كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
الإجراء العملي الوحيد المرئي والمسموع في الداخل يتجلّى في إجراء الإنتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق جولتها الثانية في الشمال غداً الأحد، وسط استنفار حكومي لإتمامها، وحماوة ملحوظة سياسياً وشعبياً على خط التنافس في القرى والبلدات، ولاسيما في المدن الكبرى. وإذا كانت الجهات المعنية في الدولة تُقارب الاستحقاق البلدي كإنجاز على طريق إعادة تشكيل المجالس المحلية في القرى والبلدات اللبنانية، إلّا أنّ أسئلةً كثيرة متداولة في مختلف الأوساط حول سائر الملفات الداخلية ومتى ستُنزَل عن رفّ الإنتظار ووضعها على سكّة الإنجاز والإيفاء حقيقة بالالتزامات والوعود التي قُطِعَت من جانب الحكومة، ومتى سيُستفاد عملياً من فُرَص النهوض التي يُتيحها الأصدقاء والأشقاء أمام لبنان، بما يعزّزها من خطوات إنقاذية وإجراءات وإصلاحات؟
تكثيف الديبلوماسية
لا يخلو يوم من مطالبة عربية أو دولية بالتعجيل في الإنجازات الموعودة، وكلّ الموفدين العرب والأجانب، على ما يقول مصدر رسمي رفيع لـ«الجمهورية»، يسجّلون ملاحظات سلبية على ما يصفونه بـ«بطء الإنتاجية»، ويلقون الكرة في ملعب الحكومة، ولا يرَون ما يُبرّر البطء أو التباطؤ – لا فرق – في شروعها في التطبيق العملي لبرنامج الإصلاحات والتعافي الذي يُجمع المسؤولون في الدولة على أنّ تلك الإصلاحات مطلب وحاجة لبنانية مُلحّة، قبل أن تكون مطلباً من قبل المجتمع الدولي».
حصانة مزدوجة
وعلى ما يقول مسؤول كبير رداً على سؤال لـ«الجمهورية» عمّا هو مطلوب من الحكومة: «تحصين الداخل لا أكثر ولا أقل».
ويستدرك المسؤول عينه، قائلاً: «إنّ المرحلة الراهنة لا تحتمل التنظيرات والمطوّلات، فكما هو معلوم فإنّ نتائج هذا التنظير لطالما تأتي عكسية، بل انّ المرحلة توجب سلوك مسار التحصين الداخلي وعلى الحكومة أن تغادر بطء اندفاعتها والخطوات المطلوبة منها، وحتى الآن، لا أشارك من يقول بأنّ الحكومة مقصّرة، بل أقول إنّ الوقت لا يزال متاحاً أمامها لكي تعزز حضورها أكثر في ميدان العمل والإنجاز، وتكسر المقولة التي نسمعها من كثير من السفراء والموفدين بأنّ الخارج مهتم بلبنان اكثر من اللبنانيين أنفسهم».
ويلفت المسؤول عينه إلى حاجة لبنان في هذه المرحلة إلى ما سمّاها «حصانة مزدوجة» على خطين متوازيين، الأول عبر تمتين المناعة الداخلية بإجراءات تضع لبنان على سكة التعافي المالي والاقتصادي والاجتماعي، والثاني، ولا شيء يمنع من إعلان الإستنفار الحكومي وإطلاق ورشة عمل مكثفة وجلسات متتالية لمجلس الوزراء للبتّ بتلك الإجراءات، وهو ما ينبغي أن يُترجم عملياً في مرحلة ما بعد الانتخابات البلدية والاختيارية. وأما الخط الثاني، فعنوانه التحصين الأمني إزاء ما يلوح في الأفق من مخاطر إسرائيلية على لبنان ينذر بها تمادي إسرائيل في الاعتداءات. والتعويل في هذا السياق، هو على تزخيم الجهد الديبلوماسي أكثر مع الدول، لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، علماً انّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يقوم بجهد كبير على خطوط دولية متعددة لوقف عدوان إسرائيل المستمر على لبنان وإلزامها باحترام اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من النقاط الخمس وإطلاق الأسرى».
