2024- 05 - 06   |   بحث في الموقع  
logo كلمة للسيّد نصر الله بعد ظهر يوم الإثنين المقبل logo بيسكوف: يجب التحقق من صحة المعلومات الخاصة بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا logo حرب غزة تتسبب بخسائر كبيرة لـ"ستاربكس" logo طرد آلان عون من "التيار" محسوم..والحصار يشتدّ على كنعان logo 1.6 مليون شخص في حفلة مادونا الأكبر في البرازيل logo "غوغل" توقف تطبيق المدونات الصوتية "بودكاستس" logo السوريون "يسندون" القطاع الصحّي اللبناني: تخفيض الدعم يزيد الخطر logo اجتماع لـ”لجنة صندوق الزكاة”.. وتشديد على أهمية التضامن في هذه المرحلة
150 عاماً على المعرض الإنطباعي الأول...هيا إلى الهواء الطلق!
2024-04-26 11:55:44

قد يتساءل البعض إذا ما كان الحديث عن الإنطباعية ما زال ممكناً، على أساس كونها حركة فنية مضى على ظهورها عقود كثيرة. الإجابة، في نظرنا، نعم. إن ذلك ممكن، وسيبقى كذلك على الدوام ربما. فهذه الحركة إعتبرت ثورة في حد ذاتها، وقد كان لها الدور الأساس في تغيير وجه الفن، والدفع به في مسارات الحداثة، بعدما بقي يدور في أجواء عصر النهضة الأوروبية لقرون. هذا الحكم لا ينفي، بالطبع، دور عصر النهضة، الذي حرر الفن، في حينه، من قيود عديدة استمرت بدورها مئات السنوات، لكن العالم يتغيّر على الدوام، ولا بد من السير قدماً نحو آفاق جديدة.

هكذا، يحتفل متحف أورسيه الباريسي الشهير بمرور 150 عامًا على ظهور الانطباعية، بعدما اختار اليوم نفسه لإفتتاح المعرض الحالي. وبالفعل، ففي 15 نيسان 1874، افتتح أول معرض إنطباعي، وضم أعمالاً لمونيه ورينوار وديغا وموريسو وبيسارو وسيسلي وحتى سيزان، وهم الذين شاؤوا تحرير أنفسهم من القواعد سارية المفعول، عبر تنظيم معرضهم الخاص، من خارج القنوات الرسمية. كان النجاح غير مسبوق من وجهة النظر الفنية: لقد ولدت الانطباعية. يتتبع المعرض الحالي في متحف أورسيه، ظهور حركة فنية في عالم حافل بالمتغيرات، فقد كان المناخ السياسي، حينذاك، متوتراً في أعقاب الحرب الفرنسية - البروسية، العام 1870، والتي أعقبتها حرب أهلية عنيفة. في سياق هذه الأزمة، أعاد الفنانون التفكير في نتاجهم الفني، وطمحوا إلى استكشاف اتجاهات جديدة. وكما يبدو، فقد رسمت "عشيرة متمردة" صغيرة، مشاهد من الحياة العصرية، أو مناظر طبيعية، بألوان بعيدة من الكمود، وبلمسة تحمل الكثير من الحيوية، منفذة، في معظمها، في الهواء الطلق. وكما لاحظ أحد المراقبين، "إن ما يبدو أنهم يبحثون عنه قبل كل شيء هو الانطباع".
لم تكن المجموعة متجانسة تمامًا، وهو أمر طبيعي عندما يتعلّق الأمر بإتجاه كان بدأ يشق طريقه في عالم الفن، لذا سنرى فرقاً بين تصاميم المناظر الطبيعية لمونيه، والأعمال الواقعية الأكثر كلاسيكية لديغا وكاييبوت. لكن الفنانين احتفظوا دائماً بعلاقات جيدة في ما بينهم، وقد ساعد كاييبوت، الذي يتحدّر من عائلة ثرية، أصدقاءه من خلال شراء لوحاتهم، وتمويل معارض معينة للمجموعة.
