هي زيارة الرجاء والسلام تلك التي يقوم بها البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان والذي إختاره أن يكون ضمن جولته الأولى بعد تنصيبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وهذا يؤكد مكانة وحضور وطن الأرز بتنوعه وفرادة عيشه المشترك لدى الفاتيكان، ما دفع أربعة من الباباوات إلى القيام بزيارته وكانت الأهم فيهم جولة البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني الذي أطلق على لبنان “وطن الرسالة”، وأقام السينودس من أجله.
زيارة البابا لاوون تحمل الرجاء الذي يولد في لبنان مع كل محطة فيه لأي شخصية عالمية لما يمكن أن تحمله من إحتضان ودعم ورعاية للبنان الذي يعاني منذ عقود من الحروب والتوترات والقلاقل وصولا إلى أزمات الإنهيار الاقتصادي وسرقة أموال المودعين والانقسامات السياسية والنفخ المتواصل في أبواق الفتن، وأخيرا وليس آخرا العدوان الإسرائيلي المستمر والمتمادي والمرجح لأن يتحول إلى حرب مفتوحة بعد إنتهاء الزيارة الحبرية.
أما السلام فهو مفقود بفعل الغطرسة الإسرائيلية الرافضة لكل أنواع الحلول، والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية التي تضغط سياسيا وتهدد إقتصاديا فيما يأخذ العدو على عاتقه الضغط بالحديد والنار لتركيع لبنان ودفعه إلى مفاوضات مباشرة تُنتج إستسلاما يقضي بتشريع الإحتلال والمنطقة العازلة على الحدود الجنوبية والتي يريد الإسرائيلي ربطها بجنوب سوريا لحماية أمن المستوطنات، مع الإستمرار بالإعتداءات كلما دعت الحاجة، أو كلما شعر بتهديد، ليكون ذلك بمثابة وضع الحجر الأساس لإسرائيل الكبرى التي تحدث عنها رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو وعرضها أمام الملأ ضمن الخارطة الزرقاء.
اللافت في زيارة البابا لاوون أنه في كل محطاته لم يأت على ذكر العدوان الاسرائيلي على لبنان ولم يُعرب عن قلقه تجاه ما يتعرض له من تهديدات بالحرب المفتوحة والإبادة على غرار ما حصل في غزة، بل إقتصر كلامه عن السلام والتنازلات من أجل السلام وأهمية هذا السلام في الشرق الأوسط، في حين أن العدو الذي يتربص شرا بهذه المنطقة هو أول من يرفض هذا السلام، ويسعى إلى توسيع إحتلاله والى إراقة المزيد من الدماء والتسبب بكثير من المآسي التي يشدد البابا على ضرورة وضع حد لها.
زيارة البابا جاءت بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لإعلان وقف إطلاق النار الذي إلتزم لبنان ومقاومته بكل مندرجاته، ثم وافق على التفاوض وقدم رئيسه العماد جوزاف عون مبادرة وطنية منطقية في رسالة الإستقلال وحمل مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد مبادرة ثانية، وسبق المبادرتين واحدة أميركية، لكنهم جوبهوا برفض مطلق من قبل إسرائيل التي خرقت وقف إطلاق النار على مدار أيام السنة وسجلت أكثر من خمسة آلاف خرقا وقتلت ٣٤٠ شهيدا وجرحت أكثر من ألف مواطن، فضلا عن توسعها نحو نقاط جديدة وبنائها جدارا عازلا على الحدود وعن التدمير الممنهج والتخريب وتجريف الأراضي ومنع الأهالي من العودة إلى بلداتهم وقراهم وقصف أي محاولة لبناء منزل مؤقت أو لترميم هنا أو هناك، إضافة إلى إحتفاظها بعدد من الأسرى اللبنانيين.
هذا الواقع يضع البابا لاوون ومعه المجتمع الدولي بكامله أمام خيارين، فإما دعم لبنان ليبقى بلد الإنفتاح والتنوع والتعايش، والنموذج الذي يسعى الفاتيكان إلى تعميمه في المنطقة لدعم الوجود المسيحي فيها إنطلاقا من وطن الأرز، أو أن يستمر غض النظر عن إسرائيل ودعمها من أميركا ودول أخرى لتنشر وحشيتها ودمويتها وعنصريتها التي لا تفرق بين مسلمين أو مسيحيين مهما إختلفت مذاهبهم أو توجهاتهم.
ولعل الأسوأ في كل ذلك، هو الصدى اللبناني للمواقف الأميركية والإسرائيلية التي تروج للسرديات الصهيونية وتتبنى وجهات النظر الأميركية، بما يهدد بفتنة داخلية هي بلا شك أخطر بكثير من العدوان الإسرائيلي، كونها تفقد لبنان ميزاته التفاضلية في هذا المشرق وتقضي على العيش الواحد الذي جاء البابا لاوون الرابع عشر من أجل تعزيزه وتعميمه!.


The post زيارة البابا لاوون إلى لبنان.. الرجاء مولود والسلام مفقود!.. غسان ريفي appeared first on .