2024- 05 - 05   |   بحث في الموقع  
logo بوتين يشارك بقداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو logo التعديلات على الورقة الفرنسية انتهت.. واتصالات سياسية تسبق “جلسة النزوح” في البرلمان logo سجالات حادّة بشأن ملف النازحين السوريين.. ميقاتي يطلب جلسة نيابية “لوضع حد للاستغلال” logo فصائلٌ عراقية تعلن استهداف ميناء حيفا! logo رشقٌ بالماء والبيض... سياسي فرنسي في موقف "محرج" (فيديو) logo "اختراق 6 آلاف اجتماع أمني"... فضيحةٌ تهزّ الجيش الالماني! logo "بين وشيكة ومعرقلة"... تفاصيلٌ حول صفقة غزة! logo اسرائيل تعلن اغتيال مسؤول "بارز" في حركة الجهاد!
كتاب مفتوح لصاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر وأصحاب السيادة أعضاء المجمع الأنطاكيّ (جورج عبيد)
2020-04-15 15:12:43



يوجعني، يا سيّدي البطريرك الحبيب، ويا سادتنا أحبار الكنيسة الأجلاّء، أن ينتصف الأسبوع العظيم المقدّس، وهو أسبوع المحبّة في أقصى معانيها ومراميها وتجلياتها، و"الأبواب مغلقة". أحسّ بيني وبين نفسي بأنّ التاريخ يتكرّر بنا وفينا، ذلك أنّ تلاميذ الربّ كانوا يجتمعون في العليّة (أي الكنيسة) والأبواب مغلقة، خوفًا من اليهود واضطهاداتهم في المرحلة الممدودة ما بين محاكمة يسوع وصلبه وموته ومن ثمّ قيامته. الإله الجبّار، الذي ظنّه فريدريك نيتشه، فاقد القوّة بسخريّة فائقة، أرعب اليهود، أخافهم، فالقيامة المنتظرة هي الانقلاب الفعليّ الذي سيطيح بالمعطيات كافّة ليتأسّس عليه التاريخ الجديد بخليقة جديدة تولد من جنب يسوع المطعون بحربة.



من سخرية القدر، أن نعيد للأذهان مشهد المسيح الفاقد القوّة، بإغلاقنا أبواب الكنائس، فيما نحن نعلم، بأنّ يسوع الحبيب بالذات جعل قوّته مكنونة في كلّ الأزمنة بواسطة كلمته الحيّة فينا إلى الآن، وبواسطة سرّ الشكر الذي يقام في الكنائس مع الأسقف والكاهن، وجعل قوّته ممدودة عموديًّا وأفقيًّا بالقديسين والأبرار، وهو أوعية النعمة والألوهة، وبخدمة جعلت لشفاء المرضى وهي خدمة الزيت المقدّس والتي تقام يوم الأربعاء العظيم. كيف نقبل أن ينساب التاريخ القديم إلى عالمنا الحديث، فتقام الخدم الإلهيّة والصلوات داخل أسوار مدشّمة وابواب مغلقة خوفًا من "إله الموت" (كوفيد-19)، كأنّنا في واقعنا خائفون من "يهود يضطهدوننا" في قلب الموسم الطيب؟



يضنيني بل يعزّ عليّ، أنا الذي عشت حياتي منذ طفولتي في بيت الربّ، مرتّلاً له، متحدّثًا عنه، وعاشقًا له، ومنضويًا مع مجموعة من الشباب في خدمته، أن أراكم تطلبون الناس عدم الانوجاد في الكنيسة، فيأتي الطلب، ومن القرار المجمعيّ ظالمًا بطبيعته لأحباء يسوع، فيما أنا عارف بأنكم حريصون على صحة الناس وسلامتهم. ثمّة رعايا لم تلتزم ما بين لبنان وسوريا، وفي البحث عن الأسباب تبيّن بأنّ المشكلة ليست محصورة بالكهنة، بل بالناس في بعض القرى، حيث أصرّوا على فتح الكنائس في موسم يرونه قمّة في المحبّة. الناس يا صاحب الغبطة الحبيب، حجرت أنفسها في المنازل، ومعظمها يعيش في وضع ماليّ واقتصاديّ مزر ومأزوم، وواقعها الاجتماعيّ دانٍ نحو الانفجار، فبماذا نعزّيهم؟ ليست الصورة كما تعتقدون ورديّة، وتحاول بعض الوسائل الإعلاميّة إمّا التخفيف برسم تلك الصورة، أو الترهيب بطرائق مخيفة للغاية تجعل الناس أسرى الخوف، وفريسة للعطب. بماذا نعزّيهم يا اجلاّء؟ وسائل التواصل الاجتماعيّ التي تنقل الصلاة إلى البيوت من الكنائس والرعايا شكّلت متنفّسًا، ولكنّها لم تساهم بمداواة الجراح. البون شاسع بين التنفّس والمداواة.



