في كتابه المعنون "المكان في روايات شاكر الأنباري" الذي سيصدر قريبا عن دار "العائدون للنشر"، عمّان/ الأردن، بتصميم الفنانة لمى سخنيني، يتناول الناقد العراقي صباح هرمز ظاهرة حضور المكان الطاغي في معظم الروايات التي تناولها، وهي "أقسى الشهور"2019، "مسامرات جسر بزيبز"2017، "نجمة البتاويين"2010، "نشيدنا الحزين"2022، و"الراقصة"2003. وقد كتب في مقدمته لكتابه هذا يقول: "هذا هو المطبوع الخامس لي، ضمن منحاي الهادف، إلى الكتابة عن الرواية العراقية، بالتعويل على التصدي لسرديات الروائيين الذين تميزوا في هذا المجال، وتفاعلت مع رواياتهم، وذلك بعد جمع ما كتبته من دراسات عن روايات كل واحد منهم، وإصدارها في كتاب.وتسنى لي لحد الآن، إصدار خمسة كتب، وهي على التوالي: قراءة تأويلية في روايات أحمد خلف، وكسر تابوهات الثالوث المحرم في روايات برهان شاوي، وتقنيات السرد في روايات محسن الرملي، والسر والمعنى في روايات أمجد توفيق. والكتاب الخامس هو المكان في روايات شاكر الأنباري، الذي هو الآن بين يدي القارئ.وما يسرني أن اختياراتي للروائيين الخمسة، والقائمة ستطول في المستقبل، إذا ما أمدني الله في العمر ببضع سنوات أخرى؛ لم تأت، بفعل، أو تأثير معرفة سابقة، بأي واحد من هؤلاء الروائيين، بقدر ما جاءت نتيجة رصانة منجزهم، وجودته، واحترامه لذائقة القارئ، وتفاعلي مع ما خطّته أقلامهم على المساحات الفارغة، ليتحول هذا اللا شيء (المكان الخالي)، إلى شيء، له حجم ووزن كبيران.عرفت شاكر الأنباري، بوصفه سارداً، له حضوره في الوسط الأدبي العراقي خاصة، والعربي عموما، عبر قراءتي لأول مرة، روايته الموسومة (نجمة البتاويين). هذه الرواية التي كانت المفتاح السري لي، لتقودني إلى بقية منجزاته السردية، وجعلتني أكتشف شغفه بالمكان.وتكاد معظم رواياته، حتى وإن كانت شخصياتها تعيش داخل العراق، أن تنشغل بمسألة واحدة، وهي مسألة الاغتراب، ولعل مرد هذا، يعود إلى التجربة المريرة والقاسية التي عاشها، لسنين خلت، في ديار الغربة. وروايته (نجمة البتاويين) التي صدرت عن دار المدى عام 2010، أدل نموذج على ذلك، مع أن أحداثها تدور في العاصمة بغداد، وشخصياتها تعيش فيها أيضا. وشعور الإنسان في عدم انتمائه للوطن الذي يعيش فيه، أو الأرض التي يعيش عليها، له صلة مباشرة بالمكان. لذا فمن الطبيعي، أن تأخذ هذه التقنية مساحة أوسع وأشمل في رواياته، قياسا بمساحة بقية التقنيات الموظفة.واللافت للنظر، ولوقوعه تحت تأثير المكان، أنه في بعض رواياته، كما في رواية (أقسى الشهور) مثلا، تبدأ بالمكان، وتنتهي فيه أيضا. لذا أستطيع أن أقول وبكل ثقة، إذا كان من روائي يستحق أن يتصدر قائمة الروائيين الشغوفين بالمكان، فإن شاكر الأنباري، يتصدر هذه القائمة بجدارة واستحقاق".وكتب الناقد والشاعر الفلسطيني عمر شبانة، على ظهر كتاب هرمز: "تتميّز تجربة الروائي شاكر الأنباري، من بين سِمات عدة تميّزها، بتعدّد الأمكنة، تبعًا لارتحالات الكاتب وتنقّلاته بين العواصم والمدن والبلدان، هو المولود في إحدى قرى محافظة الأنبار العراقيّة، وعاش في بغداد، قبل أن ينتقل إلى سورية، ويعيش فيها عقدا من السنوات ربّما كانت من أجمل سنوات حياته، لكنّه كان قد "هاجر" إلى بلاد اسكندنافيا، واختار الدنمارك، بلد الفيلسوف المعروف سورين كيركغارد، وأحسب أنّه قد تأثر بوجوديّته، مثلما تأثر بوجودية الشاعر العربيّ البصير "المعرّي". عبر هذه الارتحالات الواسعة، والتجوال العميق، والثقافة الغنيّة، اكتسب الروائيّ تجربته الحياتيّة والفنيّة التي تتجلّى في أعماله السرديّة عمومًا، وفي أعماله الخمسة التي هي موضوع هذه القراءات، التي يقدّمها الناقد العراقيّ صباح هرمز. قراءات تمكّن الناقد من خلالها من وضع يده على "جماليّات المكان" – بحسب غاستون باشلار- كما تبدو في روايات شاكر الأنباري".