أزمة انضباط وثقة... الجيش الإسرائيلي في دائرة الضوء!
2024-03-24 15:25:42
أثارت التصريحات التي أدلى بها قائد الفرقة 98 في "الجيش" الإسرائيلي، العميد "دان غولدفوس"، والتي انتقد فيها القيادة السياسية الإسرائيلية، تفاعلاً واسعاً في "إسرائيل"، وقسمت الأوساط الاسرائيلية بين مؤيّد ومُعارض حول فكرة إدلاء القادة العسكريين بتصريحات ذات طابع سياسي.
وفتحت تصريحات العميد "غولدفوس" باب النقاش بين المُعلقين والخبراء، حول دلالات وتبعات هذا السلوك "الاستثنائي"، حيث انقسموا حول هذه التصريحات، وذلك وسط توسيع لدائرة النقاش لتطال أزمة الثقة بـ"الجيش" بعد أحداث السابع من تشرين الأول المنصرم (طوفان الأقصى)، والأزمة القيادية التي كان لها دور في تلك "الكارثة".
وبحسب معلقين إسرائيليين فإن قضيتي قائدي الفرقتين، "دان غولدفوس"، و"باراك حيرام"، المشتبه به بقتل أسرى إسرائيليين، بقصفه مبنى كانوا متواجدين فيه، ليستا سوى عارض من أعراض تفكك سلسلة قيادة "الجيش" الإسرائيلي، والتي تشمل إظهار ضباط وجنود، عدم انضباط، في وقت تجد فيه هيئة الأركان العامة صعوبة في كبح هذه التجاوزات.
كتب "يغيل ليفي" (بروفيسور وباحث عسكري وفي علاقات الجيش – المجتمع - السياسة) في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن قضيتي قائدي الفرقتين، دان غولدفوس، وباراك حيرام، ليستا سوى عارض من أعراض تفكك سلسلة قيادة الجيش الإسرائيلي، والتي أخطر مما تبدو، إذ إضافة لهما، طلب قائد الفرقة 36، دافيد بار خليفا، من جنوده الانتقام من الفلسطينيين، ولم يكن هناك حتى تحفظ ضعيف حول ذلك في هيئة الأركان العامة.
وأضافت الصحيفة أن العميد "حيرام" لم يأمر فقط بإطلاق النار على مدنيين إسرائيليين وتفجير جامعة – من دون مصادقة القيادة- خلال الحرب، بل أجرى مقابلة سياسية انتقد فيها قيام المستوى السياسي بإجراء مفاوضات سياسية. وحينها أيضاً، ظل رئيس الأركان صامتاً.
ليفي أشار إلى أن الجنود في "الجيش" الإسرائيلي أيضاً، وليس فقط الضباط، يظهرون عدم الانضباط، ففي مقاطع فيديو ظهر جنود، وهو يدعون لعودة الاستيطان إلى قطاع غزة، وينتقدون القيود على استخدام القوة، إضافة إلى حصول سرقات، وأمور إضافية.
وكل هذا، هو تجليات لفوران من الأسفل تجد هيئة الأركان العامة صعوبة أو أنها مرتدعة في كبحه، بحسب الصحيفة.
وحذر ليفي من تراكم العديد من الظروف التي تشجع على التفكك داخل "الجيش" الإسرائيلي، أبرزها ضعف التسلسل الهرمي للقيادة بعد تراجع التجنيد الإلزامي، وتطوره إلى تجنيد تطوعي، حيث بات يعتقد جنود الاحتياط، بشكل أساسي، أن لديهم حقا استثنائياً في أن يكون لهم صوت، بالنظر إلى المستوى العالي من الانتقائية في الخدمة الاحتياطية.
كما تمددت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة بين مقاتلي الخدمة النظامية أيضاً.
وأضاف ليفي إلى ذلك، تشير الصحيفة إلى أن ارتفاع نسبة المقاتلين المؤيدين لليمين واليمين الديني، الذين، حسب قولهم، ينقذون "إسرائيل" من كارثة فرضتها عليها الحكومات الانهزامية وفاقمت بسبب مساهمة اليسار في إضعاف "الجيش" في احتجاجه على الانقلاب على النظام.
ولفت ليفي إلى أن ما يساهم أيضا في تفكك "الجيش"، هو تعطيل سياسيين لسلسلة القيادة، حيث يدعم سياسيون من اليمين السلوك الشاذ لضباط وجنود، فيما يمتنع رئيس الأركان عن كبح سلوك الجنود، لأنه لا يجرؤ على وضع حد لجندي احتياط يخدم في غزة منذ أسابيع، وقرر أن يتم تصويره مع ممتلكات منهوبة أو توجيه تحذير للحكومة المنتخبة. و"هكذا فقد رئيس الأركان السيطرة".
وحذرت ليفي أيضاً من أن قادة فرق يستغلون قدرة المساومة "الميدانية" لإظهار قوتهم، وهذا الامر يتفاقم عندما يصطدمون بواقع أن تضحيات المقاتلين لا تُترجم إلى إنجاز، فيقعون في فخ المراوحة في الميدان بلا هدف، مع تكبد خسائر.
