اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال المؤتمر العام لحزب القوات اللبنانية تحت عنوان "قوات نحو المستقبل": "هذه هي المرّة الأولى التي نلتقي فيها رسميّا في المؤتمر العامّ الأوّل للحزب، لكنها ليست المرّة الأولى التي نلتقي فيها فلقد التقينا تقريباً كلّ يوم على مدى خمسين عاماً مرّت من تاريخ نضالنا الحديث".
وقال: في الحرب التقينا دوما، وفي السّلم أيضا، أكثر ما تلاقينا كان في سجون سلطة الوصاية، وفي المنافي، وفي حملات الاضطهاد والقمع والمنع التي لاحقتنا لأكثر من عقد من الزمن.
وتابع: "في نهارات الشمس الحارقة التقينا، وفي الليالي الباردة الظالمة المظلمة والمعتمة التقينا، التقينا في وداع رفاق سقطوا معنا على الدرب، ونلتقيهم معا في ذكراهم الحيّة كلّ عام لنصلّي لهم ونجدّد الوفاء لشهادتهم، والتقينا ونلتقي كلّ يوم في العناية برفاق آخرين أصيبوا معنا، في البراري التقينا، فوق القمم وفي الجرود التقينا، على ثلوج صنين التقينا، في المتاريس والشوارع والأزقّة التقينا، إلى جانب أهلنا الصامدين التقينا، وحيثما دعت الحاجة كنّا".
أضاف: "رفيقاتي رفاقي، صحيح أنّ هذا هو المؤتمر العام الأوّل للحزب، لكن سبقه مؤتمر عامّ دائم ومفتوح في خدمة القضية وحيثما دعت الحاجة ونادى الحقّ والتاريخ، ودائما وأبدا حيث لم ولا ولن يجرؤ الآخرون، واليوم، وبعد مسيرة طويلة امتزجت فيها الدماء بالإيمان، والثبات بالقرار، والرجاء بالمواجهة، نقف معا لنفتتح المؤتمر العامّ الأوّل لحزب القوّات اللّبنانيّة، مؤتمرا يأتي في السياق الطبيعيّ لعمل تنظيميّ تطلّب الكثير من الجهد؛ المؤتمر العامّ الأوّل لحزب عاش الاستشهاد وعانى الاضطهاد والاعتقال والتعذيب والنفي والتشويه والتخوين والفبركات، بعزم وإصرار، فبادل النكران بالتضحية، والتيئيس بالإصرار، والتضليل بالحقيقة، حتّى تبدّد الظلام وبانت خيوط الصباح الأولى".
وقال: لقد حملت القوّات اللّبنانيّة إرث المقاومة اللّبنانيّة ونضالات أجيال على مرّ تاريخ لبنان، وكان لها شرف المحافظة على تلك التضحيات العظيمة التي بذلت وما زالت لخلاص الإنسان في أرضنا، ولتثبيت الوجود الحرّ دون قيد أو عائق، أيّها الرفاق، لقد كان هدف أعداء لبنان، على اختلاف أنواعهم من نظام الأسد وصولا إلى نظام الملالي في إيران وما بينهما، إخضاع البلد وإحكام سيطرتهم عليه لاستخدامه لغاياتهم الاستراتيجية. لكن ثبات القوّات اللّبنانيّة، طبعا مع بقيّة السياديّين الأحرار، وإيمانها بوجوب قيام دولة حقيقيّة محرّرة من أيّ قيد، دولة فعليّة لا صوريّة، فيها مؤسّسات مستقلّة غير مرتهنة، وأجهزة متماسكة لا ممسوكة، وقضاء عادل لا بائس، وسلاح شرعيّ واحد لا شريعة غاب تحكمها المشاريع الخارجيّة من كلّ حدب وصوب؛ ثبات القوّات هذا كان ثباتا أكيدا، وأدّى المطلوب منه.
