انطلقت في 17 تشرين الاول من العام الماضي ثورة ، كما سماها البعض ، او حراك كما اسماها البعض الاخر ، او حركة احتجاجية او اعتراضية كما اسماها بعضهم ، الاسم غير مهم ، انما المهم ان هذه الحركة انطلقت من شرارة سببتها ضريبة اقرتها الحكومة السابقة على تطبيق الاتصال ( واتس أب ) ، وقامت الدنيا ولم تقعد وثارت الناس واقُفِل البلد واستقالت الحكومة : صراخ في الشوارع ، " كلن يعني كلن" ، و " جميعهم فاسدون ويجب ان يرحلوا " و... و... الخ من عبارات ، اقرب الى الفوضى منها الى الثورة ، فلا قائد لها حتى يتم التواصل او التفاهم معه ، ولا مجموعة تنسيق معروفة حتى يتم التباحث او التنسيق او التكلم معهم ، فقط صراخ وعويل ونحيب وتكسير وحرق واقفال للطرقات وتدمير للاملاك العامة والخاصة.

لكن يا احبائي ماذا تريدون ؟ نحن ثورة ...

لماذا تصرخون وتخبطون ؟ نحن ثوار ...

حسنا ، انتم ثورة وثوار ولكن الى اين سائرون ؟ وماذا انتم فاعلون ؟؟

نحن ثورة ثورة ثورة .

حسنا يا احبائي ، اردتموها ثورة فلتكن ، تعالوا نثبّتها ونضع لها اطارا ونحدد اهدافها بالتدرج وبالافضليات ، وننطلق من خلال نظامها نحو " تظبيط الوضع وتحسين الاحوال " .

تعالوا يا اعزائي الثوار ، اين انتم ؟ ها قد انطلق مع الحكومة الجديدة ، حكومة الرئيس حسان دياب ، قطار مطالب الثورة التي ناديتم بها ، لكن اين انتم ؟ لماذ لم نعد نسمع صوتكم الا في امكنة محددة وبتوجيهات وبتوقيتات مشبوهة ؟؟

تعالوا نوحد صرختنا داعمين الحكومة الحالية التي تعمل بوحي من مطالب ثورتكم وصراخات رجالها ...

الا تشاهدون ان من انتفض ضد حكومة الرئيس دياب هم جميع ارباب مافيات الفساد والسرقة وهدر المال العام ؟؟ الا يعني هذا ان عليكم دعم هذه الحكومة بوجه هؤلاء الذين سرقوا اموالكم وودائعكم ومالية دولتكم وموازنات خزينتكم ؟؟؟

يبدو يا اعزائي ان ثورتكم غير ثورتنا ... نعم وبكل صراحة ومحبة وموضوعية ، ثورتكم غير ثورتنا .

ثورتكم ثورة الفوضى واللاتوازن والصراخ للصراخ والتعدي على الاملاك الخاصة والعامة واقفال الطرقات ، ثورة تكسير المصارف التي يريد ذلك اصحابها حتى يبروا اقفالها ومنعكم من الحصول على فتات ودائعكم .

ثورتكم كما ظهر من مساركم ومسيرتكم ، تقوم في نواة مطالبها على إزاحة رئيس الجمهورية وفريقه ...

اما ثورتنا فمُلهِمُها رئيس للجمهورية ، ثارت عليه طغمة الفساد والهدر عندما اراد اقرار موازنة عامة شفافة خالية من دعم جمعيات نسائهم ومن تغطية تمويل مجالسهم ، وعندما اراد ان تستعيد الدولة املاكها العامة المنهوبة من امراء الميليشيات وزعماء الحرب .

ثورتنا يقودها رئيس حكومة غير مذهبي وغير طائفي ، علماني مثقف ، صاحب منهجية عمل وتنظيم .

ثورتكم تلاحق النواب ( قسم محدد منهم فقط ) الى المطاعم ، وتترك اصحاب الكارتيلات التي خنقتكم تسرح وتمرح .

لكم ثورتكم العوراء التي تجد رئيس حكومة عمرها بضعة اشهر فاسدا وهادرا للمال العام ، وتُخرّب الدنيا لعودة رئيس حكومة من سلالةٍ ، شرّعت هدر المال العام والفساد والتلاعب بمالية الدولة .

لكم ثورتكم التي لم تنتبه لشلة من وزراء الصحة والشؤون الاجتماعية تعيث فسادا وافسادا على حساب خنق وقتل المستشفيات الحكومية التي جعلوها اطلالا مهجورة من كل شيء الا من الموظفين المحسوبين على احزابهم .

اما ثورتنا فهي ثورة صحية طبية ادارية مالية ، يديرها وزير للصحة نفض الغبار عن قدرات طبية حكومية كانت محيدة ومطمورة لمصلحة مستشفيات مدنية يمتلك غالبية اسهمها امراء الحرب والفساد ، وزير فتح نار جهنم على مافيات تسعير الخدمات الطبية من مستشفيات خاصة ومن شركات تامين ، والتي كانت تسرق المال العام ، وعلى عينك يا وزير فاجر تاجر متواطىء مرتكب سارق .

ثورتكم خَرِسَت امام ملف الفيول المنهوب على ايدي زمرة ميليشياوية فاسدة مارقة ، فلم نسمع صوتا من ابطالكم الاشاوس حول هذه الملف ...

اما ثورتنا فيقودها رجال علم وقانون وادارة ، اداروا ملفات مكافحة الفساد بموضوعية ومهنية لا وجود فيها للكيدية السياسية ، ووضعوا النقاط على الحروف في لعبة هدر اموال الدولة في كل المرافق التي رعاها وادارها رجال الاحزاب وميليشيات الحرب .

ثورتكم انتهت يا احبائي ، عند ابواب محرمات المذهبية والطائفية والحزبية والمحسوبيات المشلشة في ادارات الدولة منذ عقود

.

ثورتكم انتهت يا اعزائي عندما خَرِست امام مشهد نائب امة تهجّم على قاضية ، بعد ان تجرأت على تعرية وفضح الفاسدين وبعد ان إدّعت عليهم بملفات هدر وسرقة المال العام ، تماما كما كنتم تطلبون وتدّعون .

ثورتكم انتهت يا احبائي عندما خرِست واغمضت عيناها امام تشكيلات قضائية مبتورة ، ادراها ورعاها امراء الحرب ورؤساء الاحزاب ، من خلال من زرعوه في مجلس القضاء الاعلى من قضاة محسوبين عليهم ، كانوا يقاتلون العدالة عبرهم ، ويحصنون ملفات فسادهم المقيت من خلالهم .