2024- 05 - 04   |   بحث في الموقع  
logo "نشاط" باريس والرياض لترتيب المشهد السياسي اللبناني logo أسلحة مخدرات وأعمال إرهابية.. الجيش يوقف 5 اشخاص logo جريح بالرصاص في طرابلس.. إليكم التفاصيل logo حرب موازية بين إيران وإسرائيل: القبة السيبرانية آتية! logo بيرنز في القاهرة ووفد حماس يصل السبت..لاستكمال محادثات الهدنة logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الجمعة logo "بين ورطة وفرصة"... بايدن امام قرار التخلي عن نتنياهو! logo "مذبحة"... إسرائيل أبلغت بايدن خطتها بشان رفح!
بانتظار استقلال سوريا الثالث...تتشابه الوجوه والأحداث والنهايات
2024-04-23 12:25:48

قبل مئة سنة من اليوم، كانت سوريا الواقعة تحت سلطة الانتداب الفرنسي تمور بأحداث صغيرة متفرقة تظهر نفور السكان من المحتل، وتوحي بأن شيئاً ما سيحدث، سينغص على سلطة الأمر الواقع سيطرتها، بعدما كان قد استتب لها الأمر في لبنان أولاً، وفي دمشق ثانياً، حيث استطاعت أن تنهي مشروع المملكة السورية، بمقوماته التي اختارها السوريون، مثل مَلَكية فيصل بن الحسين، والدستور، والمجلس التأسيسي (المؤتمر السوري)، وغير ذلك.
لم يأت الفرنسيون إلى أرض جرداء ليصنعوا دولة تناسبهم، بل جاءوا إلى بلاد كانت تعيش استقلالاً وليداً، وتحاول محاكاة أفضل أشكال حكم سائدة آنذاك، كالمَلَكية الدستورية، وتدفع باتجاه أن يتضمن الاستقلال الشروع في مسار تنموي، ينقل البلاد الغنية بالثروات، من حال سيئ إلى آخر أفضل.
يمكن رصد التباين الحاصل بين مرحلة ما قبل سلطة الانتداب، وما بعدها، من خلال مراجعة الأعداد الصادرة من جريدة "العاصمة" التي تأسست لتكون الصوت الرسمي للدولة السورية الوليدة. فالعدد الصادر قبل أيام من معركة ميسلون التي هزم فيها الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع الشهيد يوسف العظمة، كان محتشداً بالنقاشات المستمرة حول جلسات المؤتمر التأسيسي، والقضايا المطروحة أمام الجمهور، بينما جاء العدد الذي صدر بعد سيطرة الجيش الفرنسي على عاصمة الأمويين، مختلفاً، مجرد نشرة تنقل للقارئ أخبار المندوب السامي ونشاطاته!
على المستوى الشعبي، ورغم أن الوعي السياسي لم يكن حاضراً، لدى عموم الجمهور بسبب الجهل والأمّية، وأيضاً قلة المطبوعات، وضعف أحوال الناس، إلا إن الشعور بكراهية سلطة المحتلين الفرنسيين كان يتكاثف شيئاً فشيئاً، لا سيما أن إسقاط المملكة الوليدة، لم يكن مجرد تبديل للشخوص، أو تغيير لشكل مُسقط من الأعلى بشكل آخر، بل كان حرقاً للرموز التي يقوم عليها الإحساس بالشخصية الوطنية، ذات الماضي العريق.
(سلطان باشا الأطرش والدكتور عبد الرحمن الشهبندر ومظاهرات الاستقلال)بعض هذه المقومات الرمزية يمكن العثور عليه في كُتيب بعنوان "ذكرى استقلال سورية 1920" وقعه الناشر يوسف السيوفي، ونعلم أنه طُبع في مصر في هذا العام، عدّد فيه مؤلفه مقومات الحكم الوطني، وشرح في مقدمته تصورات السوريين عن مستقبلهم من خلال قرارات المؤتمر السوري في جلسته التاريخية، التي أعلن فيها البلاد مملكة، حيث ورد في الوثائق "أن الأمة العربية ذات المجد القديم والمدنية الزاهرة لم تقم جمعياتها وأحزابها السياسية في زمن الترك بمواصلة الجهاد السياسي ولم تُرِق دم شهدائها الأحرار وتثُر على حكومة الأتراك إلا طلباً للاستقلال التام والحياة الحرة بصفتها أمة ذات وجود مستقل وقومية خاصة، لها الحق في أن تحكم نفسها بنفسها أسوة بالشعوب الأخرى التي لا تزيد عنها مدنية ورُقيّاً"!
في النظر إلى هذه التفاصيل، يمكن، بلا عناء، فهم الأسباب التي جعلت الثورة السورية الكبرى في العام 1925، فضاءً مشتركاً للنضال من أجل الاستقلال، وبمشاركة أفراد يعكسون من خلال أدوارهم طموحات الفئات الاجتماعية التي جاءوا منها، وبما تكفّل بتكريسها واحدةً من أهم اللحظات التاريخية التي عاشتها البلاد في تاريخها الحديث.