ولفت الى أن "هدف أعداء لبنان واضحا فاضحا، لكن في المقابل كان إصرار القوّات أوضح وأكثر جرأة وأكثر صلابة؛ فوسط كلّ التخاذل والارتهان والذّمّيّة، وقفت القوّات بصلابة، رافضة إلحاق القرار اللّبنانيّ بالإرادة السوريّة في البداية، وبالإرادة الإيرانيّة فيما بعد".
مشددَاً على أن "القوّات اختارت المواجهة، فرفضت الالتحاق بركب المرتهنين، ركلت عروض السلطة وما توقّفت تصوّب على كلّ تخطّ للدولة، وانتهاك للدستور، وكلّ إجهاض لانتظام العمل المؤسّساتيّ. من هنا أدركت قوى الأمر الواقع ومنظوماتها الحاكمة أنّ إحكام قبضتها على كلّ شيء غير ممكن، إلّا بإنهاء القوّات اللّبنانيّة".
واستطرد: "بين الأعوام 1975 – 1990 جرّبوا بالحرب العسكريّة المباشرة، فلم يتمكّنوا. بعدها لم يتركوا وسيلة إلّا ولجأوا لها ما بين عامي 1990 و1994، رسائل تحذير وتهويل، تضييق وملاحقة، رسائل بالدم طالت رفاقنا الشهداء سامي أبو جودة، نديم عبد النور، سليمان عقيقي وإيلي ضو، حتى وصل الأمر بهم إلى تفجير كنيسة سيّدة النجاة في 27 شباط 1994، وكان هدفهم واحدا: إلباس التهمة للقوّات اللبنانية من أجل تشويه صورتها أمام المجتمع اللّبنانيّ، وتحديدا المسيحيّ من جهة، ومن أجل فتح باب جهنّم عليها من جهة ثانية، الموقف القواتي الأكثر إزعاجا في تلك المرحلة كان الاعتراض الحازم على إبقاء السلاح بيد ميليشيا حزب الله، في حين أنّ كلّ الميليشيات الأخرى، وكما فعلت القوّات اللّبنانيّة التي حملت السلاح عندما غابت الدولة وكانت أوّل من تخلّى عنه مع نهاية الحرب، كلّ الميليشيات الأخرى قد التزمت بما اتّفق عليه في وثيقة الوفاق الوطنيّ، وسلّمت سلاحها إيمانا بقيام الدولة".
وقال: رفضت القوّات التراجع عن موقفها ومسارها باتجاه دولة فعليّة، فأتى القرار الانتقاميّ في 23 آذار 1994، بحلّ الحزب، وبدأت معه مرحلة متجدّدة من التضييق والتخوين والملاحقات والاعتقالات وتشويه كلّ الحقائق، تكتّلت كلّ الأيادي السود ضدّ كلّ رفيقة ورفيق، وكان الهدف إلغاء القوّات اللّبنانيّة، وتصفيتها تصفية شاملة، شعبيّة وسياسيّة ووجوديّة؛ فنفّذوا في 21 نيسان 1994 قرار اعتقال رئيس الحزب ومجموعة كبيرة من الرفاق الذين استشهد من بينهم الرفيق فوزي الراسي تحت وطأة التعذيب، وظنّوا أنّ نهاية القوّات قد بدأت، لكنّ التصميم على المواجهة ورفض الاحتلال الأسديّ وخطف مشروع بناء الدولة لم يختلف أبدا عن العزيمة زمن المقاومة العسكريّة؛ رفاق كثر قرّروا الاستمرار وتحدّي الأمر الواقع، فتكوكبوا في يسوع الملك حول رفيقتنا ستريدا جعجع التي حملت المشعل بجرأة وصلابة، وشكّلت مع بقية الرفاق شعلة القوّات اللّبنانيّة التي لا تنطفئ على الرغم من العواصف العاتية، كما كانوا منارة فعليّة لجميع الرفاق المقاومين في لبنان والمهجر طيلة تلك الحقبة.