كلمة الفصل أميركية
وإذا كان اللبنانيون يتوقون إلى إجراءات وخطوات حكومية سريعة وملموسة في الشأن الداخلي الإنقاذي والإصلاحي، فإنّ ذلك يحتل مرتبة ثانية أمام توقهم إلى الخروج من حال القلق والإرباك من العامل الإسرائيلي الذي يضغط بمخاطره على حاضر البلد ومستقبله.
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ حركة الاتصالات التي أعقبت العدوان الإسرائيلي الأخير على منطقة النبطية أمس الاول، استمرت في الساعات الماضية، ولاسيما مع لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أفادت مصادر المعلومات بأنّها تواصلت مع الجانب الإسرائيلي لاحترام وقف إطلاق النار.
ووفق هذه المعلومات، فإنّ الجانب اللبناني لم يتبلّغ مواقف حاسمة بل تلقّى وعوداً بالتدخّل ومعالجة ما استجد من تطوّرات، من دون أن ترقى هذه الوعود إلى ترجمة جدّية والتزام بلجم إسرائيل ووقف اعتداءاتها بصورة نهائية.
ونُقل عن مسؤول رسمي رفيع شكواه أمام بعض المقرّبين، ممّا سمّاه «التراخي في لجم إسرائيل، وعدم جدّية الوعود التي تُقطع»، وقال: «كل الأطراف على علم ويقين بأنّ لبنان ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار وبكل مندرجات القرار 1701، ولم يصدر من الجانب اللبناني أي خرق منذ اعلان الاتفاق في تشرين الثاني الماضي، فيما إسرائيل تضرب الاتفاق عرض الحائط، وما أخشاه هو أنّ ما حصل من عدوان على منطقة النبطية بالأمس، وما سبقه من اعتداءات يوميّة على اكثر من منطقة لبنانية وخصوصاً في الجنوب، يمكن أن يحصل في أي مكان في لبنان طالما لا يوجد رادع لإسرائيل عن الاستمرار في اعتداءاتها واستباحتها للسيادة اللبنانية».
وفي وقت كثر فيه الحديث عن زيارات محتملة لموفدين أميركيين إلى لبنان، ولاسيما لنائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الاوسط مورغان اورتاغوس، التي قيل إنّها قد تحمل معها خطة جديدة لخفض التصعيد وتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار، أبلغت مصادر عين التينة إلى «الجمهورية» قولها: «بمعزل عمّا إذا كانت هذه الزيارات ستحصل أم لا، فالمسألة مرتبطة بما إذا كانت هناك جدّية في احترام اتفاق وقف اطلاق النار وإرادة حقيقية في تطبيقه على النحو الذي يُلزم إسرائيل بالتقيّد به».
وقالت المصادر: «نحن من جانبنا ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار، ولم يبدر من قبل لبنان وتحديداً من قبل «حزب الله» أي خرق له، والجيش اللبناني يقوم بواجباته على أكمل وجه في منطقة جنوب الليطاني بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» التي قدّمت بالأمس شهادة على ذلك بإعلان قائدها العام الجنرال ارولدو لاثارو بأنّ احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية وانتهاكاتها المستمرة هي التي تشكّل العائق أمام فرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها في الجنوب. وفي مقابل ذلك تتفلّت إسرائيل منه، بتغطية ضمنية وعلنيّة لها وتحديداً من قبل الاميركيين، وليس صعباً على أحد التيقّن من أنّ اتفاق وقف اطلاق النار يصبح سارياً فعلاً، عندما تقرّر الولايات المتحدة الاميركية ان تكون جادة في دفع إسرائيل إلى احترامه والالتزام به».
ونقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه تكراره «انّ اسرائيل من خلال اعتداءاتها تسعى إلى فرض واقع جديد على لبنان، تُظهر من خلاله أنّ يدها هي العليا، وأنّ في مقدورها، من خلال تكثيف اعتداءاتها، أن تجرّ لبنان إلى التطبيع معها، وهو ما لن يحصل على الإطلاق، ذلك انّ التطبيع مع إسرائيل خيانة».
