كتبت جولي مراد في صحيفة “نداء الوطن”:
لا يكفي أن ينشر الفنان مارسيل خليفة بياناً مطوّلاً ينتقد فيه وطناً منقوصاً لتبرير “السقطة” التي وقع فيها في أمسية افتتاح مهرجانات بعلبك حين رفض عزف النشيد الوطني اللبناني واستبدل به مقطوعةً موسيقيّة هي، وفق رأيه، “أجمل” من النشيد. ومهما قال الفنان محاولاً إظهار نفسه بمظهر “المناضل المقاوم” و”الثائر” على التقاليد و”كلاسيكيات” التعاطي، فإنّ ما ارتكبه أفقده احترام فئةٍ من الناس ما زالت مؤمنةً بمفهوم “الوطن” والمؤسسات وتدافع عنه مهما اشتدّت العواصف وكثُرَت التبعيات.
والبيان الصادر عن الفنان “منقوصٌ” بقدر النقصان الذي يتّهم به الوطن “المشوّه والمبتور”، فهو مبالغةٌ عاطفية وكلامية في قالبٍ فضفاض: “شوارع الوطن تفيض بالزبالة. الكهرباء مقطوعة 24 على 24. البيئة ملوّثة: الأكل والشرب والأمراض. الناس تموتُ على ابواب المستشفيات… جبال الوطن تحوّلت الى حصى ورمل… نشيدي في افتتاحية بعلبك كان لوطن عاصي ومنصور الرحباني وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبة وصباح ووديع ونصري شمس الدين”.
لن ينفع خليفة التلطّي وراء هاماتٍ كبيرة يستنجد بها لإنقاذه من “الورطة” التي أوقع نفسه فيها. لا نخال أساساً أن أيًّا ممّن ذكرهم أعلاه كان ليرتضي إهانةً من النوع المذكور لنشيد بلاده، مهما تعدّدت الأعذار “الواهية”. فمن منّا لا يعرف عشق صباح لوطنها ونشيده وعدم سماحها بأيّ انتقادٍ جارح ضدّه مهما كثُرت “آفاته”، فهي أسوةً بفيروز مِن أنصار “كيفما كنت بحبك بجنونك بحبك”.
واذ نعلم يقيناً أنّ خليفة ليس من النوع المؤمن بدولة “لبنان أولاً” بدليل انتمائه الى حركةٍ سياسيّة حملت السلاح ضدّ بني وطنه لمسوغاتٍ واعتباراتٍ إقليمية وحزبية وطائفية، كان من الأجدى بالفنان لو افتتح الامسية بالمقطوعة التي أراد بشكلٍ عفويّ ومن دون تعمّد ذكره تفضيله إيّاها على نشيد بلاده مذكّراً الحضور باصطفافه السياسي في أمسيةٍ “ثقافية” بامتياز. أما أن يُحمّل النشيد موبقات البلد كلّها وانقساماته فدليلٌ أولاً على أنّه لا يعتبر لبنان ككيان “وطناً” يستحقّ الاحترام، وأنّه أسقط عنوةً عن نشيده “رمزيته” الوطنية التي حُفرت في وجدان شعبه.
ثم ما نفع كلّ هذا التعقيد في موضوع لا يحتمل هذا الكمّ من “التفلسف”: “نريد وطناً لا يمنعنا ببطشه أن نكون أحراراً بل بالعكس يساعدنا أن نمارس حريّاتنا كاملةً من دون خوف… “ملء عين الزمن”، كيف سننهض من قهرنا في زمن القسوة. نبكي أعماراً قتلوها (…) كانت تحتلنا الجيوش صارت تحتلنا الأشباح في وطن الطوائف”.
وهذا “التنظير” بالوطنية، و”التجييش” العاطفي ما المقصود به فعلاً؟ هل تتخلّى الشعوب كلّها عن نشيدها لأنّ بعض حكامها فاسدون، واستطراداً هل كان مارسيل ليجرؤ أساساً على رفض أي نشيدٍ آخر؟ هل كان ليرفض عزف النشيد التونسي حين كان يغني ليتقلّد وساماً من زين العابدين بن علي؟ هل كان أيّ من شعوب العالم العربيّ ليسمح له بالاستخفاف بنشيد بلده؟ وهل المطلوب تكريس “الفوضى المطلقة” ضدّ كلّ أمرٍ بحجّة “الثورة الفكرية” المفتعلة؟ هل نُلغي “العلم” إذاً؟ الجيش؟ المؤسسات؟ كلّ ما يرمز الى الدولة؟