أضاف: "حاولوا المستحيل لإنهاء القوّات...لكنّ الرفاق كانوا دائما أكثر قوّة من الضغوطات والاضطهاد والسجون وحتى الموت، وقد تكلّل صمودهم وحضورهم، حتّى في عزّ أيّام الوصاية السوريّة، بانتصار استثنائيّ مع إجراء أوّل انتخابات بلديّة واختياريّة عام 1998 بعد الحرب، كما أثبتوا حضورهم في الساحات والصروح الجامعيّة وفي كلّ مواجهة سلميّة ومظاهرة، ولم يستكينوا، على الرغم من الاعتقالات والاغتيالات، من رمزي عيراني إلى رفاق لنا آخرين، وبعد مواجهة طويلة، تكلّلت بوحدة التضحيات والموقف عام 2005، خرج الاحتلال السوريّ، وانبثقت أولى معالم استعادة السيادة اللّبنانيّة، خرج المحتلّ وبقيت القوّات".
وتابع: "مرحلة جديدة بدأت بعد الخروج من المعتقل، لا تقلّ صعوبة عن كلّ المراحل السابقة، مرحلة إعادة البناء على أنقاض ما تبقّى، قانونيا وتنظيميا وشعبيّا وعقاريا، الخطوة الأولى كانت باستعادة "العلم والخبر" للحزب ومواجهة مئة عقدة وعقدة. وبعدها كانت خطوة أكثر صعوبة، باستعادة مباني القوّات التي تمّ احتلال البعض منها، والبعض تمّت مصادرته وبعضها تم تسجيله بطرق غير قانونيّة، وهذا الملفّ لم يقفل حتّى هذه اللحظة بشكل كامل، ومن أكثر الملفات صعوبة التي انكببت مع رفاق عديدين على حلّها كانت العقبات القضائيّة المفتعلة التي واجهت العديد من رفاقنا المتواجدين خارج لبنان، والذين عانوا من تركيب وفبركة العديد من الملفات في زمن الاحتلال السوريّ... وكانت أبواب التعقيدات القانونيّة تواجه وتعرقل كلّ شابّ يرغب بالعودة إلى لبنان، كانت السنوات الأولى سنوات لملمة الجراح، وإعادة لمّ شمل الرفاق، ولم تكن المهمة بهذه البساطة".
واستطرد: "الدولة الفعليّة لا تعني فقط الدولة التي لا تقبل بأيّ سلاح خارجها، بل أيضا الدولة التي لا تقبل بأيّ فساد أو لامسؤوليّة أو فشل في داخلها؛ فكما أنّ أمن المواطن واستقراره خطّ أحمر لا يجب أن يتخطّاه أحد، كذلك فإنّ لقمة المواطن وفرص عمله وبناه التحتيّة وبحبوحته أيضا خطّ أحمر لا يجب أن يتخطّاه أحد، إنّ دور القوّات اللّبنانيّة ليس دورا حزبيا ضيّقا يشبه دور الأحزاب التقليديّة داخل المجتمعات، بل هو نضال تراكميّ يحمل إرث شعب متجذّر منذ آلاف السنين في هذه الأرض. إنّ لبنان أمانة في أعناق القوّات اللّبنانيّة، وكلّما ثبّتنا القوّات في مشروعها وتنظيمها وانتظامها وسيرورتها، كلّما كنّا حاضرين أكثر فأكثر في حماية لبنان القضيّة والوجود الحرّ، ونحن مصمّمون، وبمجرّد أن تسمح لنا الظروف، على طرح إعادة النظر بتركيبة الدولة الحاليّة تطلّعا للأفضل، ولكن كلّ ذلك ضمن حدود لبنان المعترف بها دوليّا، ضمن الـ 10.452 كلم²".
