لا يملك النازحون اليوم هرباً من الغارات الإسرائيلية، رفاهية الحصول على أقل الحقوق المنصوص عليها في الدساتير والقوانين الدولية، كحق الحصول على المياه، الطعام، والإيواء. ففي الحرب مع إسرائيل تسقط كافة الحقوق الإنسانية وليست شوارع بيروت ومناطق النزوح سوى دليل على ما يواجهه الهاربون من تحت القصف.
مشاهد افتراش المئات من اللبنانيين الشوارع والساحات العامة، كان كافياً لسرد العجز والتخبط المحيط بالوضع الاجتماعي والسياسي والأمني والعسكري، خاصة وأن عائلات بأكملها، اضطرت لترك منازلها خلال دقائق، ولم تجد أي مأوى لها، فكانت الأرض فراشهم، والسماء غطاءهم، وحتى من حالفه الحظ وتمكن من الحصول على مكان للإيواء، فإنه يواجه سلسلة من التحديات لتأمين أبسط مقومات العيش كالطعام والمياه وحليب الأطفال، وبعض اللوجستيات مثل الوسادات، الأغطية، والفرش.تحديات جمةفي غرفة لا تتعدى مساحتها 9 أمتار مربعة، تعيش عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء بالإضافة إلى مسنّة، نزحوا من منطقة عيترون الجنوبية إلى العاصمة بيروت، وتحديداً إلى إحدى المدارس الرسمية. تقول الأم (فضلت عدم الكشف عن هويتها): "حالفنا الحظ بالحصول على مأوى رغم أننا نعاني من نقص كبير في الأدوات الأساسية كالحصول على أغطية ووسائد، بالإضافة إلى بعض المواد الخاصة بالتنظيف، لكن وبحسب تعبيرها، فإن هذه الأشياء بسيطة، مقارنة مع من يقضي ليلته في السيارات والشوارع العامة".
النقص الحاصل في تأمين اللوجستيات الأساسية، ليس وليد الصدفة، أو نتيجة الطلب المتزايد وحسب، فقد لعبت بعض العوامل الاقتصادية في السنوات الماضية دوراً في تقليص الإنتاج بعد إقفال العديد من المصانع، بالإضافة إلى انخفاض الاستيراد بسبب الدولار الجمركي، واليوم، يدفع اللبنانيون جميعاً ثمن التدهور الاقتصادي منذ سنوات، بأشكال مختلفة.الأغطية والفرشيواجه السوق اللبناني، نقصاً حقيقياً في تأمين الفرش والأغطية للنازحين، ومن استطاع الحصول على هذه الأدوات اللوجستية، فإنه مضطر لشرائها بثمن مرتفع. وقد شهدت أسعار الأغطية والفرش في الأيام الماضية ارتفاعات لافتة، فوصل سعر الفراش الاسفنج الواحد إلى ما بين 40 و50 دولاراً، فيما لم يكن السعر منذ أسبوع تقريباً يتحاوز 10 دولارات، وحتى 8 دولارات. أما بالنسبة إلى الأغطية، فقد ارتفع سعرها من 4 و6 دولارات، إلى 15 و20 دولاراً، كذلك الحال بالنسبة إلى الوسادات والتي ارتفعت من 4 دولارات إلى 14 دولاراً، ومن المرجح ارتفاعها مجدداً، بعدما لفت وزير البيئة ناصر ياسين إلى أن عدد النازحين في لبنان وصل إلى مليون نازح، ما يعني أن الضغط على المواد سيرتفع بطبيعة الحال.المواد الصحيةالهروب من الموت، وإن كان الهدف الأسمى للحياة، لكنه غير كاف، عندما لا تستطيع العائلات الحصول على أبسط السلع الضرورية، فعدد من العائلات في مراكز الإيواء تواجه تحديات للحصول على مواد صحية منها الفوط الصحية الخاصة بالنساء وأخرى تتعلق بالعناية الخاصة بالنظافة العامة.
