على مساحة 25 كيلومتراً مربعاً، على السفوح الغربية لجبل الشيخ تمتد مزارع شبعا في الجنوب الشرقي للبنان. هذه المنطقة التي تقع عند مثلث حدودي بين لبنان، سوريا، وفلسطين المحتلة، تبقى نقطة الاشتباك السياسي والاستراتيجي الأهم في النزاع الحدودي بين لبنان وسوريا.
فعلى الرغم من أن الوثائق العثمانية وتلك التي تعود إلى مرحلة الانتداب الفرنسي تظهر هوية المزارع اللبنانية، إلا أن سوريا ولعقود مضت، لم تقدم جواباً حاسماً حول حقيقة ملكيتها للمزارع أو اعترافت بملكية لبنان لها.شبعا عقدة الترسيمتُعد مزارع شبعا واحدة من أكثر القضايا الحدودية تعقيدًا بين لبنان وسوريا، إذ تداخلت العوامل التاريخية والسياسية مع المصالح الإقليمية والدولية، ما جعل هذه البقعة الجغرافية الصغيرة محور نزاع مستمر.
في الجغرافيا، يؤكد الخبراء أن المزارع جزء من قضاء حاصبيا في محافظة النبطية الجنوبية، وهي تقع بمحاذاة الجولان السوري المحتل، وأنها كانت ضمن الحدود اللبنانية عند رسمها عام 1923 بين لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي. كما يعتمد لبنان على شهادات سكان المزارع الذين يؤكدون أنهم كانوا يدفعون الضرائب للحكومة اللبنانية قبل احتلالها. بعد الاستقلال، لم تُستكمل عملية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ونتيجة للظروف السياسية في المنطقة، بقيت المزارع ضمن الإدارة السورية حتى عام 1967، حين احتلتها إسرائيل بعد حرب حزيران، واعتبرتها جزءًا من الجولان السوري المحتل. أصر لبنان على أن هذه الأراضي لبنانية، لكن سوريا لم تقدم موقفًا رسميًا حاسمًا يدعم هذه الرواية أو ينفيها، حتى العام 2000.الموقف السوري الذي استمر منذ ما بعد حرب النكسة وطيلة حكم حافظ الاسد، كان ورقة بيد دمشق تستغلها كواحدة من أوراق القوة في لعبة التوازنات الاقليمية، وفي وجه إسرائيل من خلال الابقاء على ذريعة مقاومة الاحتلال في جنوب لبنان. مقاومة تحولت بعد إنهاء النشاط الفلسطيني المسلح إنطلاقا من جنوب لبنان، الى مقاومة إسلامية لبنانية إسمها حزب لله مدعومة من إيران، وحليفة للنظام الحاكم في سوريا. وهكذا بقيت هوية المزارع المعلقة أحد الأسباب التي تذرعت بها إسرائيل للإبقاء على إحتلالها منذ العام 67، باعتبار أنها جزء من الجولان الذي ضمته بشكل غير قانوني عام 1981.النزاع المفتوحعندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، رفضت الأمم المتحدة اعتبار المزارع جزءًا من الأراضي اللبنانية المحتلة، ورأت أنها تابعة للجولان المحتل، فجاء موقف الجانب السوري، رداً على الأمين العام للأمم المتحدة على لسان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي قال إن "سوريا تدعم ادعاء لبنان بأن مزارع شبعا لبنانية". وكان ذلك في رده على ما أثير حول ترسيم الحدود وأن إسرائيل إنسحبت من الأراضي اللبنانية المحتلة. فيما كان لبنان يطالب بأن يشمل الانسحاب تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. وفي كانون الثاني 2006، كان موقف للرئيس بشار الأسد أعلن فيه أن مزارع شبعا لبنانية، لكنه شدد على أن "ترسيم الحدود يكون بعد انسحاب إسرائيل من هذه المنطقة".
