لبنان الذي سيحضر عبر وزير خارجيته ناصيف حتي الاجتماع العربي سيحاول السير بين النقاط، منعاً للتصادم مع موقف خليجي يسعى لتسويق الصفقة بالسير بين النقاط أيضاً، ولذلك سيكتفي حتي بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام وإعلان رفض التوطين. وهو ما أشارت مصادر متابعة للبيان الوزاريّ إلى أن فقرات منه حول القضية الفلسطينية والتوطين ستشكل البنية الرئيسية لكلمة لبنان. ورأت مصادر سياسية أنه ربما يكون من أهم نتائج الأزمة المالية التي ولدت في مناخ العقوبات الأميركية وما كشفته من هشاشة النظام المصرفي وضعف البنية الاقتصادية، هو تعقيم الموقف اللبناني من أي خيارات مواجهة للمشروع الأميركي، وجعل النبرة بوجه التوطين خافتة وأقرب لرفع العتب وتسجيل الموقف، خشية الغضب الخليجي والأميركي وما تخشاه الحكومة من ترجمة هذا الغضب مالياً، وتحميلها مسؤولية هذا العقاب المالي أمام اللبنانيين.
حكومياً، مع مواصلة الاجتماعات الخاصة بصياغة البيان الوزاريّ، قالت مصادر على صلة بالنشاط الحكومي، إن أمر اعتماد صندوق النقد الدولي كعنوان لمواجهة الوضع المالي قد حسم سلباً، مع الاكتفاء بطلب المساعدة التقنية للصندوق لجهة تقديم الاستشارات، والتصديق على بعض الحلول التي تعتمدها الحكومة وتلقى قبول الصندوق للمساعدة في تسويقها. وقالت المصادر إن الأجواء الإيجابية التي أشاعتها الاجتماعات المالية والمصرفية التي يقودها رئيس الحكومة حسان دياب وما تسرّب من نتائجها للجهات المالية الدولية خلقت انطباعاً عن الجدية في مواجهة الأوضاع المالية، انعكست تحسناً ملموساً في أسعار فائدة السندات اللبنانية في الخارج قارب الخمسة سنتات بعد انخفاض بحوالي ثلاثة سنتات مطلع الأسبوع. وأكدت المصادر أن الخطة المالية الجديدة تعتمد على محاور تطال تنظيم السحوبات وضمان الودائع وتتعامل بأسلوب جديد مع أسعار الصرف، وأسعار الفوائد، والضرائب على أرباح المصارف وسندات الخزينة، وتقدّم أجوبة على الاستحقاقات المالية القريبة، التي باتت شبه محسومة تغطيتها بعمليات «سواب» توافقيّة مع الدائنين أنجزت عملياً. وهذه العملية يفترض أن تريح الاحتياط المالي لمصرف لبنان، وترجئ استحقاقات السندات.
على صعيد آخر، واصلت اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري اجتماعاتها في السرايا الحكومي لإعداد البيان، ونقلت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء جلسة الأمس، عن رئيس الحكومة حسان دياب، قوله إن «اللجنة قطعت شوطاً كبيراً في طريق إنجاز البيان، مشدّداً على المتابعة بالنشاط نفسه، للانتهاء من صياغة البيان قبل نهاية هذا الأسبوع، قبل عرضه على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل لإقراره، تمهيداً لطلب نيل الثقة من مجلس النواب، ومنوّها بالجهود المبذولة من قبل أعضاء اللجنة». وأشارت عبد الصمد إلى أن اليوم سيشهد ورشتي عمل، واحدة اقتصادية، والثانية قضائية رقابية. ولفتت الى أن «اللجنة تلقت بارتياح الأنباء عن القفزة القياسية لأسعار السندات المستحقة للبنان والتي بلغت 4 سنتات فاصل واحد. وستستمر في مناقشة بنود البيان الوزاري، والإصلاحات الواردة فيه، على أن تستكمل اجتماعاتها مساء اليوم».
وأشارت مصادر «البناء» الى أن «البيان الوزاري سيعرض على مجلس الوزراء في بعبدا الأسبوع المقبل في جلسة تخصّص لإقراره على أن يبادر رئيس المجلس النيابي لتعيين جلسة للمجلس النيابي لمناقشة البيان والتصويت على الثقة»، مشيرة الى أن «النقاش في اللجنة يتركّز على المواضيع الاقتصادية أما الشقّ السياسيّ فلن تكون هناك مشكلة حوله، ولن تؤثر المستجدات الخارجية المتعلقة بإعلان صفقة القرن على الصيغة المتفق عليها في بند المقاومة».
وفي مجال آخر، أوضحت مصادر اقتصادية لـ»البناء» أن «كلام رئيس الجمهورية ميشال عون حول الإجراءات الاقتصادية الموجعة لا تعني استهداف الطبقات الفقيرة والمتوسطة بخفض نسبة من الرواتب والأجور أو فرض ضرائب جديدة، بل إجراءات لتعزيز الجباية وخفض الإنفاق الإضافي الذي يدخل في إطار التنفيعات والمحاصصة والفساد»، لكنها أوضحت أن «الحكومة لم تحدّد بعد طبيعة هذه الإجراءات والأمر يحتاج الى دراسة معمّقة ودقيقة لكي لا تزيد الأوضاع سوءاً وانكماشاً في الاقتصاد واستفزاز الشارع مجدداًً، داعية الى البدء بسد مزاريب الهدر والفساد وفرض ضرائب على الشركات الكبرى والمصارف وضبط الفلتان في سعر صرف الدولار والإجراءات المصرفية التعسفيّة قبل الاقتراب من جيوب ذوي الدخل المحدود»، وأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «سعر صرف الليرة الرسمي سيبقى كما هو لمصلحة لبنان واللبنانيين». وأعلن سلامة في حديثٍ لـ»France24» أن «الفارق في سعر الصرف بين المصارف والصرافين موقت وما من «Haircut» لا الآن ولا بالمستقبل». وشدّد سلامة على أن «المودعين لن يخسروا ودائعهم وسعر الصرف سيبقى بحدود 1500 ليرة». مضيفاً أن النظام المالي في البلاد يمكن أن يُعيد تشغيله «إذا تحسّن الوضع السياسي الإقليميّ»، وإذا تلقى البلد الدعم «من المجتمع الدولي والعربي».