وتوجه برسالة مفتوحة إلى دولة الرئيس نبيه برّي جاء فيها: "دولة الرئيس، لطالما تخاطبنا بصراحة واحترام، على الرغم من خصومتنا السياسيّة العميقة. لكنّ ما تقوم به في الوقت الحاضر بما يتعلّق بقانون الانتخاب تخطّى كلّ حدود. فأوّلا، هناك اقتراح قانون "معجّل مكرّر" موقّع من نوّاب يمثّلون أكثريّة في المجلس النيابيّ منذ أكثر من سبعة أشهر، وأنت تتجاهله، وهذه سابقة في العمل النيابيّ في لبنان منذ الاستقلال حتّى الساعة. وثانيا، هناك مشروع قانون معجّل أرسلته الحكومة منذ أسبوعين ونيّف، فقمت دولتك، وبخطوة "مسرحيّة"، بإحالته إلى اللّجان النيابيّة المعنيّة، مع توقّعاتنا بأن تحيله إلى مزيد من اللّجان حتّى مرور الوقت وتعطّل الانتخابات النيابيّة المقرّرة في أيّار 2026. دولة الرئيس، تستطيع أن تتذرّع بالنظام الداخليّ لمجلس النوّاب قدر ما تشاء، ولكنّ هذا لا يخفي نيّتك "المبيّتة" بفعل كلّ ما يلزم، وبكلّ الأساليب، لتعطيل انتخاب المغتربين في أماكن تواجدهم في الخارج. دولة الرئيس، إنّ كلّ نظام له روح وله حرف؛ المهمّ بالدرجة الأولى احترام "روح" النظام وبعدها احترام "حرفه". فأين هي روح النظام في تعطيل وصول اقتراح قانون معجّل مكرّر، ومن ثّمّ ومشروع قانون معجّل، إلى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب التي لها وحدها اتّخاذ القرار باقتراع المغتربين حيث هم أم لا، وعلى بعد أسابيع قليلة جدّا من انقضاء المهل المطلوبة للتحضير كما يجب للانتخابات؟ إذا كان حرف النظام يسمح لك في ظروف عاديّة بإحالة اقتراحات ومشاريع قوانين معقّدة إلى اللّجان لدراستها وإشباع تفاصيلها التقنيّة درسا، فأيّ "حرف وروح" في النظام يسمح لك بإحالة اقتراحات قوانين معجّلة ومشاريع قوانين معجّلة من لجنة إلى لجنة، في حين لم يعد الوقت يسمح، وفي حين أنّ كلّ المطروح هو تفصيل واحد أو اثنان، وليست قوانين برمّتها؛ كانت الحكومة قد أبدت رأيها التقنيّ فيها، ولا يلزم سوى اتّخاذ قرار من قبل الهيئة العامّة. دولة الرئيس، إنّ المطروح اليوم ليس قوانين برمّتها مع مجموعة كبيرة من التقنيّات، بل المطروح بكلّ بساطة خلاف سياسيّ حول اقتراع المغتربين في الخارج؛ أفلا يستدعي ذلك، والأمر على ما هو عليه، إرسال مشروع القانون المرسل من الحكومة إضافة إلى اقتراح القانون المعجّل الموقّع من النوّاب، مع غيرها من الاقتراحات إن شئت، إلى الهيئة العامّة للبتّ بها؟ دولة الرئيس، إنّ النظام الداخليّ وجد لتطبيقه بكلّ نيّة حسنة، وخدمة لروح النظام الداخليّ، وليس لاستعماله مطيّة للوصول إلى غايات حزبيّة ضيّقة، وتعطيل مجلس النوّاب ومحاولة تعطيل الانتخابات النيابيّة. دولة الرئيس، إنّ الصراحة في الحياة تبقى الطريق الأفضل والأسهل للجميع. لذلك فضّلت أن أصارحك اليوم وأن أطلب منك أن ترحم المجلس النيابيّ والحكومة واللّبنانيين جميعا، مقيمين ومنتشرين، بتوقّفك عن التعطيل، وإحالة كلّ ما له علاقة بقانون الانتخاب إلى الهيئة العامّة في أسرع وقت ممكن، وعلى الهيئة العامّة عندها أن تتّخذ القرار المناسب".