ورغم أن النتائج المباشرة للأحداث التي جرت في ذلك الوقت كانت مُدمّرة للمجتمعات المحلية، بعد ما قاسَته من عنف هائل مارسته السلطة المنتدبة، وسياساتها المشينة في العقاب الجماعي كقصف دمشق من قلعة غورو، والذي دمر أحياء كاملة فيها، إلا إن الحصاد الإيجابي لم يتأخر كثيراً، إذ بدأت ملامح إقرار الفرنسيين بحقوق السوريين تأخذ منحى واقعياً، مع بدء المفاوضات اللاحقة بين الطرفين، وعلى وقع الإضراب الستيني الذي دعت له الكتلة الوطنية، تم توقيع معاهدة 1936 مع الحكومة الاشتراكية في باريس.
هنا، وفيما نستعيد التفاصيل التاريخية لذكرى الاستقلال (الجلاء) التي مرت قبل أيام، نحتاج إلى تدوين المنعطفات الأساسية التي مرت في سياق الحدث التاريخي. وفي الوقت نفسه، نقوم على المستوى الذهني، بإجراء مقاربات ومطابقات بين ذكرى الاستقلال الأول في 8 آذار 1920، وذكرى الاستقلال الثاني في 17 نيسان 1946، مع الواقع الحالي، حيث تعيش البلاد أسوأ أحوالها مع استمرار الحكم الديكتاتوري المريع، الذي حول البلاد إلى حمّام دم، بعدما انطلقت الثورة ضده في آذار 2011.
الوثائق المتاحة أمام الجمهور تظهر أن الطموحات الشعبية وقد عبّرت عنها سبع نقاط اتُّفق عليها مع الملك وأُعلنت في العام 1920، وهي: "طاعة الله، واحترام الأديان. والحكم بالشورى وفق القوانين والأنظمة التي ستوضع. والمساواة في الحقوق والواجبات. وتوطيد الأمن. وتعميم المعارف. وإسناد المناصب والوظائف إلى أكفائها". وهي تتشابه تماماً مع كل الوثائق التي يصدرها السوريون في زمننا الحالي (مثل وثيقة المناطق الثلاث)، وتؤشر إلى أن النضال الراهن إنما هو عمل من أجل لحظة استقلال ثالث، لا بد سيأتي رغم عتمة الواقع الراهن، وتَكَسُّر الوحدة الوطنية إلى قطع مبعثرة، تحتاج إلى مشاريع ينهض بها أفراد أو جماعات، فيعيدون لصقها بعضها ببعض.
في الوقت نفسه، وعلى الهامش، لا يمكن إنكار وجود آخرين، وهم أكثر من مجرد أفراد، حاولوا دائماً أن يكتبوا وقائع التاريخ، ليس فقط من وجهة نظر القوة المسيطرة، بل بطريقة أشد رداءة، حين وجهوا أقلامهم نحو النيل من المجموعات الثائرة، والإساءة للشخصيات المتمردة، وإسباغ صفات مهينة عليها، وإظهار مدنية ورُقيّ المحتل.
(الجنرال غورور وغلاف كتاب الفرزلي)وفق أسلوب التقابل والمطابقة، بين الماضي والحاضر، لا يمكن تجاهل ما كتبه ديب أبي مراد الفرزلي، الذي سمى نفسه شاهد عيان للفظائع البربرية التي قام بها الجهّال (يقصد الثوار) في كتابه "نظم المنكوب في حوادث الجنوب" الصادر العام 1926. فأفرد، ومن خلال الشعر المحكي الزجلي، قصائد طوال في ذمّ الثائرين وإظهار وحشيتهم وبعدهم عن الحضارة والتمدن، وقد رفعوا السلاح ضد جيش فرنسا "النبيلة"! وإذا عاد قارئ اليوم إلى هذا الكتاب، فإن أول ما سينتابه، هو الشعور بأنه قد سمع، وشاهد شيئاً مشابهاً يقوم على التزوير والتشويه، لطالما كرره الإعلام المؤيد للنظام خلال 13 سنة ماضية عن الثورة والثائرين ضد حكم العائلة الأسدية، ونقلته عنه مؤسسات مؤيدة لها، وقوى سياسية من اليمين واليسار على حد سواء مساندة لنظامها، وعممته عربياً وعالمياً.
غير أن تمثّل التاريخ، لا يجب أن يمنح الضحايا أملاً كاذباً في أن التغيير حتمي، فيستكينوا. بل إن أولى الحقائق التي لا يجب العبور فوقها، تقول إن حلم الحرية من المستبدين لن يتحقق إلا باستمرار العمل من أجله، حتى وإن تردّت حيوات وأحوال الحالمين.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top