2025- 08 - 26   |   بحث في الموقع  
logo اللواء شقير يستقبل هيئة العلماء المسلمين: تحصين الساحة الداخلية أولوية مشتركة logo توقيف الرأس المدبر في عمليات سرقة كابلات “أوجيرو” في عكار logo الوفد الأميركي من بعبدا: سنتحدث مع إسرائيل بشأن انسحابها من لبنان logo براك من بعبدا: الرؤساء الثلاثة يحاولون القيام بأفضل عمل للإزدهار logo الكويت تعلن عن مساعدات للجيش اللبناني logo جين شاهين من قصر بعبدا: نحث القادة اللبنانيين للمضي في المسار الذي اختاروه logo لقاءات متعددة لوزير الداخلية.. قضايا تربوي ومعيشية تحت المجهر logo بالصور: اشتباك دموي على الحدود الشرقية بين مهربين لبنانيين وسوريين
أذربيجان.. لاعب رئيسي في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد!.. بقلم: د. إيمان درنيقة الكمالي
2025-08-26 08:37:24

في قلب منطقة القوقاز، تبرز أذربيجان كلاعب استراتيجي محوري يتجاوز تأثيره حدودها الجغرافية. فبفضل موقعها الحساس وثرواتها النفطية الهائلة، وعلاقاتها الدولية المعقدة، أصبحت باكو اليوم نقطة التقاء لمصالح متضاربة وشريكًا رئيسيًا في تحالفات غير متوقّعة. هذه الديناميكية الفريدة تثير تساؤلات حيوية:


لماذا يتزايد اهتمام إسرائيل والولايات المتحدة بأذربيجان؟


وما الدور الذي تلعبه أذربيجان في إعادة رسم ملامح “الشرق الأوسط الجديد”؟


 – أذربيجان وإيران: جغرافيا وتاريخ يغذيان الصراع


 تتقاطع الجغرافيا والتاريخ لتصوغ علاقة معقدة بين أذربيجان وإيران.


 جغرافيّا، تحتلّ أذربيجان موقعًا استراتيجيًا يضعها في قلب صراع النفوذ، فهي تقع بين روسيا وإيران، وتطل على بحر قزوين. وتشكل الخلافات حول الحدود البحرية في بحر قزوين نقطة توتر بين البلدين. هذا الموقع يأتي أيضًا بتحديات جغرافية، إذ تُعد أذربيجان من الدول التي تعاني من “تشوّه جغرافي”، يتجلى في وجود إقليم تابع لها، وهو “اقليم ناختشيفان”، الذي لا يتصل جغرافياً بأراضيها، بل يقع منفصلاً بين إيران وأرمينيا وتركيا.


تاريخياً، كانت أذربيجان جزءاً من الإمبراطورية الفارسية، قبل أن يصبح الانقسام، الذي حدث في القرن التاسع عشر، أحد أبرز أسباب التوتر بين البلدين. فبعد حروب دامية بين الإمبراطورية الفارسية وروسيا القيصرية، خسرت طهران مناطق واسعة شمال نهر أراس بموجب معاهدتي “غولستان” (1813) و”تركمانشاي” (1828)، وأصبحت الأراضي التي استولت عليها روسيا القيصرية في نهاية المطاف جمهورية أذربيجان المستقلة، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.


هذا الانقسام لا يزال يلقي بظلاله على العلاقة بين البلدين؛ فإيران تعتبر أن جزءًا من أراضيها اقتُطع قسراً، بينما يرى الأذريون أن الانفصال كان لشعب واحد، وأن رغبتهم في الوحدة القومية أمر طبيعي. كما أن وجود ملايين الأذريين في شمال غرب إيران يثير مخاوف طهران من دعوات “أذربيجان الكبرى”.


بالمقابل، تتفاقم التوترات بين اذربيجان وايران مع اتهام باكو لطهران بمحاولة التمدد والتأثير داخل أذربيجان عبر الأدوات الدينية والمذهبية.


