دخلت المنطقة حالة من الغليان والترقب بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانيّة في دمشق وأسفرت عن استشهاد عدد من قادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، على رأسهم العميد محمد رضا زاهدي المسؤول البارز في الحرس الذي يتولى منذ سنوات متابعة العلاقة بقوى المقاومة في لبنان وسورية، وبدت الغارة محاولة لتغيير قواعد الاشتباك بالقول إن لا خطوط حمراء تحكم العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الحصانات الدبلوماسية، ولو كانت النتيجة إشعال حرب كبرى، كما قال وزير حرب كيان الاحتلال يوآف غالانت في تعقيب مساء أمس أوحى خلاله بالمسؤولية عن الغارة، التي لم يصدر بيان يتبنّى تنفيذها رسمياً، رغم تصريحات نقلتها صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين يشرحون أهداف الغارة وآلية اتخاذ القرار بتنفيذها، ورغم الإعلان الرسميّ الأميركيّ الذي أُبلغ لإيران بأن واشنطن تبلّغت بالغارة عندما كانت الطائرات في الجو، ولم تكن شريكة في العملية، لكن كلام غالانت أمام الكنيست عن «نعمل في كل مكان وكل يوم، من أجل منع ازدياد قوة أعدائنا، ولكي نوضح لكل من يعمل ضدنا، في جميع أرجاء الشرق الأوسط، أن ثمن العمل ضد «إسرائيل» سيكون ثمناً باهظاً». وأضاف: «في كل يوم نتلقى أدلة على أننا في حرب متعدّدة الجبهات، دفاعاً وهجوماً»، فهم كإعلان رسمي بتبنّي العملية وفق وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية.
إيران اعتبرت العملية خرقاً خطيراً لقواعد العمل الدبلوماسي وطالبت بمواقف دولية مندّدة ورادعة، وحمّلت واشنطن مسؤولية العملية لدعمها المطلق لكيان الاحتلال، خصوصاً أن المعلومات المتوافرة تقول بأن الغارة نفذت بواسطة طائرات الـ أف 35 التي منحت واشنطن المزيد منها لتل أبيب والتي يشترط على من يحصل عليها تنسيق شروط استخدامها مع واشنطن، ورغم محاولة واشنطن التبرؤ من الشراكة في المسؤولية، قالت طهران إن شراكة واشنطن قائمة بما فهم كتمهيد لأن تنال واشنطن نصيباً من الردّ الإيراني، في استهداف قواعد أميركيّة في المنطقة على الأرجح بالإضافة لما سوف ينال الكيان كمسؤول رئيسيّ، قال الإمام السيد علي الخامنئي إنه سوف يندم على الخطأ الذي ارتكبه.
التنديد العربي والدولي الواسع أراد احتواء الغضب الإيراني آملاً بتعويض طهران في السياسة ما خسرته في استهداف ضباطها وقنصليتها، لكن يبدو ان إيران اتخذت القرار وأحالته الى الجهات التنفيذية لتحديد الأهداف وآليات الاستهداف، بينما حذرت موسكو، من أن الغارة قد تكون سبباً لتداعيات شديدة الخطورة.
وفيما سيطرت حالة من الاسترخاء السياسي على المشهد السياسي الداخلي بفعل فرصة عيد الفصح المجيد للطوائف التي تتبع التقويم الغربي، خطف العدوان الإسرائيلي الخطير على القنصلية الإيرانية في دمشق الأضواء والذي أدّى الى استشهاد عدد من الضباط الإيرانيين وأبرزهم القائد الكبير الشهيد محمد رضا زاهدي، في ظل ترقب وقلق يسود المنطقة بانتظار الردّ الذي توعّدت به إيران.
