2024- 05 - 04   |   بحث في الموقع  
logo احتفال مركزي لمناسبة يوم العمال في طرابلس.. وبُشرى من وزير العمل logo بِحجّة وجود مذكرة... فرنسا توقف طبيب فلسطيني - بريطاني في "شارل ديغول" logo مصر تُكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات على شمالي غزة logo "حزب الله الخليجي" يظهر في معقل أميركا العسكري... "سرايا الأشتر" الى ساحات القتال: لبيك يا علي! logo كلية الإقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة الحكمة نظمت النسخة الأولى من مسابقة ريادة الأعمال logo لِـ ايجاد السيادة البحرية... "مهدوي" تخترق خط الاستواء للمرة الأولى logo سلاح "متطور" يدخل المعركة مع اسرائيل وتحرك عسكري لفصيل ممانع... "رفح ستشعل كل الجبهات"! logo منتدى جمالي متميّز في بيروت
ميتران في حلب
2024-04-01 08:25:50


استقبلته في حلب، في يومٍ صيفيٍ حار، بعد أن زار دمشق وجال على بعض معالمها وتحاور مع بعض مثقفيها "الأحياء" وبعض مسؤوليها "الأموات". وكان، كما هو متوقع، حجم الاهتمام به كبير، رغم الطابع الخاص لزيارته. فهو اختار برنامجه وحدد أهدافه قبل أن يصل عاصمة الأمويين سابقًا والتي تتحول بقدرة قادر في أيامنا هذه إلى إحدى ضواحي طهرن وتوابعها. وخصوصية الزيارة لم تمنع أهل الحل والعقد، وأهل الكرم، من إرسال المرافقين الأشاوس لحمايته ـ لمتابعته ـ لمراقبته، ومراقبة كل من تسوّل له نفسه الامّارة بالسوء حتمًا لأنه "مواطن"، أن يلقاه ويحدثه من خارج الصندوق الأسود الرسمي المليء بقمامة الادعاءات ونخبة من الأكاذيب الرطبة التي كان ضيوف الوطن من الأجانب يحلو لهم تذوقها.
طلب مني ان نتجوّل سيرًا في أحياء المدينة التجارية، فحاولنا ما استطعنا اليه سبيلاً. وكان يرافقنا بشكل عفوي للغاية، عددٌ لا يعد ولا يحصى من شباب الوطن الأوفياء، والأشاوس، الذين لم يدعوا أحدًا يقترب منا حتى للسلام. وحذرهم المُبرر حينذاك، كان يكمن في إمكانية أن يعترضنا أحد المُغرضين من المواطنين ويسلمنا، أو بالأحرى، يُسلّم السيد ميتران، ورقة فيها خليط من أكاذيب الإمبريالية العالمية التي تحيق بنا وتعبث بمصائرنا وتسعى لدمارنا، وذلك تمهيدا لتنفيذ المشروع الصهيوني النيوكولونيالي الميتافيزيقي والماسوني، بوعود الحرية. استوقفني أمام مخفر شرطة باب الفرج، الذي كان في عشرينات القرن العشرين أول مخازن "لافاييت" خارج باريس، فاعتقدت أنه مهتمٌ بهذا التفصيل التاريخي الطريف، وإذ به يطرح سؤالاً مروريًا قصيرًا للغاية، عن أسباب العنف المروري لدى السائقين في الشرق الأوسط عمومًا وفي سوريا خصوصًا. ويبدو أنه قد لاحظ بأن الجميع يشتم الجميع، وبأن النظرية "البوزية" هي السائدة في القيادة، قيادة السيارات ليس إلا، لأن القيادة السياسية الحكيمة توجهها النظرية التي ابتدعها علي بابا دون شركائه. أما النظرية البوزية، فتنصّ، كما قال لي صديقي الوفي، على أن "من يمد بوزه أولا يأخذ الطريق". كما يبدو أن السيد ميتران قد لاحظ بأن سرعة السيارة تتناسب طردًا مع إمكانية عبور الماشي للطريق مما يؤدي الى دهسه أو الاكتفاء بزجره. ومن باب أولى، فلا قواعد مرورية ولا قوانين يمكن الاستناد اليها. بالإضافة إلى إمكانية أن تجتاحك سيارة مسرعة تحمل بعض السلاح المُعدّ لتحرير الجولان المحتل، أو لُصق على زجاج نوافذها المُعتم نهارًا صورٌ للقيادة الحكيمة والحاكمة التي تم انتخابها بصناديق الدم.