إلى جانب البعد التاريخي والقومي، تتعدد أسباب الخلاف بين أذربيجان وإيران لتشمل جوانب أيديولوجية، وثقافية، وسياسية. فعلى الرغم من أن 85% من سكان أذربيجان، البالغ عددهم 10.5 ملايين نسمة، مسلمون شيعة، إلا أن علمانية الدولة تتناقض بشكل حاد مع النظام الثيوقراطي في إيران. كما أن التقارب الثقافي واللغوي بين أذربيجان وتركيا، بسبب اللغة الرسمية التركية، يثير استياء إيران من تنامي النزعة القومية التركية لدى جارتها. وتتعمق حدة التوتر بسبب التحالفات المتضاربة، حيث تتحالف أذربيجان مع إسرائيل بينما تدعم إيران أرمينيا في صراع ناغورنو كاراباخ.


كل هذه العوامل التاريخية والجغرافية والسياسية تتضافر لتجعل العلاقة بين البلدين معقدة ومتوترة على أكثر من مستوى.


 – الصراع مع أرمينيا: المحفّز الأكبر للتقارب مع إسرائيل


 كانت أذربيجان وأرمينيا جمهوريتين تابعتين للاتحاد السوفيتي، وبعد انهياره في ديسمبر 1991، بدأ الصراع بينهما، فور إعلان استقلالهما، حول إقليم ناغورنو كاراباخ، الذي يقع داخل الأراضي الأذربيجانية لكن تقطنه أغلبية أرمنية. وسعت أرمينيا إلى ضمّ الإقليم والسيطرة على الممرات التي تربطها به، بينما كانت أذربيجان تسعى لاستعادة السيطرة على ممر “زنغزور” الحيوي، الذي يربطها بإقليم “ناخيتشيفان” التابع لها. وقد أسفرت هذه الخلافات عن حربين؛ انتهت الأولى عام 1994 بانتصار أرمينيا بدعم من روسيا، فيما حسمت أذربيجان الحرب الثانية عام 2020 بفضل السلاح التركي، واستعادت الإقليم.


ولعلّ الهزيمة القاسية في حرب 1994 كانت الدافع الأكبر لباكو للبحث عن حلفاء خارج الفلك الروسي، اذ أدركت القيادة الأذرية أن التفوق في هذا النزاع المزمن لا يمكن أن يتحقق بالوسائل العسكرية التقليدية وحدها، وهنا بدأت العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل تتبلور. وإسرائيل هي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أذربيجان، ورأت فيها شريكًا مثاليًا يخدم أهدافها السياسية والأمنية. وقد وصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف هذه العلاقة بأنها “جبل جليدي” لا يظهر منه سوى 10%، في إشارة إلى أن حجم التعاون أكبر بكثير مما هو معلن.


من الناحية الاقتصادية، تستورد إسرائيل ما بين 40% إلى 60% من احتياجاتها النفطية من أذربيجان عبر خط أنابيب يمر بتركيا، مما يضمن لها مصدرًا ثابتًا وقريبًا للطاقة. أما استراتيجيًا، فتستفيد إسرائيل من موقع أذربيجان الحدودي مع إيران، والذي يُعد كنزًا استخباراتيًا تستخدمه لمراقبة تحركات طهران وجمع معلومات حساسة عن برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية.


 في المقابل، تقدم إسرائيل لأذربيجان دعمًا متعدد الأوجه لا يقتصر على الجانب العسكري. فبالإضافة إلى تزويدها بمنظومات متطورة من الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الصاروخي، تشمل الشّراكة مجالات أخرى كالتكنولوجيا الزراعية، وإدارة المياه، والأمن السيبراني. كما تستخدم إسرائيل نفوذها السياسي في الغرب، وتحديدًا في واشنطن، لمصلحة أذربيجان.