وختم ليفي مقالها بالإشارة إلى أن انعدام الثقة بمن جروا "الجيش" إلى حضيض يقود قادة إلى اتهام من يغرزون سكيناً في ظهر "الجيش"، وأضافت أنه لا يمكن إعادة تأهيل "الجيش" طالما استمرت هذه الحرب.
في خطاب من (الجبهة) داخل قطاع غزة، وأمام كاميرات قنوات التلفزة الإسرائيلية، أدلى قائد الفرقة 98 العميد دان غولدفوس بتصريح استثنائي، حيث توجّه إلى المستوى السياسي، بالقول: "نحن عناصر الجيش سبق أن تحمّلنا مسؤولية ما قمنا به. نحني رؤوسنا أمام الفشل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ونواصل التقدّم. لكن يجب أن تكونوا لائقين بنا، وبالمقاتلين الذين ضحوا بحياتهم... تأكّدوا من أن الجميع يُشارك (في إشارة على عدم تجنّد الحريديم في الجيش).
وذكرت تقارير إسرائيلية أن الخطاب حظي بموافقة من وحدة المتحدّث باسم "الجيش" الإسرائيلي، لكن لم تتم المصادقة على التصريحات الإضافية التي قرأها غولدفوس من ورقة جانبية.
وقال "الجيش" إن تصريحات الضابط في نهاية بيانه لم تحظَ بموافقة رؤسائه. وبناء عليه استَدعى رئيس الأركان هرتسي هليفي، غولدفوس، لـ "محادثة توضيحية".
وفتحت تصريحات غولدفوس باب النقاش بين المُعلقين والخبراء في إسرائيل، حول دلالات وتبعات هذا السلوك "الاستثنائي" من قبل ضابط عسكري كبير في الجيش.
وأشار أحد كبار المُعلقين السياسيين (ناحوم برنياع في يديعوت أحرونوت) إلى أن الخطاب الذي ألقاه قائد الفرقة 98 ليس أقل من فضيحة، ويدلّ على فقدان السيطرة والمشكلة التي ترافق الجيش الإسرائيلي من السابع من تشرين الأول.
وأضاف أنه مع كل الاحترام لمشاعر الضابط، فإن القتال في غزة لا يعطيه الحق أو الصلاحية للإعراب عن موقف في مسائل سياسية. ورأى المعلق أن العميد غولدفوس لا يختلف كثيرا عن العميد باراك حيرام الذي دمّر مبنى جامعة في غزة من دون موافقة قادته، أو عن الضابط الذي أمر بتدمير مبنى برلمان غزة بعد أن اُحتل المبنى وطُهّر واُحتفل به ووثق ذلك بالفيديو.
وفي سياق التحذير من التبعات المترتبة على الدعم الذي حظي به غولدفوس، من بعض الخبراء والمعلقين، أشار برنياع إلى أن كل حرب تجلب معها فترة احتضان للابسي البزة العسكرية، كل ضابط قتالي يحظى بوجبة دسمة من العبادة الشخصية والتغاضي عن الأخطاء، حصل هذا في نهاية حرب الأيام الستة، وكان من العوامل التي أدّت إلى العمى والغرور وإخفاق حرب يوم الغفران.
وفي مقال كتبه في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، قال مراسل الشؤون العسكرية، يوسي يهوشع، إن عدّة حوادث إضافية حصلت داخل قيادة الجيش خلال الحرب، تدل على مسألة عدم الثقة داخل الهرم القيادي في "الجيش": بدءاً من عاصفة العميد حيرام، مروراً بخطاب غولدفوس وصولاً إلى إقالة ضابط الاستخبارات في قيادة المنطقة الجنوبية بسبب علاقة غرامية ممنوعة مع ضابطة تحت إمرته.
وأشار "يهوشع" إلى أن هذه الأحداث تجعل الحاجة لهزّة في قيادة "الجيش" الإسرائيلي أكثر إلحاحية، لا سيّما في ضوء الحديث عن أزمة ثقة عنيفة بين قيادة "الجيش" والمستويات الميدانية.
وسلّط خطاب التوبيخ غير الّلازم الذي ألقاه العميد غولدفوس، رغم أن كل كلمة فيه كانت دقيقة، وفقا لمحلل الشؤون العسكرية في "القناة 13" الإسرائيلية، "ألون بن دافيد"، على الانهيار الذي يعصف بقيادة الجيش الإسرائيلي وفقدانها الثقة.
"بن دافيد" لفت إلى أن مرجع فقدان الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية، بحسب معلق عسكري هو أن الأولى مشغولة فقط بالحفاظ على الائتلاف الحكومي، ينما تحاول الثانية إزالة وصمات الفشل الفظيع في السابع من تشرين الأول.
وخلص "بن دافيد" إلى أن الانهيار واضح جداً في شعبة الاستخبارات التابعة لـ"الجيش" الإسرائيلي، حيث ينشغل القادة بإعداد الملفات قبيل التحقيقات العملانية التي سوف تصوّب نحو المسؤولين عن الكارثة.
وكالات