وبحسب الزوار، فإنّ بري، ورداً على سؤال عن سبب عدم الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، أكّد «اننا ملتزمون باتفاق وقف اطلاق النار، ولبنان لن ينجرّ إلى ما تريده إسرائيل، فسلاحنا في هذه المرحلة هو الصبر، وبهذا الصبر نقاتلهم».
تطمينات غربية
إلى ذلك، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»، أنّ ديبلوماسياً غربياً أبلغ مجموعة من الاقتصاديين ورجال الاعمال اللبنانيين، أنّ لبنان مقبل في المدى المنظور على فترة رخاء، وقال ما حرفيته: «إنّ وضع بلدكم أشبه ما يكون في منحنى إيجابي، والتوترات التي تشهدونها بين حين وآخر، لن تبقى طويلاً في مسارها التصاعدي، بل هو مسار موقت، لن يبقى مستمراً على ما هو عليه، وخصوصاً انّ الوقت بدأ يداهم جميع أطراف الصراع. فثمة تطورات إقليمية ودولية تلوح في أفقها إيجابيات على مستوى المنطقة، ملمحاً في هذا المجال إلى الاتفاق النووي الأميركي- الإيراني الذي باتت احتمالات بلوغه كبيرة جداً».
ووفق ما نُقل عن الديبلوماسي الغربي، فإنّه سجّل ملاحظة إيجابية على التزام لبنان الكامل باتفاق وقف إطلاق النار ومندرجات القرار 1701. وأشاد في الوقت نفسه «بالجهد الذي يبذله الرئيسان جوزاف عون ونبيه بري، ولاسيما في مجال تثبيت الأمن والاستقرار، وتناغمهما الكامل حول انّ اللبنانيين يريدون الخلاص من أزمتهم الصعبة، ولم يعودوا يحتملون أي خضّات ولا تحمّل خسائر من أي نوع». وخلص في كلامه إلى إبداء الإطمئنان لمستقبل لبنان، «ربطاً بحرص المجتمع الدولي على أمن واستقرار لبنان ومواكبته في مسار الإنفراج الاقتصادي والمالي ضمن خطة عمل إصلاحية، مستفيدة من تجارب المراحل السابقة وما شابها من ثغرات وارتكابات وتفشي الفساد. فكلّ ذلك يبعث على التفاؤل بأنّ وضع لبنان سيتغّير إلى الافضل، وانّه مقبل على إيجابيات وانفراجات، والامور فيه ستستوي بالشكل الذي يتوق إليه اللبنانيون».
انتخابات الشمال
على صعيد الاستحقاق البلدي والاختياري في الشمال وعكار، تسود حال من التأهّب لإتمام الانتخابات في أجواء مكتملة المواصفات الأمنية واللوجستية. وقال وزير الداخلية أحمد الحجار امام وفد نقابة المحررين أمس: «إننا اردنا من الانتخابات أن تشكّل الرسالة الاولى من العهد الجديد إلى المجتمع الدولي عن الجدّية في إتمامها، فكانت أولى محطاتها ناجحة بكل المقاييس». مشيراً الى «أننا مصممون على ان تكون انتخابات نموذجية» ، وقال: «لن ندخر جهداً لإتمام العملية في أفضل الظروف». لافتاً إلى انّ «من المنطقي أن تكون انتخابات بيروت أم المعارك فهي عاصمة الوطن»، مؤكّداً بذل الجهود الممكنة على أكثر من صعيد لإتمامها بما يضمن حقوق جميع البيروتيين.
وفي هذا السياق، دعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، في بيان المواطنين إلى «التجاوب مع تدابير أمنية استثنائية، تشمل إقامة حواجز ظرفية وتسيير دوريات، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، بهدف ضمان حسن سير العملية الانتخابية يوم الاحد (غداً) ضمن نطاق محافظتَي لبنان الشمالي وعكار، موضحة أنّ التدابير للحفاظ على أمنهم وسلامتهم، ولتمكينهم من التعبير عن آرائهم في صناديق الاقتراع، ضمن أجواء من الحرّية والديموقراطية».