ودّع العالم واحدا من بين أشهر ايقونات الموضة الإيطاليين في العالم، وهو مصمم الأزياء روبيرتو كافالي في مسقط رأسه في فلورنسا، عن عمر يناهز 83 سنة. بعد مسيرة حافلة وشهرة عالمية لا توصف. وبالرغم من بدايته المتواضعة في عالم الأزياء، فإن كافالي تمكن من خلق العديد من صيحات الموضة، التي ما زال يتم اعتمادها إلى يومنا هذا، واشتهرت أزياؤه العالمية بطبعات الثعبان ونقشة النّمر، وبقع الزرافة، وأجنحة الفراشة، وخيوط الشيفون، والترتر، والغليتر، والموادّ البرّاقة.
ولد كافالي في 15 تشرين الثاني، نوفمبر 1940 في مدينة فلورنسا. بدأ حياته المهنيّة بالرسم والتلوين على القمصان بهدف كسب بعض المال خلال دراسته في مجال الفنون. وكان جدّه، جوزيبي روسي، رسّامًا مشهورًا. اتّبع كافالي خطى جدّه عبر الالتحاق بأكاديمية فلورنسا للفنون، حيث بدأ يجرّب الرسم والخياطة والنسيج. وفي مقابلة سابقة، قال كافالي: "كان حلمي -ربما بسبب أسرتي- أن أكون رسامًا، لكنني اخترت في لحظة واحدة اتجاه المنسوجات، ومن المنسوجات ذهبت إلى عالم تصميم الأزياء".
ومع مرور الوقت، طوّر تقنية مبتكرة لطباعة الجلود، ما أكسبه تعاونًا مع علامات أزياء مثل "هيرميس" و"بيير كاردان"، ووضعه على مسار إبداعي مبني على جمالية مبهرجة وفاخرة. وفي العام 1970، تواجد في حفلة يُقيمها مُصمم أزياء معروف حيث اضطر للكذب والقول إنه يعمل في مجال الطباعة على الجلود لتبرير وجوده.
وفي العام نفسه قدّم مجموعته الأولى التي تحمل اسمه في باريس عام 1970، قبل ظهوره لأول مرة على منصات العرض في فلورنسا وميلانو عام 1972. وفي العام نفسه، افتتح أول متجر له في سان تروبيه، المدينة الفرنسية الساحلية التي ستصبح رمزًا عالميًا للسحر والفخامة. فمنذ سبعينات القرن الماضي، عُرف كافالي بشغفه بسيارات الفيراري، والخيل، والسيجار، والملابس ذات الألوان البرونزية، والقمصان التي تكشف عن منطقة الصدر، كما كان يمتلك طائرة هليكوبتر أرجوانية ومزرعة عنب في توسكانا، وله أسلوب حياة شبيه بنجوم الروك والبوب. كما أنه كان محباً للعيش بين الطبيعة والبحر، حيث عاش مع عائلته في مزرعة قديمة، وكان يربي العديد من الحيوانات من بينها الببغاوات والكلاب والقطط. وقال في مقابلة مع مجلة "فوغ" عام 2011 "أحب كل ما له صلة بالطبيعة". قدم مجموعة من التصاميم المبهرة مع نجوم مثل صوفيا لورين وبريجيت باردو، وانتقل ليصبح الدعامة الأساسية للنجمات على السجادة الحمراء، حيث كان يلبس الجميع من مختلف الأجيال على مرّ السنين، من جينيفر لوبيز وبيونسيه إلى كريستسنا أغلييرا وكيت موس وكيم كارداشيان وأخريات، وكانت إطلالته جذابة وملفتة تعانق شكل الجسم وتمدحه بأناقة.
ورغم النجاحات الكبيرة التي حققها بحياته، إلا أنه عرف أيضاً بعض الإخفاقات، وتحديداً في حقبة الثمانينيات عندما بدا أسلوبه المُزخرف بعيدا عن الطابع "المينيمالي" الذي كان رائجاً في تلك الفترة.
وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، أحدث كافالي ثورة في عالم الدنيم بعدد من الابتكارات، بينها سروال الجينز المطاطي الذي ابتكره من خلال إضافة الليكرا إلى القماش، وعملية السفع الرملي لقطع الدنيم التي منحتها تأثيرًا حيويًا. على أن عرض الأزياء الذي قدم فيه سراويل الجينز هذه، سنة 1993، والذي ارتدتها على منصة العرض العارضة ناعومي كامبل، جعلت منه ينتشر بشكل كبير في جميع أنحاء العالم.