ومع تعمّق هذا التحالف، برزت مؤخرًا دعوات أميركية وإسرائيلية لضم أذربيجان إلى “اتفاقات أبراهام”، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2020، لتوسيع دائرة التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعوات يتجاوز مجرد التطبيع، ليتمثل في ضمّ أذربيجان ضمن تحالف أميركي-إسرائيلي لمواجهة إيران. فبعد الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، تستعد إسرائيل وإيران لجولة جديدة محتملة، وتعمل واشنطن وتل أبيب على حشد دعم إقليمي لها. وهنا تبرز أهمية أذربيجان، بحكم موقعها الجغرافي على حدود إيران، كلاعب محتمل له دور حساس في أي صراع إقليمي قادم.


ـ ممرّ زينغزور: حجر الزاوية في التحولات الإقليمية


 يعدّ ممر زينغزور حجر الزاوية في إعادة رسم ملامح المنطقة، وهو ممر تسعى باكو بشكل حثيث لفتحه عبر جنوب أرمينيا، رغم المعارضة الأرمنية. يتجاوز دور هذا الممر كونه طريقًا تجاريًا، ليصبح أشبه بـ “قناة سويس برية” تربط آسيا بأوروبا وتتفادى المرور عبر إيران وروسيا. و تكمن أهميته الجيوسياسية في كونه صلة وصل حيوية بين أذربيجان وتركيا، ما يمنح تحالفهما عمقًا استراتيجيًا جديدًا، ويحوّل الممر الى منطقة نفوذ تركية-أذربيجانية.


وفي خطوة قد تُحدث تحولًا جذريًا في ميزان القوى الإقليمي، طرحت الولايات المتحدة مبادرة وساطة جديدة في آب/ أغسطس 2025. وتضمّن المقترح الأمريكي، الذي عُرف باسم “طريق ترامب للسلام والرخاء”، فتح ممر زينغزور، على أن يبقى الممر تحت السيادة الأرمنية مقابل رسوم عبور.


ومن المرجّح أن يؤدي فتح هذا الممر إلى تحولات كبرى في المنطقة، إذ يتيح للولايات المتحدة وحلفائها الوصول إلى قلب القوقاز، ويسحب أرمينيا من الفلك الروسي ويحدّ من نفوذها ونفوذ إيران في المنطقة.


– أذربيجان: قوة صاعدة في إعادة رسم الخريطة الإقليمية


تُظهر التحركات الأخيرة أن أذربيجان لم تعد تكتفي بدورها كمحور للطاقة، بل تسعى لتصبح لاعباً سياسياً مؤثراً في المنطقة. تتبع باكو سياسة حذرة لكنها طموحة، حيث لا تستضيف علناً قواعد عسكرية أجنبية، لكنها تحتفظ بهذا الخيار كورقة ضغط استراتيجية مهمة. كما أن نفوذها يمتد إلى قضايا إقليمية كبرى، فهي تلعب أدواراً غير مباشرة في محاولات تسوية النزاعات، مثل وساطتها المحتملة في محادثات التطبيع بين سوريا وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، تواصل باكو تعزيز علاقاتها في قطاع الطاقة مع كل من سوريا وإسرائيل، ما يفتح المجال أمام احتمال أن تكون بعض الشركات الأذرية الناشطة في سوريا واجهة لشركات إسرائيلية.


في الختام، إنّ ما يجري في جنوب القوقاز بات مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بما يحدث في الشرق الأوسط. أذربيجان تسير بسياسة “سلام بارد” مع أرمينيا، و”دفء استراتيجي” مع تركيا، و “دعم واضح” من واشنطن وتل أبيب، ما يمنحها نفوذًا كبيرًا، ويضعها في قلب عملية إعادة تشكيل خريطة المنطقة.


فهل يكون الثمن مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران في المستقبل القريب؟.


ـ الكاتبة الدكتورة إيمان درنيقة الكمالي


ـ أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة




Related Posts

  1. بين ذاكرة الوطن وصدمة العودة.. هل وجد المغترب اللبناني وطنه؟!.. بقلم: سوزان السيد
  2. ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا رهن ثلاثة عوامل
  3. رسمياً.. سوريا خارج لائحة العقوبات الأميركية














The post أذربيجان.. لاعب رئيسي في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد!.. بقلم: د. إيمان درنيقة الكمالي appeared first on .




موقع سفير الشمال الإلكتروني



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top