2024- 06 - 15   |   بحث في الموقع  
logo "حادث خطير"... مقتل 8 جنود إسرائيليين في غزة! logo "بالعصي والسكاكين"... إشكال بين شبّان في بلدة لبنانية! logo شهيدٌ إثر استهداف دراجة نارية في محيط بنت جبيل (فيديو) logo افتتاحية “النهار”: هوكشتاين الى إسرائيل وتصاعد التحذيرات الأميركية logo افتتاحية “الجمهورية”: التوافق رَهن بدعم الخارج وتجاوب المتردديـن logo الصحة العالمية تحذر من تفاقم الأزمة الصحية في الضفة الغربية logo عشرات الشهداء والجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة logo "خطيرة جداً"... ماكرون يتحدّث عن "قضايا كبرى موضع اختبار"
"خارجة عن النص- أصوات نساء من بعلبك"...حيلة الصمت
2024-05-22 12:26:03

لست على ثقة إذا ما كانت هذه المادة هي عن محض كتيّب "خارجة عن النص - أصوات نساء من بعلبك" (منشورات مكتبة ومقهى مَيْلي) أو أنها عن فكرة النص بعامة. ولعل المتعة الكتابية بالإجمال تنحصر أكثر ما تنحصر في هذه الـ"لست على ثقة..."، في اللا-يقين وفي السير إلى حيث تقودنا الدروب.لا تدعونا نصوص هذا الكتيّب الصغير (50 صفحة) إلى أمر بعينه ولا تدّعي اجتراح الأعاجيب في دنيا الكتابة، فالكتابة هنا هي أقرب إلى حالة مرتبكة من الصمت ـ إذا ما أردنا أن نستعير الأميركي شتاينبك – صمت متردد، حذر لكنه هنيء لا يعكّر صفوه ضجيج البديهيات المتداولة في البيئة الاجتماعية لكاتبات هذا الكتيّب، أي مدينة بعلبك ومحيطها. فنحن هنا إزاء نمط من الكتابة هو أقرب إلى التلميح تارة وأقرب إلى المباشرة تارة أخرى. بيد أن ما يجمع كل من النمطين، تلك الدعوة الصريحة للرجل كي يأخذ إجازة من كونه طوال الوقت بطلاً.يتكلم أهل النقد النسوي عن الـpalimpsestic self أي الذات التي تمّ تحويلها إلى لوح فارغ لا يني المجتمع عن الكتابة فوق صمته ثم تعديل ما كُتب ليُعاد فيُكتب من جديد وهكذا دواليك كل الوقت بما يتناسب مع السردية الذكورية السائدة. غالباً ما تتحول الكتابة فوق ذلك اللوح الصامت إلى شيفرة ثقافية تؤسس لترسيخ المتداوَل تاريخياً حيال النظرة إلى الحياة، إلى العالم، إلى الآخرين وإلى المرأة بشكل خاص، فضلاً عما يرافق ذلك التشفير من وجوب التقيد بسلوك جسدي معيّن وصولاً إلى نظرات العيون!! إنما اللغة، وهو ما غفل عنه أهل الكتابة فوق هذا اللوح، مزدحمة دوماً بنوايا الآخرين، على حدّ قول ميخائيل باختين العالم اللغوي الروسي الشهير. ومن النافل أن الآخر هنا هو المهمش، المراقَب، الخصم فضلاً عن المرأة حكماً.
يتساءل المرء إلى متى تستطيع اللغة أن تكون آداة ضبط ووسيلة إسكات mutedness ومعجم من كلمات التكبيل... يتساءل المرء عن المدى الذي تستطيع لغة السيطرة الوصول إليه، وفي البال دوماً مقاربات جوليا كريستيفا حيال هذه الأمور.في كلامها عن اللغة كواقعة غير قابلة للتحديد تستعمل العزيزة كريستيفا كلمة Chora وهي تقتبس هذه الكلمة من محاورة Timaeus لأفلاطون والتي تشير في أحد سياقاتها إلى ذلك الوعاء المرتبط بأجساد الأمهات... ومَنْ منا لم يسمع في عمره العبارة التالية: اللغة الأم؟!! هو وعاء غير قابل للتسمية، غير محدّد المعالم والجهات... إنه هجين، متناثر الهوية وسابق على كل تسمية أو ولاء أو توصيف.كلمتنا كريستيفا بهذا الأمر لتقول لنا أن أكثر ما يعزز العودة إلى اللغة كواقعة غير منضبطة هو كسر ذلك التسلسل الهرمي للعلاقة بين الكلمة ومعناها المعزز تاريخياً في مجتمع من المجتمعات وعبر جهة من الجهات، دينية كانت أو سياسية أو عسكرية أو حزبية. فكيف الحال إذا ما جمعتْ جهة واحدة كل من تلك الصفات! لا أحد يملك اللغة.... بالحقيقة على المرء أن يكون قوياً ليتمكن من رفض التملّق لله (تيري إيغلتون – عن الشر). أما في حالة "خارجة عن النص"، فعلى المرأة أن تكون أقوى لرفض التملّق لوكلاء الله على الأرض وذلك عبر كسر تلك الهرمية بين كلمات وكلاء الله هؤلاء ومعاني هذه الكلمات كما هي مترسخة تاريخياً.