في قراءة شاملة للمستجدات السياسية والأمنية على الساحة اللبنانية وأبرزها انطلاق التفاوض مع إسرائيل عبر لجنة مراقبة وقف الأعمال القتالية "الميكانيزم" بالتوازي مع تصعيد عسكري إسرائيلي كان متوقعا، قال المحلل الجيوسياسي جورج ابو صعب: "يعيش لبنان في ظل المشهديتين المحلية والإقليمية، إرهاصات المرحلة الانتقالية من اللادولة إلى بناء الدولة القوية والقادرة، وقوامها السباق مع الوقت بين المعسكر، الذي يدفع باتجاه تسريع عملية نزع السلاح غير الشرعي وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وبين المعسكر الذي لايزال حتى الساعة يحاول تحصيل بعض المكتسبات السياسية من الإدارة الأميركية".
وتابع ابو صعب: "قرار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون باعتماد مبدأ التفاوض مباشرا كان أم غير مباشر مع إسرائيل، خطوة جبارة وشجاعة من عهد شجاع، ومتقدمة في زمن بات فيه سلام الشجعان ضرورة ملحة للخروج من بؤس الماضي وآلامه، لاسيما أن تعيين السفير السابق سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني المدني إلى لجنة الميكانيزم، أزكى نكهة التفاوض ووضعه في نصاب الجدية والحسم، خصوصا أنه من خلفية سيادية اكاديمية وطنية بامتياز، وهذا يعني أنه يفاوض بلغة ومنطق الدولة السيدة".
أضاف: "توصيف البعض قرار التفاوض مع إسرائيل وتعيين السفير كرم بالمخالف للقانون وبالسقطة الجديدة للدولة اللبنانية يعكس التوجه لشراء الوقت في لبنان إلى حين أن تتبلور صورة ولو أولية للمفاوضات بين الجانبين الأميركي والإيراني، معتبرا بالتالي ان مواقف حزب الله الرافضة تسليم السلاح والتفاوض مع إسرائيل ليست سوى قراءة صريحة وبصوت عال للإملاءات الإيرانية، خصوصا أن طهران تعتبر تسليم السلاح والتفاوض بين لبنان وإسرائيل أهم وأعتى الأوراق الإستراتيجية التي تتسلح بها في مفاوضاتها مع واشنطن".
كما أشار ابو صعب الى أنّ "البديل عن التفاوض هو الحرب، الأمر الذي تنبه إليه رئيس الجمهورية عون وأعلنه صراحة خلال استقباله في قصر بعبدا وفد مجلس الأمن الدولي، بأن التفاوض ضمن لجنة الميكانيزم قوامه تجنيب لبنان جولة جديدة من العنف. وهذا يعني أن حسابات الدولة اللبنانية دقيقة وتؤكد انه لا خيار أمام لبنان سوى خوض غمار التفاوض مع إسرائيل أو الانزلاق مجددا إلى مزيد من العنف والدمار، علما ان حسابات إسرائيل في مكان آخر مختلف كليا وتقضي بفصل الضربات الجوية للبنان عن التفاوض معه، للتأكيد على ان الاستحقاق العسكري تأجل بفعل انطلاق المفاوضات لكنه لم يلغ".
وتابع: "أمام لبنان صعاب جمة عليه تذليلها للعبور إلى الاستقرار الدائم، وأبرزها سحب السلاح غير الشرعي. وأمام السفير كرم مهمة شاقة ومضنية، لكن طريق الالف ميل تبدأ بخطوة وقد خطاها رئيس الجمهورية بثقة وشجاعة ومن خلفه حكومة الرئيس نواف سلام".
وختم ابو صعب بالقول: "مهما كثرت العراقيل واشتدت الصعاب، فلبنان سيدخل عاجلا أم آجلا مدار السلام العادل والشامل في المنطقة، ضمن المشروع العربي العام".