أما إجابتي فكانت بمحاضرة من شقّين، لن أتمكن من إيرادها بتفاصيلها وتحليلاتها في هذه العجالة. وأقول هذا تحسبًا للمتصيدين الذين سيسارعون للسؤال عن المصادر والفهارس والملحقات كما لو أننا في الدفاع عن اطروحة. وقد ورد في الشق الأول، "تبريرٌ" للكبار فقط بحيث يتمحور حول علاقة العنف المروري أو بالأحرى، إبرازه، بالكبت الجنسي الذي تعيشه الغالبية وإمكانية إقامة علاقة طبيعية مع الطرف المختار. ليتحول هذا الكبت أو الإحباط، إلى محاولة ترجمته بالعلاقة مع السيارة التي تُعتبر من أهم تعبيرات الذكورة عند البعض. ومع ارتفاع حواجب السيد ميتران تعبيرًا عن صدمته، إلا أنني أكملت بالإشارة إلى أن هذا الإحباط ليس محصورًا بهذا البعد المادي المحسوس، بل هو ممتد للعلاقة مع الآخر في ظل "الحرية" المطلقة التي يتمتع بها الفرد في التعبير، فيحاول أن يستعين بوسائل إيضاح أقل إيذاءً في المطلق. وقد أوردت بعض التفاصيل التي سأمتنع عن الخوض فيها الآن لأننا في رمضان. توقف السيد ميتران عن السير، وقال لي أنك تحصر اجابتك بالذكور ليس إلا، وفي بلدكم النساء أيضاً يقدن السيارة، وابتسم بمكرٍ معتقدًا بأنه وضعني في خانة "اليكّ"، فابتسمت بدوري دونما مكر إلا قليلا وقلت له: نفس الشيء.
وفي الشقّ الثاني من الجواب، حدثته عن علاقة الفرد بالمشهد العام وبالحكم. فلقد استفحل القهر من الفساد والاستبداد، المصحوب بالعجز عن مواجهته بما أوتيتم من جلمود صخر السنوات الممتدة منذ فشل مشروع الدولة الوطنية إثر جلاء المستعمرين عن أرضنا، مشيرًا اليه بإصبعي عند الحديث عن المستعمر، فأشاح عن إصبعي خوفًا من أن أطلق ظِفرًا عليه. وحدثته عن النظرية "النابضية" لصديقي الوفي، والتي تتحدث عن النابض الذي استطاع لفظ أوزان القهر والفقر والقمع بقوته الذاتية، إلى أن ازداد وزنها وحجمها مؤديًا إلى زوال الخاصية النابضية، ولينسحق النابض ويتوقف النبض. وبالتالي، فالشارع هو المجال الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يتحدى المواطن النظام العام الذي يعتقد بأنه عدو له لأنه فُرض عليه ممن يسرقه ويقمعه ويستبد بحياته. خصوصًا أن ذلك يمكن أن يحصل دونما أخطار تذكر، فيما عدا فقدان الحياة التي لم يعد لها قيمة. ولذلك، فعندما يصعد السائق على الرصيف بحثا عن مخرج من الزحام، أو يعبر الإشارة الحمراء دون وجل، أو أن يتجاوز السرعة أو أن يركن سيارته في منتصف الشارع، أو حتى أن يدهس أحد المشاة، فبعضاً من النقود تشتري الشرطي وضابطه وقانونه.
صمت السيد ميتران وهو ينظر برعبٍ حوله، وقال لي بأننا سنحذف هذه الإجابة من الفيلم الذي نصوره لحمايتك من ردود الفعل إن عرضناه. فأجبته باسمًا، في أن ما قلته قد صار لتوّه على طاولة حرّاس الوطن، فنحن مرافقون من آذانه الصاغية وعيونه الواعية. بعد ذلك، ودّعت السيد فريديريك ميتران، ابن أخ الرئيس فرانسوا ميتران، الذي كان في مهمة إعلامية لتصوير 24 ساعة في سوريا سنة 2004. ولقد توفي هذا الاعلامي المثقف منذ أيام.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top