ويشير خبراء عسكريون لـ«البناء» الى أن «استهداف مركز دبلوماسي رسمي إيراني في العاصمة السورية هو حدث خطير سيلقي تداعياته على كل المنطقة، ولن يمرّ دون ردّ إيراني، لأن اي تراخٍ أو تساهل من إيران ومحور المقاومة ستفهمه «إسرائيل» على أنه تغير بموازين القوى والردع، وتتمادى باستهدافاتها في سورية ولبنان، وتفرض قواعد اشتباك جديدة وتعيد استنهاض قواها وتصرف أي إنجاز عسكري في سورية أو لبنان أو العراق في حربها في غزة». ولفت الخبراء الى أن العدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية أكان في حلب أو القنصلية الإيرانية في دمشق هو محاولة واضحة لخلط الأوراق في المنطقة واستفزاز إيران وحزب الله لجرّهما الى حرب واسعة وتوريط الولايات المتحدة الأميركية فيها تنتهي بتسوية سياسية تشكل مخرجاً لحكومة نتنياهو من مأزقه الكبير في الحرب على غزة التي دخلت شهرها السابع من دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي وضعتها منذ بداية الحرب وتحوّلت حرب استنزاف لكيان الاحتلال وجيشه واقتصاده وجبهته الداخلية». وحذر الخبراء من انعكاس التصعيد الخطير في سورية على لبنان، لأن أي مواجهة بين «إسرائيل» وإيران سيدخل بها حزب الله، وساحات أخرى في المنطقة.
وتشير أوساط دبلوماسية عربية في هذا السياق، لـ«البناء» الى أن أي عدوان إسرائيلي على لبنان وعلى حزب الله سيعني حرباً إقليمية ستجر دخول قوى وحركات مقاومة في المنطقة وتحديداً سورية والحشد الشعبيّ في العراق وأنصار الله في اليمن، مشيرة الى أن حزب الله لا يريد الحرب الشاملة لكي لا يمنح نتنياهو ذريعة لشن عدوان واسع على لبنان ويخرج من مأزقه، وثانياً لتفادي كلفة الحرب البشرية والمادية التي ستكون باهظة جداً، لكن بحال تمادت «إسرائيل» بعدوانها واستهدفت أماكن سكنية ومدناً في العمق اللبناني فإن الحزب مستعد لأسوأ الخيارات وأعد العدة والمفاجآت التي ستعمق من هزيمة الكيان وتسرّع زواله.
في المواقف أعلن حزب الله في بيان، «انّ القائد الكبير الشهيد الغالي محمد رضا زاهدي كان من الداعمين الأوائل والمضحّين والمثابرين لسنوات طويلة من أجل تطوير وتقدّم عمل المقاومة في لبنان، وقد شاركنا مدّة كبيرة الهموم والمسؤوليات، وكان بحق الأخ والمجاهد والصديق الوفي والمضحي النموذجي في عشقه للمقاومة في لبنان والمنطقة، وهو الذي ارتضى واختار مع عائلته الشريفة أن يبقى بعيدًا عن وطنه الذي قدّم فيه تضحيات جسيمة وجراحات ملأت جسده الشريف، وكل ذلك لأنّه كان عاشقًا للمقاومة وللدفاع عن المظلومين في منطقتنا وبالأخص في فلسطين».
وتابع «إنّنا إذ ننعى هذا الشهيد العزيز مع إخوانه الشهداء الأعزاء نعتقد تمامًا أنّ دماءه الزاكية ستثمر المزيد من الإصرار على المقاومة ومواجهة هذا العدو المتغطرس المتعطش للدماء، والذي لم يرتوِ من دماء عشرات الآلاف من دماء الأطفال والنساء في غزة. إنّ هذه الجريمة تدل على أنّ العدو الإسرائيلي ما زال على حماقته حين يعتقد أنّ تصفية القادة يمكن أن يوقف المدّ الهادر لمقاومة الشعوب، وبكل تأكيد فإنّ هذه الجريمة لن تمر دون أن ينال العدو العقاب والانتقام».
على المستوى الرسمي، أبرق رئيس مجلس النواب نبيه بري الى كل من: قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام السيد علي الخامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي ورئيس مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد باقر قاليباف، مديناً ومستنكراً الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق ومعزياً بشهداء العدوان.
من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان، أن «استهداف المقار والبعثات الدبلوماسية يشكّل خرقاً موصوفاً للقانون الدولي، وانتهاكاً خطيراً لاتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية اللتين تضمنان حصانة وحرمة المقار الدبلوماسية. وتقدّمت الوزارة بخالص العزاء من حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران وأسر الضحايا، وتمنت الشفاء العاجل للجرحى والمصابين. كما رأت الوزارة أن هذا التصعيد الخطير في خرق القوانين والأعراف الدولية يهدد بشكل حتمي السلم والأمن الإقليميين والدوليين».