قصة لوحة دخلت التاريخ
يتفق الكثير من المؤرخين على أن كلود مونيه يُعتبر أباً للإنطباعية، كما سيصبح سيزان، ما بعد الإنطباعي، لاحقاً، أباً للفن الحديث. كان مونيه قدّم في المعرض عمله المسمّى "إنطباع، شمس مشرقة" (أو شروق شمس). أثار العمل ضجة كبيرة، واُطلق العنان للنقاد الذين اعتبروا الأعمال المعروضة، وعلى رأسها العمل المذكور، تشويهًا لأصول الفن. أراد الناقد الفني لويس ليروي، من صحيفة شاريفاري (Gharivari) أن يقوم بتلاعب خبيث بالكلمات في ما يخص عنوان هذه اللوحة، فعنون مقالته الصادرة بتاريخ 25 نيسان / أبريل 1874 "معرض الانطباعيين"، وبالتالي أعطى اسمًا لهذه الحركة الفنية الجديدة: الانطباعية. "ماذا تمثل هذه اللوحة؟ انطباع! الانطباع، كنت متأكداً من ذلك. وقلت لنفسي أيضًا بما أنني كنت "منطبعاً"، فلا بد أن يكون هناك بعض الانطباع في ذلك"، يقول كريستوف هنريش في كتابه عن مونيه، نقلاّ عمّا صرح به لويس ليروي حينذاك.
ويؤيد الصحافي والكاتب الفرنسي جول – أنطوان كاستانياري هذا المصطلح بلا تردد، إنما بالمعنى الإيجابي، في مقالته "معرض في بولفار كابوسين". إلى ذلك، ظهرت التسمية في صحيفة Le Siècle بتاريخ 29 نيسان/إبريل 1874: "لقد انتقلت الكلمة نفسها إلى لغتهم: إنها ليست مناظر طبيعية، إنها الانطباع الذي يطلق عليه اسم الشمس المشرقة للسيد مونيه". أما الناقد إرنست تشيسنو، فنظر إلى هذه اللوحة على أنها "الشمس المشرقة على نهر التايمز"، مستذكرًا المناظر الطبيعية للرسام الإنكليزي وليام تورنر والمشاهد الليالية للفنان جيمس ويسلر، الذي كان مونيه إلتقاه خلال إقامته في لندن العام 1871.
كان كلود مونيه قد رسم اللوحة الشهرة، ذات المقاسات الصغيرة نوعًا ما، والتي صارت، ربما، أشهر اللوحات الإنطباعية، أثناء زيارته إلى مدينة لوهافر ذات المكانة الخاصة لديه لأنه ولد فيها. في ذلك الوقت، كانت لوهافر ميناءً مزدهرًا، مدفوعًا بالثورة الصناعية، وهو يختلف إلى حد بعيد عمّا نعرفه اليوم عن الدمار الذي خلّفته في المكان الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لمؤرخي الفن، أمثال دانييل وايلدنشتاين، ربما تم تنفيذ عمل "إنطباع، شروق شمس" من نافذة غرفة في فندق دو لادميروتيه، وسيكون تاريخ تنفيذها بين العامين 1873 و1874، على الرغم من أنها كانت مؤرخة العام 1872 عندما بيعت.
في نهاية المعرض، تم شراء اللوحة في شهر أيار 1874 بمبلغ 800 فرنك (ما يعادل 3500 يورو في العام 2024)، من قبل جامع أعمال مونيه وصديقه إرنست هوشيديه. وعندما أفلس هوشيديه، تشتت مجموعته خلال مزاد قضائي أكد عدم اهتمام الدولة والتجار بالأعمال الانطباعية، حيث اشترى هواة الجمع من المهتمين النادرين العديد من الروائع الفنية بأسعار سخيفة. وهكذا، حصل جورج دي بيليو، العام 1878، على اللوحة مقابل 210 فرنكات، قبل أن ينقلها إلى صهره إرنست دونوب دي مونشي (الذي تزوج ابنته فيكتورين في العام 1893)، وكان آخر مالِك فردي للعمل. فقد أودعت اللوحة في متحف مارموتان العام 1938، مؤقتًا في البداية، ثم بشكل دائم في العام 1957، بعدما نُقلت إلى شاتو دو شامبور في العام 1940، تفادياً لإمكانية تضررها خلال الحرب العالمية الثانية. سُرق العمل في العام 1985، مع أربعة أعمال أخرى لمونيه ولوحتان لرينوار. ومن ثم عُثر عليها في كانون الأول العام 1990، من قبل متحف مارموتان، في بورتو فيكيو لدى بلطجي كورسيكي (من كورسيكا)، وكان حاول التفاوض بشأنها مع رجل ياباني هو شينيتشي فوجيكوم، الذي كان على اتصال مع الياكوزا، المنظمة الإجرامية اليابانية المعروفة.