السؤال الموجع كيف يعقل أن تغلق أبواب كلّ الكنائس في العالم في هذه اللحظة بالذات عندنا وعند الإخوة الكاثوليك؟ هل إغلاق الأبواب صدفة، أو هو تدبير متفق عليه، أو أن ثمّة قرارات تهبط من علُ لتملي بإغلاق الأبواب؟ لقد قال الرب يسوع "الآن حضرت دينونة هذا العالم"، الدينونة تحدث الآن بحال أننا لم ننتبه وبقوّة إلى معنى الإغلاق وبحال طالت الأمور أكثر من وقتها. فتح بعض الكنائس في بعض الرعايا على الرغم من القرار يدلّ على عمق الأزمة المستفحلة في علاقة الكهنة والمؤمنين بقرار يرونه خارجًا عن النظاق الإيمانيّ الحقّ. وقد رأى كثيرون بأنّ الأسبوع العظيم والفصح عند إخوتنا الذين اتبعوا التقويم الغربيّن لم يكن حزينًا بل كان مخيفًا، وكأنّ المسيح لا يزال معلّقًا على الخشبة، ولم يقم من بين الأموات.



مشهد كهذا ليس عابرًا، ولا يرى مسطّحًا، بل هو وجودي بامتياز، لأن طبيعة إيماننا مستندة إلى الصلب والموت والقيامة. والناس المؤمنون معنيون بجوهر تلك الطبيعة، ومتشوقون للاندراج فيها فهل نحرمهم.؟ إنها العقيدة الجوهريّة التي لا يزال الإسرائيليون تشويهها ومحوها من التاريخ، لأن التاريخ الجديد انوجد بها، وموت التاريخ عند فرانسيس فوكوياما ينهيها فهل نسلّم بنهاية التاريخ، اي نهاية عقيدتنا؟ لقد كتب منذ فترة رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطالله حنّا مقالاً قدّم اقتراحًا لمعظم الأبرشيات والكنائس في المشرق، مفاده، وببساطة، تعقيم الكنائس، ووضع المعقّمات على أبوابها، وأخذ الإجراءات بطرائق علميّة ولوجستيّة وعمليّة، بحيث تفحص حرارة الداخلين إلى الكنائس، ويطلب منهم وضع الكمامات على أفواههم ومنع كبار السنّ من التواجد، فلم يدرس أحد تلك الأفكار أو يأخذها بعين الاعتبار. لقد استندت عليها وناشدتكم بعدم حرمان الناس من المشاركة في بهاء هذا الأسبوع وصولاً إلى الفصح، فأجلتم الفصح ليوم الوداع، والجمال كلّه في العيد نفسه وليس في وداعه، علمًا بأنّ كلّ أحد هو فصح، ولكنّنا جميعنا ننتظر الخميس العظيم المقدّس والجمعة العظيمة وسبت النور والأحد لنتلاقى بالمسيح الفادي والمتألّم والمصلوب والميت والقائم والظافر بقيامته على الموت، لنكمل معه وبرعايته لنا حياتنا. فإذ بالناس تنكفئ إلى المنازل مختبئة ومحرومة من صلوات الصوم الكبير والمديح والآن الختن وبقيّة الخدم العظيمة التي تقودنا إلى فجر أوّل أيام الأسبوع وهو الفصح الأعظم.



نعم، أنا مصدوم، لأنّ الناس غائبة عن الكنائس، وهي جائعة إلى يسوع تتناوله في القرابين كما في الكلمة. أنا مصدوم لأنّنا أظهرنا تلاشينا أمام "إله الموت" ولم نتمسّك بإله القيامة والحياة لنقهره به، أنا مصدوم لأنّنا جعلناه سيدًا على حياتنا وكنائسنان فيما يسوع هو سيد على حياتنا وليس من سيّد آخر سواه، أنا مصدوم لأننا نسينا أنّ تاريخ الكنيسة بني على الشهادة لأجل المسيح، "لأجلك نمات اليوم كلّه"، فيما اليوم يهزم إله الموت شهادتنا من التاريخ إلى الآن وكأنه يتمّم فعل الاضطهاد الممارَس علينا إلى الآن، أي إلى الحروب الأخيرة في العراق وسوريا، لا يعني أنني داعية لكي نذهب إلى الموت بأنفسنا، وليس من إنسان ذائق للموت، وهو ليس من طبيعة ربّنا، ولكنني أدعو إلى قهره بإيماننا بالفادي والمخلّص، ضمن آليّات طبيّة ولوجستيّة واقية وحامية يمكن اتباعها.



وبناء على ما تقدّم، إسمحوا لي، يا صاحب الغبطة وأصحاب السيادة، بمناشدتكم لكي تدرسوا من جديد إمكانيّة مشاركة المؤمنين فيما تبقى من صلوات بالتنسيق الكامل مع المرجعيات السياسيّة والأمنيّة إن أمكن، ضمن أطر يتمّ تحديدها بصورة مرنة حتى لا يحرم أحد منهم بهاء الخدم وبهاء عيش المراحل العظيمة مع يسوع الحبيب. لا تتركوا إله الموت يتغلّب علينا، فنحن الغالبون وهو المنكسر، وحين نسجد للفادي مصلوبًا يوم الجمعة العظيم في ذروة الحبّ المكتوب والمهراق دمًا، نعلم أننا في اللحظة عينها نقهر هذا البغيض الحالّ في حياتنا بل المصنّع والمزروع ضمن منظومة الحرب الجرثوميّة الشريرة، لنظفر عليه بنور المسيح الساطع لحظة نهتف بأصوات لا تفتر وترنيم لا يتغيّر بل بصوت واحد وحار: المسيح قام حقًّا قام.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top