إن اللغة في هذا السياق الأخير، سياق زعزعة الثوابت والهرمية، تكفّ عن أن تكون محلّ ذلك الضبط التاريخي بل تراها – وبالعودة إلى جوليا كريستيفا – سابقة على كل احتواء أو تعيين بعينه.ربما نحن مع "خارجة عن النص" إزاء رحلة أخرى للكلمات، أنماط نصية تأبى الاستقرار... لست أدري. ربما نحن في هذا المحل إزاء متعة من نوع آخر، متعة الإنصياع لفوضى العالم بالمعنى الجميل لكلمة فوضى.بالنسبة إلي، إن النص والنص الأدبي بشكل خاص، هو محاولة من الكاتب أو الكاتبة لتكثيف مراكز الألفة في عالم يمور بكل ضروب الوحشة والغربة. وفيما يتعلّق بـ"خارجة عن النص" إن متنه الأعم بالإجمال هو محاولة لتكثيف الألفة مع الشَعر الذي يلاعبه الهواء، مع النظر إلى الجسد دون الوقوع في براثن سرديات الحلال والحرام... ألفة تؤسس لصحبة مع حبّات الكرز كما جاء في إحدى قصص الكتاب وصولاً لإلفة أن نطلق العنان للكلمات. فالقدرة التنبؤية للكلمات في المجتمعات التي تنساق مع سطوة الأبويات تصير محل تيه عندما تتحرّر هذه الكلمات من كل سطوة... تيه منفتح على كل غريب، على كل ابتكار وعلى كل شبق.تعي النصوص غير المستقرة أن كل كلمة بمتنها تكون مأهولة بكم هائل من الكلمات. فكل كلمة هي عندئذ معجم يفيض بجم الدلالات، لا بتلك الدلالة الواحدة المنضبطة والمهيأة سلفاً فوق ألسنة يتآكلها الصدأ. إن رغبة النص في أن لا يكون واحداً من جهة الدلالة والمعنى تكمن في ترحيل كلماته، في شحنها بصوت آخر وفي إسكانها في حيّز من المتاهة يضاد إمكان كبتها.قد تنطلي حيلة الصمت على ضجيج رجال بيئة "خارجة عن النص" بيد أن هسهسة كلمات نسوة تلك البيئة لا يني يفتت ذلك الضجيج المتزمت الفارغ والذي يملأ الأرجاء. فأن تكفّ الكلمات عن أن تكون غريبة عن معاناة تلك النساء، عن عواطفهن، رغباتهن، آمالهن ومعاناتهن... فإن للكلمات عندئذ صوتاً آخر. كان القديس أوغسطينوس يقول أن للكلمات تلك القدرة على مخاطبة ليس السمع فحسب إنما مخاطبة البصر أيضاً. فالكلمات في هذا المحل هي علامات شديدة المرونة تحدد وجود الكائن في هذا العالم الفضفاض.قد يكون النص، أي نص، في بعض متونه محاولة فرار من عيون المتلصصين وقد يكون عين شاسعة تختلس النظرات. وبخصوص نصوص "خارجة عن النص" فهي في بعض متونها جمع لكل من الحالتين. فأن تستودع كاتبة ما الكلمات أسرارها فهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن تُنزل هذه الكاتبة الكلمات من فوق الرفوف، أن تزيح الغبار عنها... أن تخرج الكلمات من "تتخيتة" أو عليّة ذهنها وفوق كل هذه الأمور إن مصادقة الكلمات عندئذ يمهّد الدرب أمام جنون من نوع آخر، جنون يهزأ بتلك العقول الأكثر صلابة من أعمدة قلعة بعلبك. في العام 1979 وضعت كل من الناقدتين النسويتين Sandra Gilbert وSusan Gubar كتاباً بعنوان The madwoman in the Attic (إمرأة مجنونة في العليّة) تطرقتا فيه إلى الكاتبات المغيبات في القرن التاسع عشر. ربما ذلك البوح الذي يتراوح بين المباشرة والهمس في كتيّب "خارجة عن النص"، وربما ذلك السعي الشبق لجعل الكلمة أكثر ملموسية، فضلاً عن الرسائل الأخرى التي تعتمل بين سطور هذا الكتيّب... ربما كل هذه الأمور تجيز موضعة نسائه في أفق نساء Gilbert و Gubar اللواتي قررن بكل جرأة الخروج من انغلاق "العليّة" إلى رحاب انفلات الكلمات.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top