كان يوم أمس يوماً مشهوداً وجامعاً في الضنية، بعدما تجمّع مئات الشبان من مختلف البلدات والقرى في ساحة بلدة بقاعصفرين وشارعها الرئيسي، ومن عائلات وتيارات وأحزاب سياسية على اختلاف توجهاتها ومشاربها، ثم إنطلقوا من هناك بسياراتهم ذات الدفع الرباعي، التي زاد عددها على مئة، متوجهين نحو القرنة السوداء رافعين أعلاماً لبنانية كتب عليها: “القرنة السوداء ضناوية”.
منذ أيام، وعلى وقع السجال القائم بين الضنّية وبشري حول القرنة السوداء، ولمن تعود عقارياً وإدارياً، بدأ ناشطون بالدعوة إلى تنظيم “رحلة” حضارية بسيارات الدفع الرباعي إلى القرنة السوداء، للتأكيد أنها تعود للضنية، وأنه لا يمكن التخلي عنها، كونها توجد في وجدان وشعور كل مواطن بالمنطقة، بعدما باتت القمة الأعلى في بلاد الشام (3088 متراً فوق سطح البحر) رمزاً من رموز الضنية، ومحل افتخار وإعتزاز.
منذ ساعات الصباح بدأت السيارات والشبان بالتجمّع في عروس مصايف الضنية، قبل أن ينطلقوا باتجاه منطقة جرد النجاص، سالكين طريق الرئيس الراحل عمر كرامي التي دُشنت في العام الماضي، قبل أن يواصلوا صعودهم بسياراتهم فوق الطريق الترابية باتجاه القرنة السوداء، على وقع الهتافات والأناشيد والأغاني التي كانت تصدح من السيارات، رافعين الأعلام اللبنانية دون غيرها، فيما كان الجيش اللبناني يتخذ إجراءات إحترازية في القرنة السوداء ومحيطها، وعلى الطرقات المؤدية إليها، منعاً لوقوع أي إخلال بالأمن أو حصول إحتكاك ما.
نقطة التجمّع كانت عند النقطة التي تشير إلى موقع القرنة السوداء، حيث أخذت الصور التذكارية في المكان، وكذلك بجانب نصب الجيش اللبناني، قبل يؤدي الشبان صلاة الظهر في الموقع، في خطوة حملت أكثر من دلالة وتفسير على تمسّك أهالي الضنية بالقرنة السوادء، وعدم تخليهم عنها تحت أي ظرف.
ردود الفعل على خطوة أمس على مواقع التواصل الإجتماعي وفي الشارع الضنّاوي كانت مرحبة للغاية، وأثبت أن الشارع في الضنية يسبق السياسيين بخطوات بعيدة، وأن بعض من كان يمارس سياسة التردّد حيال هذه القضية لم يعد بإمكانه ذلك، وكان الطرف الأكثر تأزماً وحرجاً في هذا السياق هو تيار المستقبل، الذي سيضطر بعد اليوم إلى مسايرة الشارع وعدم الوقوف في وجهه أو على الحياد، مثلما حصل إبّان أزمة مكبّي النفايات في الفّوار وتربل، وإلا فإن الشارع سيتركه خلفه ويمضي.
حرج وتردّد تيار المستقبل يعود إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان استقبل في السرايا الحكومي الكبير نواب قضاء المنية ـ الضنية، جهاد الصمد وسامي فتفت وعثمان علم الدين، يوم الإثنين الماضي للتداول معهم في القضية، وعدهم بعد استيضاح ما لديهم بهذا الخصوص، بإعادة العمل بإنشاء بركة سمارة قرب القرنة السوداء بعدما توقف العمل بها إثر اعتراض أهالي بشري عليها، وبأن يطلب من الجيش اللبناني ترسيم الحدود بين القضاءين ووضع حدّ للنزاع.
لكن المفاجأة أن الحريري أخلّ بوعوده، وهو ما أشار إليه النائب فيصل كرامي خلال لقاء موسع مع فاعليات الضنية في قصره ببقاعصفرين، حيث أشار إلى أنه “فوجئنا بتلبية رئيس الحكومة سعد الحريري لطلب السيدة ستريدا جعجع، بوقف الأعمال نهائياً في بحيرة سمارة ونقلها إلى مكان آخر، عبر رسالة أوصلها للنائب عثمان علم الدين، مناقضاً لوعده الذي وعد به في الإجتماع مع النائب جهاد الصمد ونواب المستقبل، وذلك على حساب الحق وعلى حساب أهالي الضنية”.