في التقنية الإنطباعية
قد تكون أولى ميزات الأعمال الإنطباعية هي أن معظمها نفّذ في الهواء الطلق، بحيث سادت عبارة plein air إثر ذلك في العالم كله، بالرغم من تعدّد اللغات. وبالإضافة إلى تفضيل الإنطباعيين المبدئي لهذه الطريقة، فقد ساعد على القيام بها تفصيل آخر، قد يبدو صغيراً لكنه ذو أهمية. فقد بدأت مصانع الألوان، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بإنتاج ألوان معبأة في أنابيب صغيرة كالتي نراها في أيامنا الحاضرة، مما سهّل حملها والإنطلاق بها إلى الطبيعة من دون جهد كبير، هذا في حين أن الفنانين كانوا يرسمون لوحاتهم قبل ذلك في المحترف، في غالب الأحيان.
(كاتدرائية مدينة روان - سلسلة الضوء المتغير)من ناحية أخرى، محض فنية، يمكن القول إن الانطباعيين أحدثوا ثورة في طريقة الرسم وتصوير الواقع. ومن خلال تحرير أنفسهم من الأعراف، في ما يتعلق بأولوية الرسم التقليدي الذي لم يولوه أهمية كبيرة (وهي مسألة تختلف من فنان إلى آخر)، استطاعوا التركيز على اللون كعنصر أساسي في تكوين العمل الفني. لقد كانت جمالية اللون والحركة الغامرة من الأمور ذات الأهمية المبدئية بالنسبة إليهم. فمن الناحية الجمالية، احتفل أسلوبهم بالحداثة والهواء الطلق، والتدوين السريع للبُعد الشعوري، والألوان الزاهية، كما سمح الجانب غير المكتمل لهذه التقنية الفنية ونسيجها الخام إلى حد ما بالكشف عن الانطباعات الشخصية. وعلى الرغم من التمايز القائم بين أفرادها، فقد قدمت المجموعة لوحة جديدة، سرعان ما اهتمت بها أوساط المثقفين، قبل أن ينسحب هذا الإهتمام، لاحقاً ومع مرور الوقت، على الجمهور في شكل عام.أمّا في ما يتعلّق بمونيه تحديداً، فإن الدخول في لوحته، من خلال دراسة إنتاجه، يبيّن الطابع المادي للعمل، ويظهر تحول الطلاء، الذي هو في الأساس مادة مرنة أو سائلة أو لزجة أو عجينة ملونة، إلى مادة صلبة أو ناعمة أو بارزة، ويسمح لنا بربط هذه الخصائص المادية مع التأثيرات التي تنتجها مثل السيولة التي تنتمي إلى ميزة الرسم الزيتي في حالته الأولية، وذلك بحسب طبيعة الأشياء التي أراد مونيه تمثيلها، كالماء والهواء وما يتحرك ويرتجف ويمضي.ويمكن ملاحظة سيولة لوحة كلود مونيه من الرسوم الأولى، حيث يتموج الخط ويتجنب ترسيم الحدود، فهو في عملية التنفيذ يود التذكير بالسيولة الجوهرية للطلاء قبل التجفيف، التي تحملها اللمسة في شكلها وزخمها، مما يساعد في سهولة الإيماءة، وكذلك في الاسترجاع والتراكم، من خلال تغليف العناصر معًا، مما يمنحها اهتزازًا وحركة.
وكما فعل ديلاكروا في حينه، وجميع الانطباعيين أيضاً، فضّل مونيه الألوان النقية والأساسية والمكملة. وكان يرسم على خلفيات فاتحة اللون لتعكس الضوء، ويواصل استخدام فرشاته بضربات صغيرة وسريعة، كنوع من الفواصل الصغيرة الموضوعة على القماش. في أعمال مونيه، يكاد لا يوجد خط مستقيم، ولمساته اللونية هي التي تستحضر الشكل والمواد المعدنية أو النباتية، وحركة العناصر الطبيعية. وفي كثير من الأحيان، رسم مونيه الموضوع نفسه بشكل متسلسل، من أجل العمل على تأثير ضوء النهار المتغيّر بحسب الوقت والطقس في الغلاف الجوي أو المواد، وأبرز مثال على ذلك هي تلك السلسلة من الأعمال المخصصة لكاتدرائية مدينة روان، التي رسمها في أوقات النهار المختلفة، ومن المكان نفسه، وبروحِ وهمة من أراد الذهاب بعيداً في تأثيرات الضوء، وهو العنصر الذي لولاه لما رأيناً لوناً، ولكانت أيامنا حزينة وكالحة على الدوام.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top