 - 05   |   بحث في الموقع  
logo التجديد للطوارئ: محك للديبلوماسية اللبنانية ونفوذ اسرائيل logo متى سيُسلم بري الرد اللبنانيّ على الورقة الفرنسية؟ logo معطيات جديدة عن عصابة الـ “تيك توك”… وتسجيلات صوتيّة منسوبة للرأس المدبّر logo في بعلبك.. مطلوبٌ يقع بقبضة المخابرات! logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم السبت logo بالفيديو: “موكب حفل زفاف” يثير هلعاً في طرابلس.. ماذا حصل؟ logo رسمياً… ريال مدريد بطل الدوري الإسباني logo "حماس": نتنياهو شخصيًا يعرقل التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة
وليد جنبلاط: من عين التينة... إلى دمشق (بقلم جورج عبيد)
2020-06-15 19:46:03



اللقاء الدرزي المنتظر على مائدة رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي بين وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان جاء بالدرجة الأولى بطلب من جنبلاط خلال زيارة قام بها إلى النبيه. ثم كان لقاء بين الرئيس برّي والأمير أرسلان أطلعه فيه على جوّ اللقاء بينه وبين جنبلاط معربًا عن رغبته بطيّ صفحة الماضي في ظلّ اللحظات التكوينيّة الجديدة التي تمرّ بها المنطقة.
يوم السبت الماضي جمع الأمير طلال شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نصر الدين الغريب إلى جانب الأستاذ وئام وهّاب والحلفاء، أطلعهم خلاله على جوّ اللقاء وبنوده، فتمّ تأييده وسيذهب الرجل إلى العشاء مؤيَّدًا من حلفائه في الطائفة الكريمة.
 
السؤال المطروح لماذا طلب وليد جنبلاط اللقاء بطلال أرسلان على مائدة الرئيس برّي؟
 
كمقدّمة للجواب، لا بدّ من القول بأنّ الرئيس برّي أعلم حزب الله بطلب جنبلاط، فتمّ تشجيعه على التحضير للدعوة. والحزب بدوره شجع أرسلان للتجاوب مع دعوة برّي. ذلك أنّ الوضع اللبنانيّ، وما بلغه من تدهور وتدحرج خطير ومقيت تعدّى العهد والحكومة والنظام يتطلّب من المكوّنات الصبر والوحدة والتآزر. فهذه الخصائص مفاتيح للصمود والمواجهة والرسوخ، سيّما أنّ المرحلة المقبلة وصولاً حتى الخريف وربّما حتى آخر السنة تحتاج لطيّ الصفحات السوداء والارتكاز على المساحات المشتركة حتى لا تقوى علينا تجارب المحن وتتغلّب علينا نيران الفتن.
 
بهذه الرؤية يتجلّى الجواب. ذلك أن النائب جنبلاط متهيّب ومدرك لواقع الموحدين الدروز ليس بالضيق الجغرافيّ اللبنانيّ، بل بالاتساع المشرقيّ. هذه طائفة لا شكّ مكوّن جوهريّ للبنان الكبير، وهي كانت أساس لبنان الصغير من القائمقاميتين إلى المتصرفيّة. مرّت بصدامات عديدة مع الموارنة، وكان الغير خلفها. السفير عادل إسماعيل رحمه الله قال: ما من حرب حصلت إلاّ وكانت أصابع الأجنبيّ خلفها. غير أنّ الطائفة الكريمة أعطت للبنان نكهة خاصّة وجميلة بفعل تأصّلها المتين بالأرض واعتبارها الكرامة جوهر الحضور والوجود. وإذا ساغ هامش بسيط، فقد كان جبران باسيل على حقّ حين رأى في دير القمر بأنّ العلاقة المسيحيّة-الدرزيّة يجب أن تنفض غبار التاريخ الأسود وتعود إلى الوحدانية الاجتماعيّة أو المجتمعيّة التي رآها المستشرقون الأجانب في القرنين التاسع عشر والعشرين على بهاء مُشرق.
 
