2025- 06 - 21   |   بحث في الموقع  
logo شهيد بغارة إسرائيلية على بلدة برعشيت logo استهداف دراجة نارية “قرب حاجز للجيش”! logo شهيد بغارة العدو على برعشيت logo مقدمات نشرات الأخبار المسائية logo حصاد “″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الجمعة logo مطلوب بقبضة قوى الأمن في الشمال logo هذا ما جاء في مقررات جلسة مجلس الوزراء! logo إيران: لن نوقف تخصيب اليورانيوم ولكن التنازلات ممكنة
محمد بعلبكي في ذكرياته مع سعادة... "القومي اللاقومي"
2024-05-20 11:25:38

هناك فضول ما، من القارئ أو المتابع، لمعرفة "دراما" القوميي السوريين وعلاقتهم بالزعيم أنطون سعادة وبأسطرته وأيقنته. فكل يُدلي بدلوه، كأن في ذلك "سحراً" ما، كان في حياة زعيم القوميين، إمتدّ إلى ما بعد اعدامه. هو في حياته كان يعمل على "كاريزماه" وعلى إضفاء سحره وسطوته على الآخرين، أما لماذا سحره، فالأمر ربما يرتبط بالزمن وبالمرحلة و"الطروحات" وسط بلد خام يضج بالتيارات القومية الحالمة والرومانطقية.
الصحافي والنقيب محمد بعلبكي الذي كان عضواً في حزب "النداء القومي" العروبي، والبيروتي المولد والنشأة واللكنة وناشر صحيفة "كل شيء" الذي صار في مرحلة قومياً اجتماعياً، قبل أن "يرتدّ" إلى استقلاليته وصدره الرحب وقوميته الخاصة غير الحزبية، "اكتشف" شخصية الزّعيم أنطون سعادة خلال "المحاضرات" التّي كان يلقيها في أروقة ومنازل رأس بيروت السريّة. كان الزعيم ملاحَقاً وصدرت مذكّرة التّوقيف بحقّه. والسّلطة اللّبنانية، على زعم بعلبكي، كانت تفرض نوعاً من الحظر على أخبار أنطون سعادة في الصّحف وحتّى على اسمه. يعني كانت توحي للصّحف بذلك بصورة غير رسميّة، ولم تكن هناك إذاعات ولا تلفزيونات. يقول محمد بعلبكي: "بعدما استمعتُ إلى أنطون سعادة وعرفتُ شيئاً من أفكاره، طلبت إلى الصديق عبدالله (قبرصي) أن يكلّم الزعيم ليكتب مقالاَ أسبوعياً في "كل شيء"، ووعدني الأمين عبد الله بذلك. تردّد الزعيم في البدء تخوّفاً من أن يكون في الأمر فخّ، إلى أن جاء يوم أخبرني عبدالله أن الزعيم وافق على الكتابة، لكنه اشترط أن تُنشَر المقالات من دون توقيع. بدأت العلاقة من خلال سماع محاضرات، وانتقلت إلى التحدي ونشر مقالات أنطون سعادة: "نشرنا المقال الأول من دون توقيع الزعيم وكان عنوانه "الحزب القومي حزب أجنبي"، وقد وضعه سعادة بنفسه، فأثار عاصفة من الغضب لدى القوميين الذين لم يدركوا القصد منه وهو نفي التهمة التي راجت عن الحزب بأنه حزب نازي. ثم توالت المقالات أسبوعياً مذيَّلةً بتوقيع سعادة، وذلك بعد إلحاح مني. على أثر نشر المقالات فُصِلتُ من "حزب النداء القومي" لأن المسؤولين فيه لم يرق لهم أن يفرد عضو في الحزب صفحات جريدة يملكها لنشر أفكار حزب آخر".. ونشر بعلبكي مقالات لسعادة، منها بعنوان "العروبة أفلست"، وكتب غير مرة أن الجريدة مشرّعة لكل الآراء، وخصوصاً لمن هم أعضاء في "حزب النداء القومي". ويبرر أنه كان "مؤمناً بالحوار الفكري ومؤمناً بأن هذا الحوار هو السبيل الحضاري الأصح والأصلح لمحاولة بلوغ الحقيقة. فمن دون الحوار الصريح العلني الحر غير المقيد بأي قيد والمتنزّه عن أي عقدة نفسية أو فكرية سابقة، لا يمكن تفهّم الآخرين أو محاولة بلوغ الحقيقة، وأقول (محاولة) لأن بلوغ الحقيقة ليس بالأمر الهين. وإني أعتبر الحوار شأناً أساسياً في الحياة، خصوصاً بين اللبنانيين، وهذا الحوار ممكن أن يكون متسعاً لدرجة يشمل كل المواضيع التي يمكن أن تبحث في العالم العربي، وهذا البلد تبقى له قيمة إذا بقي الحوار فيه حراً وبقي له متسع عندنا".وتبرير النشر في عرف بعلبكي ليس مرتبطاً بحرية الرأي، أو ربما هذا التعبير لم يكن سائداً ودارجاً، وهو يعزو نشر الآراء المختلفة من أجل الحوار و"محاولة بلوغ الحقيقة"، ويبدو هذا التوجه سرمدياً نوعا ما، ربما انطلاقاً من سؤال يراود البعض: ما هي الحقيقة أصلاً، وهل من حقيقة في الواقع؟ والنافل أن محمد بعلبكي المتشبث بالحوار، تعرّف على أنطون سعادة في مرحلة طرد يوسف الخال وفايز صايغ من الحزب، واستقالة غسان تويني، وكان الطرد بسبب آرائهما. وأراء انطون سعادة في جريدة "كل شي"، ضد العروبة وضد الانعزالية اللبنانية، كان من نتائجها أن أقدم ساطع الحصري على وضع مؤلفاته في القومية العربية لتوضيح أسسها. وهذا برأي محمد بعلبكي بين "نتائج ايجابية من الناحية العامة". وهو كان ينشر للجميع "جورج حنا من أقطاب الحزب الشيوعي، والمهندس أنطون ثابت كذلك من أركان الحزب الشيوعي. وكان يكتب أيضاً العلامة الشيخ عبد الله العلايلي المعروف بإتجاهاته الفكرية"...