وإلى طبعات الحيوانات، أصبح الدنيم عنصرًا أساسيًا في أسلوبه المميز، ما أدى إلى إنشاء علامة تجارية فرعية أكثر شبابية، هي Just Cavalli، في عام 1998.
وفي محاضرة له بجامعة أكسفورد عام 2013، أوضح كافالّي شغفه بأنماط الحيوانات البرية، التي استخدمها في جميع تصاميمه بدءًا من سراويل الجينز، إلى فساتين السجادة الحمراء: "أنا أحب الطبيعة، الحيوانات لديها أفضل الأزياء. خلقهم الله بملابس جميلة جدًا. النساء يعجبهن هذه التصاميم، ويشعرن بأنهن طبيعيات فيها". قال في إحدى مُقابلاته مع الصحافة العالميّة: "أدركت أنه حتى الأسماك لديها أثواب ملوّنة رائعة، وكذلك الثعابين والنمور".
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، افتتح كافالي أول متجر- مقهى له في فلورنسا ونادي Just Cavalli في ميلانو، الذي أصبح منارة للحياة الليلية الشهيرة في المدينة.وقد عانى خلال مسيرته من مشاكل قضائيّة عندما تم اتهامه بالتهرّب الضريبي ثم تبرئته، كما واجه خسائر كبيرة أجبرته على بيع أغلبية الأسهم في داره عام 2015.
بحسب ما صرحت به نينا غارسيا، رئيسة تحرير مجلة Elle، في رسالة بالبريد الإلكتروني في عام 2020، قالت: "أحب روبرتو في المبالغة، لكنه لم يفقد وجهة نظره أبداً، حتى عندما كان التبسيط في التصميم هو القاعدة، كان يؤمن بالاختلاف، لقد ألبسنا الملابس معتقداً أن الحياة والموضة يجب أن نعيشها بأقصى سرعة".
فيما قال بيتر دونداس، الذي شغل منصب كبير مصممي العلامة التجارية ثم مديراً إبداعياً لاحقاً قبل مغادرته في عام 2016 ليبدأ علامته التجارية الخاصة، وذلك في مقابلة له، إن كافالي كان يمثل "نجم البوب الموجود داخل الجميع". كان كافالي يُلبس نجوم البوب، وكان من بينهم جينيفر لوبيز، وبيونسيه، وكريستينا أغيليرا، وشاكيرا، وفرقة سبايس غيرلز، الذين صمم لهم ملابس لجولة لم شملهم عام 2007.
حصل كافالي على براءات اختراع لأساليب في التصميم جذبت انتباه دور عالميّة أمثال Hermes وPierre Cardin. وعلى قدر ما كان مختلفاً في نمط عيشه، كان كل هذا يظهر في نقوش الأقمشة التي اخترع طرقاً جديدة لطباعتها وصبغها ومعالجتها، من خلال مزج المواد والألوان والأنماط والمطبوعات بأسلوب يمثله فقط.
تقاعد كافالّي من الخدمة الفعلية في علامته التجارية عام 2015، واختار المصمم بيتر دونداس ليخلفه كمدير إبداعي. ترك دونداس الوظيفة بعد ثلاثة مواسم فقط، وخلفه بول سوريدج الذي بقي حتى عام 2019. وفي العام ذاته، وبعد فترة من الصعوبات المالية التي أدت إلى الإفلاس، تم الاستحواذ على الشركة من قبل شركة استثمار خاصة مقرها دبي، التي منذ ذلك الحين استعانت بالمصمم فاوستو بوغليسي لمجموعات الأزياء الخاصة بها، وتفرعت إلى مشاريع العقارات والضيافة التي تحمل علامة كافالي التجارية.
كما شارك حساب كافالي عبر إنستغرام بياناً كتبه الرئيس التنفيذي لروبرتو، نعى فيه المُصمم العالمي بكلمات مؤثرة، وكتب ما معناه: "عزيزي روبرتو، ربما لم تعد موجوداً معنا بالجسد بعد الآن، لكنني أعلم أنني سأشعر بروحك معي دائماً. إنه لشرف عظيم في مسيرتي المهنية أن أعمل تحت إرثك وأنشئ العلامة التجارية التي أسستها بهذه الرؤية والأسلوب. ارقد بسلام، سوف نفتقدك وسيحبك الكثيرون لدرجة أن إسمك سيستمر كمنارة إلهام للآخرين".