أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، موجة من الاستنكار والتحذيرات على مستوى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والجنائية الدولية التي نددت بالقرار متعهّدة بمواصلة العمل على "إحقاق العدالة"، والوقوف إلى جانب موظفيها، داعية "الدول الأعضاء والمجتمع المدني وجميع دول العالم إلى الوقوف متحدين من أجل العدالة وحقوق الإنسان الأساسية".
تقويض القانون الدولي
وحذّرت 79 دولة من الدول الأعضاء في الجنائية الدولية، اليوم الجمعة، من أن العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذه المحكمة "تزيد من خطر الإفلات من العقاب على أخطر الجرائم، وتهدّد بتقويض سيادة القانون الدولي".
وقالت الدول الأعضاء، في بيان مشترك، أُعدّ بمبادرة من سلوفينيا واللوكسمبورغ والمكسيك وسيراليون وفانواتو، ووقّعت عليه خصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا وجنوب أفريقيا والسلطة الفلسطينية وكندا وتشيلي وبنما، إنّه "باعتبارنا من المؤيدين الأقوياء للمحكمة الجنائية الدولية، فإنّنا نأسف لأيّ محاولة لتقويض استقلال المحكمة".
"الأمم" تدعو لإلغاء القرار
وطالبت الأمم المتحدة من الرئيس الأميركي العدول عن قراره. وأعربت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، عن الأسف الشديد إزاء العقوبات الفردية التي أُعلنها ترامب، مطالبة بالرجوع عن هذا التدبير.
وأعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، عن قلقه إزاء قرار ترامب، داعيا لإلغائه "فورا".
وأبدى المكتب في بيان، اليوم الجمعة، دعمه الكامل لعمل المحكمة الجنائية الدولية المستقل في جميع القضايا التي تقع ضمن نطاق اختصاصها القضائي، مشيراً إلى أن "الجنائية الدولية" تحظى بدعم ثلثي دول العالم وتُعد "مؤسسة محورية" في نظام العدالة الجنائية الدولية.
وشدّد على الدور الأساسي للمحكمة الدولية في تحقيق العدالة والمساءلة عن أخطر الجرائم المرتكبة في أوكرانيا، والسودان، وميانمار، والأراضي الفلسطينية المحتلة وأماكن أخرى، لافتاً إلى ضرورة أن تكون المحكمة قادرة على أداء عملها بشكل مستقل، مؤكداً أن "الجنائية الدولية" تشكل جزءاً أساسياً من البنية التحتية لحقوق الإنسان.
وقالت رئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون ديرلاين، إنّ المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن تكون قادرة على مواصلة مكافحة الإفلات من العقاب عالمياً بحرّيّة.
وأضافت أنّ المحكمة تضمن المساءلة عن الجرائم الدولية وتمنح الضحايا صوتاً في أنحاء العالم.
بدوره، حذّر رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا، من أن هذه العقوبات قد تهدّد استقلالية الهيئة.
وكتب على "إكس"، أن "فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يهدّد استقلالية المحكمة ويقوّض المنظومة القضائية الجنائية الدولية بنطاقها الواسع".
رفض دولي
واعربت هولندا التي تستضيف مقر الجنائية الدولية في لاهاي، عن "أسفها" من قرار ترامب. وتعهّد رئيس وزرائها ديك شوف، أن سيسعى بلده لضمان استمرار عمل الجنائية الدولية، فيما أكد وزير خارجيته كاسبار فيلدكمب عبر منصة إكس أن "عمل المحكمة أساسي من أجل المعركة ضد الإفلات من العقاب".
من جهته، قال المستشار الألماني أولاف شولتز، إن الرئيس الأميركي ترامب أخطأ في فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، لأنها تهدد مؤسسة مهمة.
وأضاف في تجمع انتخابي: "العقوبات أداة خاطئة. إنها تهدد المؤسسة التي من المفترض أن تضمن عدم قدرة المستبدين في هذا العالم على اضطهاد الشعوب وبدء الحروب، وهو أمر مهم للغاية".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، إن برلين ستظل داعمة للمحكمة الجنائية الدولية، مضيفاً "ليس واضحاً ما الذي تعنيه عقوبات ترامب على المحكمة".
وأضاف "لن نفاجأ إذا اجتمعت بعض الدول اليوم في نيويورك للتعبير عن دعم المحكمة".
وأكدت باريس دعمها للجنائية الدولية، وقال متحدث باسم الخارجية الفرنسية: "فرنسا وشركاؤها سيعملون على ضمان استمرار قدرة المحكمة على أداء مهمتها بطريقة مستقلة ومحايدة".
وعبّرت لندن عن دعمها استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى انها لا تعتزم فرض عقوبات على مسؤوليها.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بأن "هذا الأمر يخص الولايات المتحدة، أما بالنسبة إلى بريطانيا فإننا ندعم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي ليست لدينا خطط لفرض عقوبات على مسؤولين بعينهم في المحكمة".
أما إسرائيل، فأشادت بالرئيس الأميركي لخطوته هذه، واصفة المحكمة بـ"اللاأخلاقية".
وكتب وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر على إكس "أشيد بقوة بالأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس ترامب بفرض عقوبات على ما يسمى المحكمة الجنائية الدولية"، معتبراً أن قرارات الهيئة "لاأخلاقية وعارية عن أي أساس قانوني".