2025- 02 - 11   |   بحث في الموقع  
logo عن رفع الحد الأدنى للأجور.. هذا ما كشفه وزير العمل logo تحضيرًا لمناقشة مشروع قانون الإعلام المرئي والمسموع.. جولة مشاورات لوزير الإعلام logo باسيل: أثبتنا اننا نحن الأحرار ونحن السياديون ونحنا الاستقلاليون وشعارنا نفسه وهو حريّة سيادة استقلال (بعدسة الزميل جورج الفغالي) logo شو الوضع؟ باسيل يكرّس الإنتقال إلى المعارضة "الإيجابية"... والحكومة تأخذ صورتها التذكارية logo غالانت:نتنياهو يخشى مواجهة محتملة مع حزب الله logo ثروة ماسك تنخفض إلى ما دون الـ400 مليار دولار logo وزراء الكابينيت يدعمون خطة ترامب لتهجير قطاع غزة logo السماح بدخول البضائع السورية لتركيا.. أنقرة المستفيد الأكبر
المسافة الرمادية بين الدِّين والشِّعر
2025-01-21 11:55:49

لم أختبر الجلوس داخل قفص الإيديولوجيا إلا لفترة وجيزة جداً، لذلك لا أفهم تماماً سيكولوجية المتدينين. ما تعريفهم للدين؟ كيف ينظرون إلى الآخرين؟ على أي أساس يرسمون خطاً فاصلاً بين ما هو حلال وما هو حرام في حياتهم اليومية؟ كيف يضعون عقيدتهم كل يوم في امتحان مع أسئلة جديدة؟ كيف يعرفون إن كانوا يلتزمون حقاً بتعاليم دينهم أم يأخذون منه ما وافق هواهم؟ كيف يفوضون أمورهم لسلطات لا مرئية ولا سبيل لمحاسبتها؟ كيف وكيف... إلى آخر هذه الأسئلة المقلقة التي لا أجد لها جواباً، فأتركها كلها على مبدأ "لكم دينكم ولي دين". لكني، كغيري، وإن اخترت تجاهل هذا كله وتقبّل الناس بما هم عليه، لا أستطيع الهرب من تأثير أفكار الآخرين في حياتي. فكلما خطوت خطوة، ثمة عين تسعى إلى تنميطي في إطار معيّن، أو معاملتي على أساس انتمائي الذي لم أختره، أو محاسبتي على ذنب لم أقترفه، أو الاقتراب مني على أساس ديني أو مناطقي. على أي حال، لا يشغلني حقاً كيف يراني الآخرون إلا في إطار الضرر المخفي الذي قد تجلبه لي هذه الصورة.يربط شارل موريس (1889) بين الشعر والدِّين من زاوية الرمزية، إذ ينبع الإثنان من الذكاء الطفولي للشعوب، من الفطرة الأولى التي تبحث عن دلالاتها في الذات والمحيط، من الرغبة في الماوراء المُنجّي، من الحاجة إلى الراحة التي يوفّرها شعور أبوي علويّ ما. لكن، وعلى عكس الدين، فإن الشِّعر، لا سيما الحديث منه، مفتوح ومتاح وبلا سلطة، أو على الأقل إلى حد ما. الفن بشكل عام أراه هكذا موازياً للدين، فيه نوع من العبادة الخلاقة الحرة وغير المتكلفة. عبادة الإنسان بعذاباته وضعفه ويأسه وقلة حيلته. عبادة الإنسان العاجز عن أن يكون إلهاً. وحين أفكّر هكذا لا أقصد الإساءة إلى أفكار الآخرين وعقائدهم، ولا التقليل من قيمتها بأي شكل. ولا أنفي أن موقفي المتسامح هذا جاء نتيجة خلل غيّرعقلي، بل قلبيّ، إذ أصابني وأنا على طريق ابن عربي وجرّني نحو جمال الصوفية التي وجدت فيها واحة أستطيع فيها أن أكون مسلمة ثقافياً وشرقية، من دون أن أتقيّد بأي قانون مجحف لا تقبله فطرتي الإنسانية السليمة ولا يثير حساسيتي العالية كامرأة لديها هوس بالعدالة والمساواة بين البشر ورفض أي نوع من التصنيف.لماذا الفن؟ الفن لأنه يقول الهامش، يصنع من الهشاشة قوةً، ومن الضعف جمالاً. الفن لأنه ذاكرتنا الإنسانية الموازية المفتوحة على الخيال: تاريخنا الذي كتبه شغوفون وبسطاء، لا ملوك وعظماء. ليتنا نعتنق الفن ونعلّمه لأجيالنا كي لا يقعوا في العصبيات. ليتنا نفتح لهم طريقاً في المقفل وغير القابل للنقاش. ليتنا نقول لهم إن أي فكرة لا تعلي من قيمة الإنسان، لا قيمة لها ولا قدسية. فلنعطهم ألواناً ليرسموا غدهم، وكلمات يصفّونها على هواهم، ونوتات يرتّبونها كما تحب آذانهم. ليتنا نربيهم بالفن والحب والخبز والعاطفة الحقّة والإحساس بالعدل. يرى أطفالنا كثيراً من وحشية هذا العالم وجشعه، ولا عدالته، يرون ويعيشون الكثير من التناقضات والكذب والخداع والانكسار والظلم، فليتنا نمنحهم هذه الحديقة الصغيرة كي يزهروا فيها.أنظر من النافذة القديمة إلى الخارج: ما زالت تثلج منذ أيام، لكن ذلك لا يزعجني. ما يزعجني هو فكرة البُعد والحاجة إلى شمس المتوسط التي أعطتني لون جلدي وعينيّ. أفكّر بأننا مُنحنا أجمل البلدان وأكثرها حزناً وجنوناً وأملاً في القيامة. أرسل صلواتي إلى وطني الصغير الجريح الذي دمرته يد الغدر الصهيونية، وجارته أمنا سوريا العظيمة وهي تذهب نحو نور جديد. أفكّر في غزة النازفة التي لم تصمد مدينة في التاريخ كما فعلت. أرسل ورود أفكاري إلى كل من سقط في مواجهة الاحتلال والأنظمة البائدة. لا بد أن غداً سيشبهنا، ولن يشبه الغزاة ولا الديكتاتوريين ولا المتطرفين ولا الأفكار المعلّبة. الحرية لنا وللعالم العربي من محيطه إلى خليجه. أما أنا، فرغم قسوة المنفى، سأقيم في هذه المسافة الرمادية بين الدين والشعر. المسافة الأليفة التي تحميني من برد الخارج وقهر الداخل.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top