لكنّ البعد المَشرقيّ هو الجوهر والهاجس. فالموحدون مقيمون على رقعة محترمة في المشرق، من لبنان إلى سوريا وفلسطين. وجودهم بهذا المعنى يشبه إلى حدّ بعيد الأرثوذكس حيث أنّ المشرق مقيم فيهم مثلما هم مقيمون فيه، والموارنة الأصيلون غير بعيدين عن هذه الرؤية. 
يعرف وليد جنبلاط بأنّ جبل المختارة أو الشوف وعاليه والمتن الأعلى جغرافيًّا خطّ وسطيّ فاصل ما بين الساحل اللبنانيّ ودمشق، مثلما طرابلس المدخل نحو الساحل السوريّ وحمص وحماه وحلب... كما يعرف ويدرك بأن دروز الجبل ووادي التيم (البقاع الغربيّ وحاصبيّا) مرتبطون ارتباطًا عضويًّا بدروز الجليل الأعلى والجولان وحوران وجبل الدروز عمومًا. بمعنى عميق أنّ الدروز مثل المسيحيين مشارقة في الهوى والجغرافيا.
 
ينطلق بعض المراقبين من هذا المحتوى الجيو-اجتماعيّ والجيو-استراتيجيّ والقوميّ، للإضاءة على خطاب وليد جنبلاط الأخير تجاه سوريا والدولة، معتبرين بأنّه خرق شاذ لهذه المعرفة المكنونة في عقله. ويعتبرون بأنّ تلك المعرفة استهلكها في علاقته مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، تاركًا مشهد استشهاد والده مدى لصمت صارخ فجّره بدءًا من سنة 2000 وجاهر به علنًا خلال مرحلة استشهاد الرئيس رفيق الحريري. 
 
لماذا اعتبر المراقبون بأنّه خرق شاذ بصوت نشاذ؟ لأنّ التجانس بينه وبين سوريا كان على أشدّه في مراحل دقيقة من تاريخ لبنان لا سيّما في مرحلة الطائف حيث ألبس (سوريًّا) عباءة الزعامة، ومنح مكاسب جعلته زعيمًا على الدروز ومن ثمّ على المكوّنات اللبنانيّة، وليس لأحد أن ينكر ذلك. لكنّه في المرحلة الأخيرة اتجه نحو العدائيّة والمواجهة غير آبه بأنّ دروز سوريا والجليل الأعلى وإن هو مغتصب إسرائيليًّا موالون للرئيس بشار الأسد. 
 
مقابل ذلك كان الأمير طلال أرسلان يجاهر بالصداقة اشخصيّة مع الرئيس بشار الأسد، ويجوب في قرى جبل الدروز وحوران كما يجوب بين بيصور والشويفات وعيتات والجبل وصولاً حتى حاصبيا. والإخوة الموحِّدون في تلك المنطقة رأوا فيه مرجعًا صادقًا، وقد استمدوا فهمهم من جوف العلاقة التاريخيّة العميقة بين إمارة آل الأطرش وإمارة آل أرسلان. إذ ليس صحيحًا أن تاريخ الموحدين محصور بين اليزبكيّة والجنبلاطيّة أو الأرسلانية-الجنبلاطيّة. فالأمير مجيد أرسلان والزعيم الكبير الأمير سلطان باشا الأطرش واجها الانتداب الفرنسيّ بقسوة وبعمق انتمائهما للأرض. الأمير سلطان كان بطلاً من أبطال معركة ميسلون قرب دمشق، وظلّ جبل الدروز بفضله شامخًا. والأمير مجيد أرسلان، وبعد عشرين سنة من معركة ميسلون كان بطل معركة بشامون، ورجلاً من رجال استقلال لبنان، وسلطان باشا الأطرش كان بطلاً من ابطال سوريا الكبار ورجلاً من رجال استقلالها. دروز لبنان وسوريا موحِّدون لله في الإيمان ولكنّهم موحَّدون في التطلع الأبيّ للكرامة البشريّة والوطنيّة والقوميّة.
 