ميدانياً، أعلن حزب الله عن سلسلة عمليات نوعية ضد مواقع الاحتلال، فقد استهدف مجاهدو الحزب تجمعًا لجنود العدو في موقع «المالكية» بالأسلحة الصاروخية، وأصابوه إصابة مباشرة، كما استهدفوا مجموعة من جنود العدو الإسرائيلي داخل موقع «المالكية» بقذائف المدفعية. وقصفوا موقع «السماقة» في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة المناسبة وأصابوه إصابة مباشرة.
وردًا على الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل المدنية وآخرها على بلدة يارين وإصابة سيّدة فيها، استهدفت المقاومة مستوطنة «غشرهازيف» القريبة من نهاريا براجمة من صواريخ الكاتيوشا. وثكنة هونين بالأسلحة المناسبة وأصابتها إصابة مباشرة.
في المقابل واصل العدو الإسرائيلي عدوانه على الجنوب، فأطلق عدداً من قذائف المدفعية الثقيلة على اطراف بلدات الناقورة وجبل اللبونة وعلما الشعب وطيرحرفا والضهيرة، كما استهدف اطراف بلدة عيتا الشعب. واطلقت المواقع الاسرائيلية المتاخمة للخط الأزرق قبالة بوابة بلدة رامية الحدودية نيران رشاشاتها الثقيلة في اتجاه الشارع العام الذي يحاذي بلدتي رامية ومروحين.
ولم تسجل الساحة السياسية أي جديد بانتظار استئناف حراك اللجنة الخماسية بعد عيد الفطر، إذ علمت «البناء» أن سفراء اللجنة الخماسيّة سيواصلون نشاطهم الدبلوماسي باتجاه الأطراف السياسية للتوصل الى قواسم مشتركة تمهيداً لوضع خريطة طريق تتضمن إطلاق جولة نقاش أو حوار بين القوى السياسية ثم الاتفاق على مرشح أو مرشحين ثم عقد جلسات متتالية للمجلس النيابي لانتخاب رئيس.
وفيما قللت مصادر قواتية لـ«البناء» من أهمية الحوار في بكركي في حدوث اختراق في جدار الأزمة الرئاسية، رغم استعدادها للمشاركة فيه، أعلن تكتل «لبنان القوي»، خلال اجتماعه الدّوري برئاسة النّائب جبران باسيل تأييده «للحوار الحاصل في بكركي، لصياغة وثيقة وطنيّة تحدّد الموقف من الثّوابت، وتؤكّد على مبدأ الشّراكة المتوازنة، وتبلور خطّة عمل لترجمة ما يتمّ الاتفاق عليه»، معربًا عن استهجانه من «الكلام الّذي يشكّك بجدوى هذا الحوار، لما فيه من إساءة للبطريركيّة المارونيّة وللأفرقاء المشاركين وللقضايا الوجوديّة».
الى ذلك، أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية أن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في صدد الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء للبحث في البنود المتعلقة في المواضيع الضرورية المدرجة في جدول من 21 بنداً.
ورأس ميقاتي اجتماعاً لـ«اللجنة الوزارية لمتابعة تنفيذ خطة عمل الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية» في السراي. وقال وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار بعد الاجتماع: «عرضت خلال الاجتماع خارطة الطريق التي طلب مني وضعها في الاجتماع الأخير، وقد تقرر ان يعقد اجتماع للمجلس العسكري لربط النقاط التي وضعتها مع عامل الوقت الزمني لمعالجة الواقع القديم الجديد في ملف النازحين وغيره». أضاف: «اما ابرز النقاط التي تضمنتها الخطة فهي ضرورة إجراء الدولة اللبنانية مسحاً شاملاً لجميع السوريين الموجودين على ارضها وتحديد من تنطبق عليه صفة النزوح من عدمه، وكذلك ضمان موافقة التمويل المخصص لمعالجة أوضاع النازحين الفعليين نسبة لأعدادهم واحتياجاتهم».