وفي بعض الأحيان، اتخذت هذه الإضرابات منحى خطيرا فتحولت لأعمال عنف وشغب وانتهت بسقوط عدد من القتلى ولعل أبرز مثال على ذلك قضية هايماركت (Haymarket) خلال شهر أيار 1886 بالولايات المتحدة الأميركية التي انتهت بمقتل وإصابة العشرات.
من جهة ثانية، تصنّف قضية عمال هولندا كواحدة من أغرب قضايا العمال على مر التاريخ. فخلال صيف عام 1886، تسببت مشكلة حول سمكة أنقليس في اندلاع مواجهات دموية بأمستردام انتهت بإقرار جملة من الحقوق الأساسية والهامة لصالح العمال.
فأثناء تلك الفترة، أقبل عدد كبير من سكان القرى والأرياف نحو أمستردام بحثا عن العمل وأملا في الحصول على فرصة حياة أفضل. إلى ذلك، افتقرت أمستردام حينها لوسائل الترفيه حيث كان احتفال لعبة سمكة الأنقليس أهم ما أقبل عليه الهولنديون للاستمتاع بوقتهم عقب ساعات العمل المرهقة قليلة الأجر.
وأثناء هذا الاحتفال الغريب، ربط الأهالي حبلا بين ضفتي إحدى القنوات المائية وعلّقوا عليه سمكة أنقليس حيّة. وفي المقابل تسابق المشاركون، الذين عبروا القناة المائية بالقوارب، للإمساك بهذه السمكة بأياديهم عند مرورهم من تحتها أملا في الحصول على المكافأة التي قدّرت قيمتها بنحو 60 خولده هولندية (عملة هولندية) أي ما يعادل أجرة أسابيع عمل حينها.
يوم الأحد 25 تموز 1886، تجمهر العمال قرب مجرى قناة ليندينغراخت (Lindengracht) للمشاركة كعادتهم بلعبة سمكة الأنقليس. وبالتزامن مع ذلك، احتضنت مدينة أمستردام حينها مؤتمرا للاشتراكيين أزعج رجال الأمن الذين تخوّفوا من ظهور احتجاجات بالمدينة.
وأمام هذا الوضع، صنّفت الشرطة التجمهر العمالي قرب قناة ليندينغراخت كتهديد محتمل لأمن المدينة فاتجهت لإنهاء الاحتفال وإجبار الجميع على العودة لمنازلهم.
في خضم هذه الأحداث، عمد شرطي لتسلق أحد المباني وقطع طرف الحبل الذي ثبّتت عليه سمكة الأنقليس لتندلع على إثر ذلك أعمال عنف حيث اعتدى الحاضرون على الشرطي بالضرب الذي نجا بأعجوبة من الموت فضلا عن ذلك اشتبك المتسابقون فيما بينهم وهو ما تطلب تدخل قوات الشرطة واستخدامها للعنف لإنهاء التجمع.
وخلال اليوم التالي، حدث ما لم يكن في الحسبان حيث خرج العمال من منازلهم غاضبين مما حصل بالأمس فحملوا رايات حمراء وسوداء وأنشدوا مقاطع من نشيد لا مارسييز (La Marseillaise) وشيّدوا حواجز تحصنوا خلفها قرب الجسور وعمدوا لرشق رجال الشرطة بالحجارة وهاجموا مركز الأمن.
وأمام عجزها عن السيطرة على الوضع، استنجدت شرطة أمستردام بإحدى فرق المشاة، المتمركزة بالمدينة، التي فتحت النيران صوب العمال المحتجين لتتسبب في مقتل 26 شخصا وإصابة نحو 40 آخرين بجروح خطيرة.
فضلا عن ذلك، شهدت الفترة التالية حملة اعتقالات أسفرت عن سجن حوالي ألفي شخص ممن اتهموا بإثارة الفوضى خاصة مع اتهام عمدة أمستردام، بشكل خاطئ، للاشتراكيين بالتسبب في الأزمة.
وخلال الفترة التالية، تساءل أعضاء الحكومة والبرلمان حول أسباب هذا اليوم الدامي ففتحوا تحقيقا حول الأمر وتفاجؤوا عند سماعهم بحادثة سمكة الأنقليس.
وأمام هذا الوضع، فضّل المسؤولون إجراء استبيان بين العمال الذين عبّروا في الغالب عن سخطهم من ظروف العمل السيئة ليحصلوا بذلك لاحقا على قانون عمل جديد حدّد ساعات العمل ومنع النساء من العمل ليلا.