كوكب حمزة .. لا تزال الكنطرة بعيدة
2024-04-15 08:55:46
رحل الفنان العراقي كوكب حمزة في الدنمارك، أحد منافيه التي عاش فيها، بعد أن غادر العراق في سبعينيات القرن الماضي، هرباً من القمع الذي تعرض له الشيوعيون. أقام في عدة مدن، منها دمشق التي أحبها وأحبته، وكانت بمثابة رئة تنفس منها بعيدا عن بغداد، حيث أنجز فيها أعماله الأولى، التي عرفه الجمهور من خلالها. ومنها أغنية "نجمة" التي غناها حسين نعمة، و أغنيتي "يا طيور الطايرة" و"الكنطرة بعيدة"، غناء سعدون جابر.
رغم أن حمزة واصل العمل بعد خروجه من العراق، إلا أن الجمهور يعرفه من خلال الأغنيات الثلاث المشار إليها، وهناك قلة قليلة تعرف أنه استمر بالتلحين، ولم يقتصر تعاونه على فنانيين عراقيين، بل اشتغل مع فنانين من بلدان أخرى مثل المغربية اسماء المنور والسورية اصالة. ومن المؤكد أن السبب الرئيسي يكمن في النجاح التي حققته الأغنيات والثلاث والانتشار الواسع في العراق وخارجه، ومثلما كان لها الفضل في شهرة حمزة، فإنها قدمت الفنانين حسين نعمة وسعدون جابر. وهناك أوساط إعلامية نسبت، في الأيام الأخيرة، إلى حمزة اكتشاف نعمة وجابر ومنحهما أول فرصة للغناء. ولحن في ذات الوقت لفنانين صاروا نجوما، منهم فاضل عواد، فؤاد سالم، رياض أحمد، مائدة نزهت.
(جنازة كوكب حمزة)
ما لا يتوقف عنده الإعلام كثيرا هو أن نجاح الأغاني الثلاث، وغيرها، من أعمال حمزة، يعود في جانب منه إلى انه تجرأ على واقع الأغنية العراقية التي كانت غارقة في الكلاسيكية، وتبحث عن طريق كي تلحق بتطور الأغنية في العالم العربي والعالم في نهاية الستينيات، وهو بهذا يعد أحد المجتهدين الذين ساهموا بتجديد في المضمون والشكل. أدخل كلمات جديدة إلى الأغنية، من خلال التعاون مع شعر اء شعبيين مثل كاظم الركابي صاحب اغنية "نجمة" وذياب كزار "ابو سرحان" كاتب كلمات "الكنطرة بعيدة" وزهير الدجيلي كاتب كلمات "يا طيور الطايرة". وعلى صعيد الشكل يعد من أوائل الذين كسروا رتابة الأغنية العراقية التي "كانت مخنوقة بالمقام والموال البستة"، وهذا أمر يعترف له به نقاد الفن في العراق، ويسجلون له الاهتمام الشديد في بداية السبعينيات بضرورة تطوير الأغنية العراقية لتلحق بنظيرتها في مصر ولبنان.
الأغاني الثلاث التي صنعت شهرة حمزة، هي ذاتها التي غطت على نتاجه الباقي. صار العالم يعرفه من خلالها، ولا يريد أن يسمع منه غيرها، وبدلا من أن يحثه على تجاوزها، أمسك به ليظل هناك. ورغم قوة هذا الإغراء، الذي تمثل برصيد لا ينقطع من الإعجاب، بل يتزايد، فإنه يصعب الحكم على مدى استجابة الفنان له، وتحول ذلك، مع الوقت، إلى مانع أمام تقديم أعمال من ذات الوزن بمواصفات المراحل اللاحقة. هذا يحتاج إلى دراسة نقدية تشريحية تتناول كل أعمال حمزة، والحكم عليها من دون تسرع أو أحكام جاهزة.
الفنان ليس استثناء، وقد تصنع شهرته أغنية واحدة، مثل الرواية الوحيدة والقصيدة الوحيدة والفيلم الوحيد. وهذا أمر خارج إرادته، سواء واصل العمل أم اكتفى بعمل واحد. لكن الفنان لا يتوقف، وليس لدى الفنان الصادق مع عمله ذرورة، بل وراء كل ذرورة يصلها هناك ذرورة أخرى. غير أن المسألة لا تخضع للإرادة والتصميم فقط، بل تتدخل فيها عوامل كثيرة منها حكم الجمهور وسوق الفن ووسائل الإعلام التي تسلط الضوء على عمل، وتحجبه عن عمل آخر، وفوق كل هذا هناك الظروف التي يعمل بها الفنان.
لم يكن حمزة مستقرا في مكان واحد، بل عاش حياته مثل رحالة بين البلدان، واللافت أنه ذهب إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، لكنه لم يستقر هناك، وكان نقديا تجاه الوضع الجديد. ومن دون شك، فإنه كان يحلم بأن يتمكن من العودة والعمل في بلده، لكن هذا الظرف لم يتوافر له. وبغض النظر عن ملابسات هذه القضية، فإنها من دون شك تلعب دورًا لدى فنان ذي شعبية كبيرة في بلده.
في نهاية المطاف، لم يتفرغ حمزة للعمل الفني، وفق ما يناسب إمكاناته، ويليق بها. وظل مشدودا بين الفن والحياة. من جهة عليه ألا يغمض عينيه عن ضرورة البقاء حيا كفنان، ومن جهة أخرى أن يحيا كإنسان مشرد لاجئ معرض لشتى المفاجآت غير السارة، وكانت آخرها الأزمة الصحية الطارئة التي ألمت به، ولم تمهله، وفارق الحياة في المشفى في كوبنهاغن. واللافت هنا هو أن عائلته فضلت دفنه في الدنمارك، واقتصرت الموقف الرسمي العراقي على بيانات نعي، بينما حظي برثاء واسع على المستوى غير الرسمي.
المدن