تكشف خريطة “إعادة التموضع” التي قدّمها وفد كيان الاحتلال خلال المفاوضات الجارية، عن توجه استراتيجي خطير تتبناه حكومة الاحتلال، لا يهدف إلى وقف الحرب أو التوصل إلى تسوية، بل إلى تثبيت سيطرة دائمة على أجزاء واسعة من قطاع غزة، وفرض وقائع ميدانية تُمهد لتهجير السكان الفلسطينيين، وتقويض أي إمكانية لإعادة بناء كيان جغرافي موحد في القطاع. الخريطة، التي توصف بأنها جزء من طروحات تفاوضية، تنزع عنها صفتها المؤقتة عندما تكشف مضمونها الفعلي، القائم على السيطرة الدائمة، والعزل، وإعادة توزيع السكان بالقوة وتحت الضغط.
رفح.. من مدينة حدودية إلى مركز للتهجير الجماعي
أكثر ما يلفت الانتباه في الخريطة هو إبقاء مدينة رفح بكاملها تحت السيطرة الإسرائيلية، وتحويلها إلى مركز “تجميع للنازحين”، وهو مصطلح يبدو في ظاهره إنسانيًا، لكنه في حقيقته يعكس نية واضحة لإعادة توجيه السكان وترحيلهم إما إلى خارج القطاع أو تثبيتهم داخل ما يشبه مناطق احتواء، أشبه بمخيمات أو كانتونات مقفلة.
رفح، التي كانت لسنوات بوابة القطاع إلى العالم، تُعاد صياغتها كمساحة تفريغ سكاني. هذا التوجه يعيد إلى الذاكرة سياسات التهجير الكبرى التي مورست في مراحل سابقة من التاريخ الفلسطيني، ويشير إلى أن الاحتلال لا يزال يستند إلى نفس المنطق الإقصائي.
تفكيك الجغرافيا.. 40% من غزة تحت السيطرة
الخريطة تشمل امتدادًا واسعًا لسيطرة الاحتلال داخل قطاع غزة، تصل نسبته إلى نحو 40% من مساحة القطاع، وتشمل مناطق بالغة الكثافة السكانية والأهمية الاستراتيجية، من بيت لاهيا وبيت حانون وأم النصر، إلى خزاعة، مرورًا بأحياء رئيسية مثل التفاح والزيتون في غزة، ومناطق متاخمة لشارع صلاح الدين، وهو العصب الرئيسي لحركة التنقل والبضائع في القطاع. بهذا التوزيع، لا تترك الخريطة أي مجال لوحدة جغرافية أو تواصل اجتماعي واقتصادي، بل تدفع القطاع إلى حالة من التشظي الداخلي، وتقسيمه إلى مناطق مغلقة ومنفصلة، يصعب العيش فيها بكرامة أو أمن.
تهرب سياسي وتعطيل للمفاوضات
تعكس هذه الخريطة تهربًا إسرائيليًا واضحًا من أي اتفاق جاد لوقف الحرب. فبدلًا من التفاعل مع المبادرات الدولية والوساطات الإقليمية، يقدّم الاحتلال خطة تؤسس لاحتلال طويل الأمد، تحت مسمى إعادة التموضع. هذا الطرح يُسقط ورقة التوت عن حكومة بنيامين نتنياهو، التي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن استمرار الحرب وتعطيل فرص الحل. إذ لا يمكن لأي حديث عن أي اتفاق أن يترافق مع مشروع يكرّس الاحتلال ويُقنن التهجير ويُجهض الحقوق الأساسية للفلسطينيين.
موقف المقاومة: رؤية واضحة ومطالب عادلة
في مواجهة هذا المشروع، تتمسك المقاومة الفلسطينية بموقف واضح وثابت، ينطلق من أسس وطنية وإنسانية لا يمكن التنازل عنها. يتضمن هذا الموقف وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وانسحابًا كاملًا من قطاع غزة، وعودة السكان إلى منازلهم، وبدء عملية إعادة إعمار شاملة تكفل للمواطن الفلسطيني حقه في العيش الكريم على أرضه. هذه المطالب لا تندرج ضمن شروط تفاوضية تعجيزية، بل تعبّر عن الحد الأدنى من حقوق شعب يعاني من الحصار والعدوان، ويرفض أن يكون ضحية لحلول مفروضة أو خرائط تهجيرية.
The post خريطة “إعادة التموضع”.. تكريس لاحتلال غزة وتهجير مبرمج!.. بقلم: د. محمد أبو طربوش appeared first on .