على الرغم من هذين التصريحين بقي النزاع مفتوحًا، ما أبقى هوية المزارع المعلقة شوكة في خاصرة ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، والعقدة الأبرز. وبنتيحة هذا الواقع، استغل حزب الله هذه القضية إلى جانب قضية استمرار إسرائيل باحتلال تلال كفرشوبا، والجزء الشمالي من بلدة الغجر، للإبقاء على السلاح والعمل المقاوم لإسرائيل. كما أن اسرائيل لم تعتبر نفسها معنية بقضية لبنانية المزارع والمطالبة بانسحابها منها، ما دامت تعتبرها جزءاً من الجولان وما دام هناك التباس حول هويتها. فالأمم المتحدة، تشدد على ضرورة حل هذه المسألة عبر إتفاق لبناني سوري رسمي يحدد هوية المزارع بشكل واضح، قبل أن تتخذ موقفًا حاسمًا لصالح لبنان.لحل النزاع، يرى بعض المحللين أن ترسيم الحدود بشكل رسمي بين لبنان وسوريا هو الخطوة الأولى والأساسية. فإقرار دمشق بوثائق رسمية بلبنانية المزارع من شأنه أن يعزز الموقف اللبناني أمام المجتمع الدولي، ويفرض على إسرائيل الانسحاب. وإلى هذه التطورات برز موقف الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عقب لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، والذي أعاد فيه التأكيد على مواقفه السابقة من أن مزارع شبعا غير لبنانية. وهي مواقف درج عليها جنبلاط منذ العام 2000، وإنضم إليه بعض الفرقاء اللبنانيين الذين كانوا يرغبون بالتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع اللبناني الإسرائيلي والعودة إلى اتفاقية الهدنة بين البلدين.القطبة المخفيةفي الاجتماع الذي عُقد في جدة، والذي جمع بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، تمحورت النقاشات حول تعزيز التعاون الأمني وضبط الحدود بين البلدين. واتفق على نقاط ثلاث: أولى تتعلق بتشكيل لجنة مشتركة بين البلدين للتعاون والتنسيق في ضبط الحدود.
النقطة الثانية تتعلق بتسهيل إنتقال المزارعين ما بين البلدين، في حين نصت النقطة الثالثة على الاتفاق على البدء بالتواصل من أجل ترسيم الحدود، من دون أن يتم الاتفاق على إطار عمل أو مهلة زمنية. "ما حصل في جدة هو إعلان نوايا ليس أكثر"، قالت أوساط مطلعة لـ"المدن". وإعلان النوايا هذا استكمل البحث فيه في باريس خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد عبر تقنية الفيديو بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس اللبناني جوزاف عون والرئيس السوري أحمد الشرع.تم التشديد على أهمية حسم التباين الحدودي التاريخي بين لبنان وسوريا عبر المباشرة بترسيم الحدود البرية والبحرية، وتذليل العقد الاساسية في ملف الترسيم، لاسيما تلك المتعلقة بالهوية النهائية لمزارع شبعا، حتى وإن لم تذكر المزارع بالاسم في الاجتماع الثلاثي. الامر الذي لا يمكن أن يحصل إلا عبر التنسيق الجدي والعملي بين الطرفين: "فالتنسيق والتعاون الأمني والسياسي والإجرائي الميداني من خلال لجان متخصصة جدية لحل النزاعات الحدودية التاريخية على طول حدود ال 370 كلم بين لبنان وسوريا، يضمن أمن الحدود المشتركة، على مستوى تهريب السلاح والمخدرات والبشر بالاتجاهين، يقطع خطوط الإمداد لحزب الله، ويمنع قيام بؤر أمنية عسكرية تدور في فلك الحزب أو غيره من المجموعات، بشكل يؤسس لمنطقة حدودية منزوعة السلاح، إلا من السلاح الشرعي عند جانبي الحدود".وفيما خص مزارع شبعا، العقدة الحدودية الأبرز، أوضحت الأوساط في حديث إلى "المدن" أن تفنيد إشكاليات الحدود بين لبنان وسوريا، لم يتم لا في اجتماع جدة، ولا في قمة باريس، وتحديداً لم يتم التطرق إلى قضية مزارع شبعا بالاسم. لكن الاتفاق على أهمية بدء العمل من ضمن لجان لحل إشكالية الحدود اللبنانية السورية برعاية سعودية ودعم فرنسي، يسقط كل المحظورات، بغض النظر عن جدية النوايا السورية بالتعاون في حسم هوية المزارع، وتقديم ما لدى السلطات السورية من وثائق تثبت لبنانية المزارع أو سوريتها، لنزع واحدة من الاوراق من يد إسرائيل التي ترفض وضع قضية المزارع على طاولة أي تفاوض يتعلق بالنقاط المتنازع عليها مع لبنان، باعتبار أنها حسمت ملكيتها السورية كجزء من الجولان الذي ضمته وتحتله منذ العام 1967. إذا كانت هناك من نية سورية لغض الطرف عن قضية المزارع، تبقى هذه القضية في المقابل، ضمن أولويات الرئيس عون. وهو كشف أنه ناقش ترسيم الحدود مع سوريا، بما في ذلك مزارع شبعا، في خلال لقائه الرئيس الشرع على هامش أعمال القمة العربية الاستثنائية في القاهرة. بناءً على ذلك، ستكون مسألة مزارع شبعا جزءًا من المناقشات الأوسع حول ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. إن لم يكن على جدول أعمال الجانب السوري، حكماً في صدارة بنود جدول أعمال أي نقاش تحت عنوان ترسيم الحدود، سيباشره الجانب اللبناني مع الجانب السوري.