منذ تكليفه برئاسة الحكومة والقاضي نواف سلام أسير “عقدة نقص” تجاه بعض رؤساء الحكومات السابقين لشعوره بأنه غير قادر على مجاراتهم في حنكتهم السياسية وحكمتهم وشعبيتهم، أو تقليدهم في حضورهم الوازن، فسارع بداية إلى تهميش كل الكتل النيابية السنية في عملية التأليف والتمثيل الوزاري، وإحتفظ بالحصة السنية لنفسه، وأعطى حصصا وازنة لكل من القوات اللبنانية والثنائي الشيعي والحزب الاشتراكي، ضاربا بعرض الحائط كل الشعارات التي أطلقها حول عدم تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية ووحدة المعايير وحكومة التكنوقراط.
نحو ستة أشهر مرت على تأليف الحكومة ونواف سلام يتخبط في ممارسة الحكم، فلم ينجح في إحداث التوازن المطلوب مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أتى بوهج سياسي كبير، ولا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (أستاذ السياسة اللبنانية من دون منازع)، ولا نجح في إثبات الحضور كرئيس حكومة قوي قادر على طمأنة طائفته التي تشعر بالغبن وبفراغ حكومي سواء بالاستهداف توقيفا وتعيينا ومحاصرة، أو بسلخ القرنة السوداء عن الضنية السنية لمصلحة قضاء بشري الذي قرع الأجراس فرحا بقرار قضائي، أو بمواجهة التحديات الكبرى سياسيا وإقتصاديا وأمنيا، حيث يبدو مكبلا بالإملاءات الخارجية التي فرضته رئيسا للحكومة بالباراشوت، الأمر الذي دفع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى رفع الصوت مؤكدا “أن السنة أولا وأنهم هم أصحاب الدولة وأن لا قيامة للبنان من دون السنة” وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها دريان بهذه اللغة وبهذه الحدة نتيجة شعوره أن الطائفة تُستهدف أمام عين ممثلها الأول في رئاسة الحكومة الذي يغطي “الفشل” بشعارات رفض مبدأ المحاصصة الذي يتجلى لدى بعض الطوائف الأخرى التي تحصّل حقوقها بالقوة من دون حسيب أو رقيب.
يدرك كثيرون أن سلوك نواف سلام السياسي أصاب السنة في لبنان بخيبة أمل كبيرة وهم يعبرون بشتى الوسائل عن إنتقاداتهم له لعدم حفاظه بالدرجة الأولى على صلاحياته الدستورية ولغيابه الكامل عن كثير من الاستحقاقات التي يُفترض أن يكون له فيها الكلمة الفصل.
لذلك، إرتأى بعض المحيطين بسلام من المستشارين والمقربين تغطية هذا الغياب بالهجوم على من يعتبرهم منافسين أو خصوم واللعب على الوتر المذهبي المقيت، وكيّل المديح له عبر بعض المقالات الصحافية علهم يستطيعون تلميع صورته.
ويبدو واضحا أن هؤلاء فشلوا في تجنيد بعض الصحافيين لأهوائهم، فوقع إختيارهم على أحد هواة المهنة ممن يسعون إلى دعم أو حظوة أو نفوذ من السراي وأوكلوا اليه مهمة الإساءة إلى الرؤساء نبيه بري ونجيب ميقاتي وسعد الحريري وغيرهم، وتحويل نواف سلام إلى ضحية مستهدفة بهدف تغطية “السماوات بالقباوات”.
لكن ما لبث أن إنقلب السحر على الساحر، حيث بدت تلك المقالات ركيكة في المبنى والمعنى غير مترابطة الأفكار تفتقد إلى الموضوعية والمنطق، وتتضمن مغالطات عدة وصلت إلى عدم معرفة الكاتب لعناوين الرؤساء، فضلا عن مبالغته في الاشادة بالرئيس سلام مطلقا عليه الألقاب والصفات الفضفاضة، التي أهانت ذكاء اللبنانيين الذين خبروا قدرات سلام المتواضعة، وحمّلت رئيس الحكومة فوق طاقته، حتى تحولت هذه الكتابات في بعض الأحيان إلى مادة للتندر والسخرية والشفقة على الرئيس سلام وفريق عمله، وفقا للقول المأثور إن “كثرة المديح تقود إلى الذمّ”، خصوصا أن هذا المديح المعطوف على إستهداف القامات الوطنية لا يصنع رئيسا قويا للحكومة ولا يعطيه هيبة ولا حضورا ولا يغطي فشلا، بل يرتد عليه سلبا ويجعله معزولا.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم المداحين فأحثوا في وجوههم التراب”، فهل يعود الرئيس سلام إلى واقعه، ويقوم بالواجبات المنوطة به مبتعدا عن رياء المداحين، وهل يكف فريق عمله عن إطلاق الأفكار للهواة الذين يترجمونها بشكل فاضح؟!..