في بعض المحال التجارية، ارتفع سعر هذه المواد بنحو الضعفين. تقول مريم سعد لـ"المدن" إحدى النازحات إلى العاصمة بيروت، "بإنها اضطرت إلى البحث بالمحلات التجارية للحصول على بعض المواد الصحية لكنها لم تفلح بسبب انقطاعها".
وتخشى سعد من تكرار سيناريوهات المآسي الإنسانية للحروب التي تجري في المنطقة لاسيما في غزة، وأن تختفي الكثير من السلع الأساسية لاحقاً. وبحسب سعد فإن ما يعيشه اللبنانيون اليوم مختلف كثيراً عن أي حرب مرت بتاريخ البلاد. تقول "تختلف أوزار هذه الحرب عن ما حصل في العام 2006 على سبيل المثال. فعلى الرغم من ارتفاع الأسعار حينها، إلا أن الدولة كانت قادرة على تأمين الكثير من المستلزمات، ناهيك أن اللبنانيين لم يواجهوا مشكلة في السيولة كما هو حاصل اليوم، بعد احتجاز مدخراتهم".المياه أيضاًوأليس بالماء يحيا الإنسان؟ لكن في لبنان، حتى الماء بات مقنناً، ففي إحدى مناطق العاصمة (المصيطبة) انقطعت مياه الخدمة المنزلية، وهو ما دفع العديد من سكان المنطقة والنازحين إليها لشراء المياه من الصهاريج المخصّصة لبيعها، التي قفزت أسعارها بشكل جنوني، بحسب سماح الزين التي انتقلت من منطقة الضاحية الجنوبية مؤخراً. وتقول لـ"المدن" تسبب انقطاع المياه لأكثر من يومين في معاناة كبيرة للسكان وللنازحين، وهو الأمر الذي استغله أصحاب الصهاريج برفع سعر 10 براميل ماء من 400 ألف إلى مليون و300 ألف ليرة. وتخشى الزين من ما تعتبره جنون الأسعار، خاصة إن طال أمد النزوح بسبب الحرب.السلع الغذائيةحتى الأن، لا تزال أسعار السلع الغذائية مستقرة نسبياً، إن صح التعبير، أقله في بيروت. فالبضائع متوافرة في المحال التجارية والسوبرماركت، وتسعى وزارة الاقتصاد إلى طمأنة الناس حول وجود كميات وفيرة من السلع والمواد الأساسية للفترة القادمة لكن الخوف من تطور سيناريوهات الحرب، والحديث عن حصار عسكري، أو ما شابه، دفع الكثير من المواطنين إلى شراء كميات كبيرة من السلع بهدف تخزينها، فشهدت أسعار بعض السلع ارتفاعات في مناطق مختلفة.
ويشير حسن الشامي وهو من سكان العاصمة، إلى أنه تفاجأ بأسعار بعض المواد الأساسية مثل الزيت، الطحين، المعكرونة والمعلبات، التي شهدت تباين في أسعارها بين المحال التجارية الكبرى في العاصمة بيروت. الشامي اضطر لشراء بعض السلع وتخزينها، إذ وبحسب تعبيره، يستضيف في بيته بعض الأقارب، ويخشى من تدهور الأوضاع، خاصة وأن الحكومة لاتزال عاجزة عن مساعدة النازحين والمواطنين على حد سواء.
على الرغم من أن أجواء الحرب كانت تلوح في الأفق منذ أشهر، إلا أن خطط الطوارئ لم تكن بتلك الجهوزية الكافية لاستقبال هذه الأعداد الهائلة من النازحين وتأمين المستلزمات الرئيسية لهم، أو حتى لمواجهة جشع التجار. لذا يشعر الكثير من المواطنين وحتى من يضطر إلى ترك منزله بصورة مفاجئة، بغياب الرقابة الفعالة، والاهتمام الكافي لمواجهة تداعيات الحرب، وهم يواجهون اليوم واحدة من أسوأ الأزمات التي مرت على لبنان.