نيفين أبولافي
«لا أستطيع التنفس» هي نفس الجملة التي تشارك بها فيروس كورونا المستجد عندما يتملك من مصابيه مع العبارة الأخيرة التي قالها جورج فلويد ولفظ أنفاسه الأخيرة بعدها بسبب العنصرية، وهي الحياة بمفارقاتها والصورة التي تصدرت عناوين الأخبار في الفضائيات العالمية على اختلاف اختصاصاتها ما بين تحدي كورونا من جهة وتحدي العنصرية التي فجرت غضب الآلاف حول العالم الغربي من جهة أخرى، بدءا من شرارة الانطلاق في إحدى الولايات الاميركية بعد مقتل جورج فلويد الأميركي من ذوات البشرة السمراء على يد أحد افراد الشرطة، والتي ألقت بظلالها على عناوين نشرات الأخبار، محدثة تغييرا في ترتيب الحدث الأهم عالميا، لتأتي جائحة كورونا ومتابعاتها في الدرجة الثانية.
مشاهد المسيرات المناهضة للعنف والعنصرية التي جابت شوارع المدن الأميركية، ولحقتها تيمنا بها الآلاف من مواطني الدول الأوروبية، كانت حاضرة وبقوة مصاحبة للتقارير والمتابعات في كل النشرات الإخبارية دون اتباع أدنى وسائل الحرص والوقاية من «كورونا» الذي لايزال يجوب الشوارع ويزور البيوت في كل عواصم ومدن العالم، وان تفاوتت نسب الإصابة بينها، ومن اللافت تداخل كل هذه الأحداث منذ بدايتها مع تقارير متعددة حول جائحة «كوفيد- 19» والتي بدأت بتحذيرات من منظمة الصحة العالمية من موجة ثانية قد تضرب العالم وارتفاع نسب الإصابة في الدول التي عملت على تخفيف إجراءاتها الاحترازية مع بدء موجة الاحتجاج العالمي على حادثة فلويد، لتأتي جموع الآلاف المتظاهرة ضاربة بالتباعد الجسدي عرض الحائط، فالوجوه خلت من الكمامات أو معدات الوقاية على عكس الصورة التي راجت لشعوب نفس الدول قبل هذه الحادثة بساعات والتي كانت تظهر بصورة مثالية في التعاطي مع تعليمات الوقاية وإجراءات الأمان الصحي.
أما على الجانب الرسمي، فقد كان المشهد الأكثر تناولا عبر الفضائيات هو خروج دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الاميركية وطاقم العمل في البيت الابيض لعدد من المتجمهرين غضبا أمام مقر الرئاسة دون ارتداء كمامات الوقاية من الفيروس، والتي نادى بها منذ ايام قبل مقتل فلويد، مما أثار العديد من التساؤلات وكانت مادة لعدد من التقارير الإعلامية.
ووسط كل هذه الأحداث تسللت أنباء متلاحقة عن علاجات ودراسات ولقاحات محتملة لفيروس كورونا بين سيل المواضيع التي تناولت الغضب الأجنبي ضد العنصرية، لتشكل حالة عاصفة ما بين أنباء الأمل للخروج من هذه الجائحة قريبا من جهة، والمساعي لخروج فئة من شعوب العالم من دائرة العنصرية والاضطهاد تبعا للعرق واللون من جهة أخرى، فكلاهما وجهان لعملة الحياة ما بين الأمان الصحي والأمان الاجتماعي.
وتناولت المحطات الفضائية الإخبارية الناطقة بالعربية الأنباء تباعا لقرب الحدث منها، فقد تناولت «بي بي سي عربية» المسيرات الشعبية التي جابت بعض الشوارع البريطانية لنبذ العنصرية، بينما قدمت على الجانب الآخر اجراءات العودة الى الحياة الطبيعية مع بارقة الأمل بقرب إنتاج علاج لمواجهة هذا الفيروس، بينما عرضت «فرانس 24 بالعربية» تقارير متعددة لكل المظاهرات التي جابت شوارع فرنسا لرفض العنف والعنصرية والتي تزامنت مع اعلان باريس سيطرتها على فيروس كوفيد- 19 مع بدء العودة للحياة الاعتيادية، بينما كانت المشاهد مشابهة في بعض المدن الايطالية مع بعض الحذر المجتمعي للسبب نفسه وسط استعدادات لمحاولة العودة الى الحياة الطبيعية في أكثر البلاد الغربية تأثرا بجائحة كورونا، ومنها الى عدة دول ما بين كندا واستراليا والكثير من المدن التي نددت بالتمييز الطائفي والعرقي وسط انات وتداعيات «كوفيد-19» والتي اشتركت جميعها في التأكيد على قيمة الحياة الكريمة الآمنة، وتمكين العالم منها، وتوفير كل سبل الحماية والوقاية من فيروسات الأمراض الجسدية والعقلية التي تطول النفوس وتسبب التمييز.