دَخَلَ لبنان «أسبوع قيصر» مُثْقَلاً بمؤشراتٍ مُقْلِقة جداً حيال المنْحى الذي يتّجه إليه الوضعُ الداخلي في ملاقاة انتقال المواجهة الأميركية – الإيرانية إلى مراحلها الأكثر تَشَدُّداً والتي لن تكون «بلاد الأرز» بمنأى عن مفاعيلها.
وفيما «يُدشّن» الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء غد، «زمنَ قيصر» الأميركي بإطلالةٍ عشية سريان القانون الذي يَفْرض عقوبات على كل مَن يقيم علاقات تجارية أو يدعم سوريا، وسط ترقُّب أن يرسم حدود تعاطي لبنان مع هذا التحوّل المفصلي ويحدّد «قواعد الاشتباك» معه، تعرب مصادر واسعة الإطلاع عن خشيةٍ كبيرة مما ينتظر بيروت عند هذا المفترق الخطير الذي لم تفكّك السلطة بعد «شيفرة» التعامل معه، في ظل صعوبةِ اعتماد «الأقنعة» في التزام موجباته غير القابلة للتجزئة.
واعتبرت أن لبنان الرسمي، الذي كان باشر عبر لجنة وزارية درْس انعكاسات القانون المحتملة على بيروت وإذا كان ثمة «ممرات خلفية» يمكن اعتمادها مع واشنطن من بوابة «خصوصية الواقع اللبناني وجغرافيته» ووضعه الاقتصادي، اقترب من ساعة الحقيقة في حسْم خياراته بإزاء «قيصر» والحدود الممكنة للالتزام به.
ووفق المصادر نفسها، لن يمرّ وقت طويل قبل أن تتّضح مآل الرهانات اللبنانية على إمكان توفير «بطاقة استثناء» أميركية للبنان في التعاون الغذائي أو الكهربائي أو التجاري (ترانزيت) مع سوريا، لافتة إلى أن تطورات الأيام الأخيرة في الداخل والإشارات الآتية من واشنطن لا تشي بمناخٍ متفهّم أميركياً يمكن البناء عليه للتفلّت من «قيصر» وشبكة ألغامه.
ورأت أن التعيينات المالية في البنك المركزي، وصولاً إلى «رسالة الشارع»، وليس انتهاءً بالتوصيات (للجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في الكونغرس) التي كُشف عنها بتوسيع دائرة العقوبات لتشمل داعمي «حزب الله» وبينهم رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، كلها تشكّل معطياتٍ لعدم سهولة إيجاد «ملجأ» ديبلوماسي – سياسي – قانوني يتيح لبيروت التكيُّف الآمِن مع مقتضيات «قيصر».
وفيما لم يعد ممكناً الفصل بين «مسار قيصر» وتَعاطي بيروت معه، وبين مصير مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي (حول برنامج تمويل إنقاذي) الذي تملك واشنطن الكلمة الأقوى فيه، فإنّ ما عاشتْه البلاد في الأيام الماضية من انزلاق الشارع، إلى اضطراباتٍ تشابكتْ أجنداتها اعتُبر بمثابة «تمرينٍ» لما قد يُدفع إليه لبنان بحال محاولة جرّه إلى «عربة قيصر» التي تنطلق فيما الواقع المالي – الاقتصادي – النقدي يُنذِر بالمزيد من الكوابيس التي تسابق محاولاتٍ تُصَوَّر وكأنها «الخرطوشة الأخيرة» لمنْع «التدمير الكامل» لليرة أمام الدولار، في حين يُخشى أن يكون جرّ المركزي لضخّ عملة خضراء في السوق في إطار محاولة تغذية «أنابيب» الدعم لسوريا وليرته المتهاوية.
وفي موازاة المناخ الداخلي الضاغط الذي عبّر بلا قفازاتٍ عن المخاوف من أي استعمالٍ لما تَبقى من احتياطي «المركزي» في محاولة دعْمٍ لن تصمد لليرة في ظل تَعطُّش السوق واللبنانيين فاقدي الثقة بمجمل الوضع الداخلي، إلى الدولار الذي سـ «يُشفط» سريعاً رغم الضوابط المعلنة ليعطي ذلك دفعاً متجدداً للسوق السوداء، فإن موضوع تهريب العملة الخضراء والمواد الغذائية إلى سورية بدأ يشهد انعكاسات ميدانية ولا سيما في عاصمة الشمال طرابلس التي شهدت السبت فصلاً جديداً من اعتراض شاحنات متجّهة إلى سورية تمّ هذه المرة حرق بعضها.
وفي حين أوضحت منظمة الأغذية العالمية أن الشاحنات «كانت تحمل مساعدات غذائية إلى مخازن الأمم المتحدة في سورية»، موضحة «أن المحتجين أوقفوا شاحنتين من أصل 39 شاحنة انطلقت من مرفأ بيروت، تحمل أكياس سكر عليها شعار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة»، وهو ما أكدته أيضاً المديرية العامة للجمارك، دَخَلَ زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري على خط هذا الملف، مؤكداً «أن من حق أي مواطن يعاني الغلاء الفاحش وفقدان المواد الغذائية أن يرى في رتل الشاحنات المحملة بالمساعدات والمتجهة إلى سوريا حلقة في مسلسل التهريب اليومي في ظل الحدود السائبة وغياب الثقة بإجراءات الدولة».