سيحضر التاريخ في الذاكرة على مائدة الرئيس نبيه برّي.  كما في الوقت عينه ستحضر المواد الخلافيّة من زاويتين محليّة بتفاصيلها الدقيقة والمتشعبة، منها حوادث الشويفات والجاهليّة وقبرشمون. تقول المعلومات هنا بأنّ وليد جنبلاط مدرك بأنّ قضيّة قبرشمون كشفت المقصد الأساسيّ منها ودوره فيه. استعمل وسائل عديدة في سبيل الضغط للتحرر من عبئها فلم يوفّق. ثم زار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وكان رجاؤه ثلاثًا:
 
1-التهدئة في الخطاب السياسيّ بين التيار الوطنيّ الحرّ والحزب التقدميّ الاشتراكيّ في الجبل، والاتجاه نحو الحوار والتنسيق. وبهذا يكون جنبلاط قد اعترف بدور التيار وثقله في الجبل كممثّل للوجدان المسيحيّ بأكثريته المطلقة. وقد اتفق مع الرئيس على هذا الأمر وقد غلب الرضى وجه الرئيس.
 
2-حلحلة اغتيال مرافقيّ الوزير السابق طارق الغريب بطريقة حبيّة، فلم يمانع الرئيس على الإطلاق لكنّه ذكّره بأنّ الأمر منوط بالأمير طلال أرسلان والوزير السابق صالح الغريب، وأكّد الرئيس بأن وحدة الموحِّدين الدروز ضروريّة وهي مشتهى الجميع.
 
3-مسألة التعيينات في الدولة، وقد وعده الرئيس بها خيرًا.
 
انطلق وليد جنبلاط نحو صديقه الرئيس برّي، وأعلمه بهذا الجوّ، فتلقف الأخير المبادرة وانطلق بها. 
 
إصرار جنبلاط على اللقاء اليوم ينطلق من:
 
1-وحدة الموحدين الدروز. وبرأيه، ليس للوحدة أن تتجلّى سوى بخفض منسوب الخلافات والتوتر المصاحِب لها، بل بإنهائهما. وبرأي المراقبين بأن اللقاء اليوم سيفضي إلى تسوية جديّة وإيجابيّة تحافظ على وحدة البيت الدرزي، ووحدة الخطاب السياسيّ الوجوديّ بآفاقه الاستراتيجيّة لا سيّما في المراحل التغييريّة الكبرى.
 
2-الملفات التي أخذت بعدًا جنائيًّا دمويًّا سيتفق الفريقان على إنهائها بمصالحة تحفظ كرامات الجميع من دون انتقاص.
 
3-الحفاظ على الزعامة الجنبلاطيّة ضمن الدائرة الدرزيّة وقد يتعهّد جنبلاط أن تنطلق من صيغة جديدة غير متقوقعة في أزمنة الحقد العبثيّ.
 
4-إعادة الاعتبار لعلاقة المختارة بدمشق. ومن المعروف بأنّ الأمير طلال أرسلان الصديق الصدوق للرئيس بشّار الأسد، الذي يحفظ له وفاءه ومحبته وصدق التزامه بعكس من لعب على وتر الصداقة فخدشها بشهوة السلطة. وقد فهم جنبلاط بأنّ الأمير أرسلان قادر على أن يكون الوسيط الدرزيّ النزيه في تنقية الشوائب وإبطال الخلافات الجوهريّة والأحقاد المعلنة. وجنبلاط بتحليله الاستراتيجيّ لا يزال يلمس بأنّ الرئيس الأسد سيبقى في كلّ المعادلات الرقم الصعب وحجر الزاوية لمشرق جديد، حيث الموحِّدون ركن عزيز من أركانه.   
 
هل سينجح اللقاء بفتح الطريق لوليد جنبلاط نحو دمشق عن طريق الأمير أرسلان؟ الجواب ولمَ لا؟ وللأيام أن تثبت ذلك. 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top