الحدث الأبرز الذي شهده لبنان أمس كان زيارة رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، لما تحمله من رسائل سياسية واضحة ودلالات بالغة الأهمية في ظل الظروف الإقليمية والمحلية الراهنة. ورأت أوساط ديبلوماسية أن هدف الزيارة ليس «شد عصب» حزب الله، إذ إن الأخير يتمتع بمعنويات عالية ويرفض رفضاً قاطعاً تسليم سلاحه خارج إطار الاستراتيجية الدفاعية، بل إن الرسالة الإيرانية من وراء هذه الزيارة إلى الجميع هي: «ما زلنا هنا».
ويُعرف لاريجاني بكونه من كبار المسؤولين الإيرانيين المتزنين، البعيدين عن إطلاق تصريحات عشوائية أو ما يعكس تدخلاً صارخاً في الشأن اللبناني. والسؤال الأهم: هل تدعو إيران إلى معالجة هادئة لموضوع حصر السلاح، على أساس تسليم مرحلي ضمن حوار وطني؟ وهذا ما تم إبلاغه من قبل الرئيسين عون وبري للموفد الأميركي توم باراك خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، غير أن الورقة الأميركية الأخيرة بدت وكأن الحكومة الإسرائيلية هي التي وضعتها، لا الإدارة الأميركية.
تدفق الموفدين إلى لبنان… إنذار بالخطر؟
كما في أوقات سابقة، يعكس تدفق الموفدين العرب والأجانب إلى لبنان خطورة المشهد الداخلي، حيث يبدو وكأن بيروت باتت نقطة الاستقطاب المركزية في الشرق الأوسط. فمن لاريجاني إلى توم باراك، إلى مورغان أورتاغوس، إلى جان إيف لودريان، إلى الأمير يزيد بن فرحان… هل جاؤوا للحيلولة دون الانفجار؟
وفي سياق مقلق، تفيد المعلومات أن أورتاغوس أبلغت إحدى المرجعيات اللبنانية بوضوح: «إما إزالة هذا السلاح ومعه الحزب، أو غزة». وحتى الآن، لا مؤشر على أن الضغط الأميركي على السلطة اللبنانية سيتراجع، بل المطلوب منها أميركياً خطوات عملية على الأرض، على أن تُستكمل العملية قبل نهاية العام، لتهيئة الأرضية للخطوة التالية بين لبنان و«إسرائيل» باتجاه ترسيم الحدود وحل الملفات العالقة، تمهيداً للبحث في التطبيع، بالتزامن مع مساعٍ أميركية – تركية لبدء مفاوضات التطبيع بين دمشق و «تل أبيب».
تعثر المسعى الفرنسي
في موازاة ذلك، يأمل المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أن تحمل اتصالات بلاده، ولا سيما مع الولايات المتحدة، صيغة لخرق الجدار القائم بين السلطة اللبنانية وحزب الله، إلا أن معلومات من جهات لبنانية تؤكد أن تلك الاتصالات ما زالت متعثرة، ولا جديد يذكر حتى الساعة.
موقف عون
اللافت أن استقبال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كان مختلفاً عن أي موفد آخر، وهو ما يعكس التحول في السياسة اللبنانية خلال الأشهر الأخيرة. ورغم أن قدرة إيران على التدخل المباشر في الشأن اللبناني محدودة، فقد كان كلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مباشراً: «من غير المسموح لأي جهة كانت حمل السلاح»، مشدداً على أن أي تحديات من العدو الإسرائيلي أو غيره هي تحديات لجميع اللبنانيين، وأن أي سلاح لمواجهتها يجب أن يكون سلاح الوحدة الوطنية. كما أبلغ لاريجاني رفضه تدخل أي جهة خارجية في الشؤون اللبنانية.
ما قاله لاريجاني لحزب الله
وفق مصادر مطلعة، شدد لاريجاني لمسؤولي حزب الله على ضرورة الحوار بين القوى اللبنانية المختلفة، وعلى وحدة اللبنانيين في ظروف لا يمكن التنبؤ بمسارها، بخاصة مع المواقف المتشددة لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، برعاية أميركية كاملة. كما لفت إلى أن الأوروبيين يرون أن نتنياهو اتخذ استعدادات لتوجيه ضربة كبرى لإيران، تتجاوز بأضعاف الضربة السابقة، رغم الشكوك في نجاحها ما لم تحصل الأجهزة الأميركية والإسرائيلية على معلومات دقيقة حول التدابير الأمنية لحماية القيادات والمنشآت الإيرانية، المدنية والعسكرية، بعد أن كانت الضربة الأولى قد استهدفت قيادات ومنشآت عسكرية وأدت إلى اغتيال عدد كبير من العلماء النوويين.
أولويات حزب الله
من جهته، يركز حزب الله حالياً على نقطتين: الحفاظ على قاعدته الشعبية، وتطوير قدراته الدفاعية إلى قدرات هجومية، من دون أن يعني ذلك المبادرة إلى الحرب. ووفق مصادر مقربة، فقد عمل الحزب خلال العام الماضي على استيعاب الأضرار التي تكبدها في المواجهة مع «إسرائيل»، بدءاً بالخسائر البشرية وجرحى البايجر، ما دفعه إلى تعديل تكتيكاته العسكرية، وإعطاء الأولوية لتضميد جراح المقاومة في الداخل.
مخاوف عربية وغربية من تحركات جعجع
على صعيد آخر، أفادت مصادر مطلعة لـ«الديار» بأن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لا يهتم بشؤون المسيحيين إلا من زاوية شد العصب الطائفي، وأنه منخرط – عن إدراك أو غير قصد – في مشروع تتبناه جهات عربية تهدف إلى تكريس طائفة حاكمة واحدة بالأكثرية، بدلاً من النظام التوافقي القائم. وتساءلت المصادر ما إذا كان العداء السياسي والعقائدي لحزب الله يقود القوات اللبنانية نحو الهاوية، بما يجر معه جزءاً كبيراً من المسيحيين المؤيدين لها إلى وضع لا يُحسدون عليه. وترى هذه المصادر أن هذا الأمر سيتضح أكثر عندما تهدأ الأجواء وتتضح صورة ما يُحاك للبنان، وعندئذ لن ينفع الندم.