ومثل غيره من الشخصيات الثقافية، هشام شرابي أو خليل حاوي، يبدو بعلبكي مأخوذا بشخصية سعادة بعد "الجلسات الماراتونية الطويلة، وكانت بالحقيقة ذات أثر كبير في فكري في تلك الآونة، إذ أطلعتني على أفكار أخرى غير الأفكار التي كانت شائعة وغير الأفكار التي آمنت بها. وهذا دفعني إلى أن اتّبع الطريقة (الديكارتية) أي طريقة (ديكارت) الذي عمل وانطلق من الشك، في كل الأفكار السابقة إذ اعتمد ما يسمى (دابل راز)، وأن تقبل على المواضيع المطروحة بذهن متجرّد ومنفتح، لتفهم كل فكر آخر. يعني رجعت إلى اللاهوت؟ لكن لم تكن لدي الرغبة لإنكار الإيمان إنما رغبة في تفهّم الموضوع بشكل أعمق"... و"استمريت على هذا المنوال إلى أن حصل العام 1949 وأعني حادث اصطدام بين الحزب القومي وحزب الكتائب. إذ كان للحزب القومي جريدة اسمها "الجيل الجديد" وتطبع في مطبعة في مجلة الجميزة، وكان سعادة يتوجّه يومياً إلى هذه المطبعة، ليكتب مقاله الإفتتاحي في الجريدة من غير توقيع، وكان يشرف على شؤون الجريدة ويكتب المقال الذي يريد أن يكتبه. لكن ذات يوم حصل ذلك الاصطدام بين الكتائب وبين الحزب القومي، ووقع بعض الجرحى وتمكّن سعادة في أن يخرج من المطبعة ويعود إلى منزله. لكن أصدرت الحكومة يومئذ قراراً فورياً يحل الحزب القومي وملاحقة رئيسه وأركانه، مما جعل أنطون سعادة يتسلّل من لبنان ويلجأ إلى دمشق".
يومها صدر قرار متسرّع من الحكومة بحل الحزب السوري القومي الإجتماعي وملاحقة زعيمه وأركانه. هذه الملاحقة أدت إلى توقف سعادة عن نشر مقالات في "كل شيء" وفي هذه المرحلة كان الحزب القومي يحضر لانقلابه، واجتمع بعلبكي بأنطون سعادة في دمشق ولم يبح له بأي سرّ عن توجهه للانقلاب أو الثورة، إذ لم يكن حزبياً بعد، أو كان على أبواب انتسابه، وانتهى المسار بأن سلّم حسني الزعيم، "الزعيم"، بعدما وظّف تحركاته لاغراضه الشخصية والسياسية ضد النظام اللبناني، أوقعه في فخ أو مؤامرة وسلّحه بأسلحة فاسدة واشترط إعدامه من بعد تسليمه، بحسب ما يذكر بعلبكي، وفي الوقت الذي سُلّم فيه أنطون سعادة كانت جريدة "كل شيء" أول جريدة تنشر الخبر في صدر صفحتها الأولى...
وذكريات بعلبكي مع سعادة، على الرغم من أنها شهادة مهمّة عن مرحلة فيها الكثير من الالتباسات، لا تحمل أي جديد مختلف، ولا تتضمّن أي نقد للماضي أو اعترافات تؤخد في الاعتبار. فهي ملخص لعلاقة قصيرة بين رئيس أو زعيم الحزب القومي ومؤسسه، والصحافي "القومي اللاقومي" الليبرالي أو "نقيب التواصل" الذي كانت لديه صحيفة تستقبل آراء مختلف التيارات، القومية واليسارية والعروبية. والذكريات التي جمعها الناشر سليمان بختي، جاءت بصيغة محاضرة ألقاها بعلبكي في ضهور الشوير (مسقط رأس أنطون سعادة ومكان عرزاله)، وحوار نشره الصحافي رؤوف قبيسي في "النهار"، مكتوبة بشيء من التبسيط أو اللاتفاصيل من شخص عرف بجرأته وحواريته آثر أن يمضي بلا مذكرات رغم أنه أمضى زمناً طويلاً في الصحافة وسجن لسنوات طوال في المرحلة الشهابية بعد الإنقلاب القومي في بداية الستينات. وتبين الذكريات القصيرة مآل التوجه الحزبي القومي بمختلف تلاوينه المتصارعة والمتصادمة، اللبنانية والعربية والسورية، فكان التوجه البادي هو الميل إلى الخطاب الاستفزازي والالغائي، والتأسيس للمنطق الانقلابي الذي شهدت المنطقة فصوله طوال الخمسينات والستينات وحتى السبعسنات.

(*) "ذكرياتي مع أنطون سعادة" محمد البعلبكي، أعدّه وقدّم له: سليمان بختي، دار نلسن




المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top