مع ان التصنيف القاتم الأحدث لليرة اللبنانية الذي صدر امس شكل صدمة واثار رفضاً وتحفظاً وشكوكاً باعتباره تصنيفاً “ظالما”، فان ذلك لم يحجب الدلالات القاسية الجديدة التي تحدثه تصنيفات ذات طابع متخصص عالمي للقطاعات اللبنانية كافة في ظل تمادي ازمة تغييب وغياب الدولة الإصلاحية مع تعطيل معاند متعنت ومشبوه لرئاسة الجمهورية منذ سنة وخمسة اشهر. جاء التصنيف هذا عبر “بلومبرغ” ليجعل الليرة اللبنانية تتصدر قائمة العملات الأسوأ أداء على مستوى العالم خلال عام 2024، حيث سجلت، بحسب هذا التصنيف، تراجعا هائلا بنسبة تفوق 83% مقابل الدولار الأميركي. وتأتي الليرة النيجيرية في المركز الثاني بتراجع 42% منذ بداية العام. وإذ فندت مصادر مصرف لبنان مكامن الظلم في هذا التصنيف ( راجع ص 5) فان أياً من المراجع والجهات السياسية المعنية مباشرة او مداورة بتبعات تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، او بالخطر الداهم الأشد الحاحاً المتصل بحرب متدحرجة في الجنوب اللبناني، لم يتطوع لتبرير ما يقدم للجهات الدولية الذرائع والوقائع التي تمعن في شد لبنان الى الوراء وانزلاقه المتواصل نحو كل مشتقات الانهيارات.
واما احدث تصنيفات المشهد السياسي الداخلي فعادت الى نقطة البدايات ونقطة المراوحة ونقطة الدوامة التي تدور حولها الازمة الرئاسية وذلك من خلال الشكوك التي أثارها “انكفاء” رئيس مجلس النواب نبيه بري عن موقفه السابق لجهة “تنازله” عن ترؤس أي “جلسة مشاورات” يتداعى اليها النواب، كما تلحظ ذلك مبادرة “كتلة الاعتدال الوطني”، ولكنه منذ السبت الماضي استعاد التشدد المفاجئ في اعتبار انه هو وحده رئيس المجلس وهو من يعود اليه رئاسة “جلسة الحوار” لا المشاورات ووضع آليتها بما يعني العودة الى نقطة الصفر تماما.
ما بين “القوات” وبري
وبدا واضحا ان تبديل بري لموقفه أزال تقريبا ما سمي معالم التقدم في مبادرة “كتلة الاعتدال” او معالم “المرونة” في موقف بري السابق لاجتماعه يوم السبت الماضي مع وفد “كتلة الاعتدال”، ولو ان الأخيرة لا تزال تصر على التأكيد بانها ماضية في مبادرتها، وأنها ستقوم بجولة ثانية على الكتل النيابية. ولكن ما توقعه المراقبون في ان يعيد إصرار بري على ترؤسه جلسة المشاورات وتوصيفها بجلسة حوار، اثارة رفض الكتل والقوى المعارضة أساسا للحوار كما طرحه رئيس المجلس مرات عدة خصوصا بعد موافقة معظم هذه الكتل والقوى على إعطاء مبادرة “الاعتدال” فرصتها الكاملة، قد صح امس بدليل الموقف الانتقادي الحاد الذي سجله “القوات اللبنانية” على بري. واعتبر حزب “القوات” ان ” الأمر اختلط على الرئيس نبيه بري، فاعتبر ان رئاسته لمجلس النواب تمنحه الحقّ بأن يكون ولي أمر النواب والكتل النيابية، وما يطرحه حول طاولة حوار رسمية تدعو إليها الأمانة العامة في مجلس النواب ويترأسها الرئيس بري يعني أنّ كل الاستحقاقات الدستورية، بدءًا برئاسة الجمهورية، مرورًا بتكليف رئيس حكومة، وصولا إلى تأليف الحكومة، تمرّ عن طريق طاولة الرئيس بري بالتحديد، وهذا مخالف للدستور، ويتناقض مع ميثاق العيش المشترك، وهذا ما لن يسير به أحد”. ورأى ان “ما يطرحه الرئيس بري يعني وكأن الكتل النيابية ليس لديها حرية الاجتماع بعضها مع بعض، الأمر غير الصحيح إطلاقًا، فيما مهمة الرئيس بري والأمانة العامة لمجلس النواب محصورة بالدعوات إلى جلسات الهيئة العامة والعمل المجلسي، ولا علاقة لهم بتلاقي الكتل النيابية أو عدمه بالحوارات الجانبية، أو التشاور في أي موضوع أو خطوة تراها الكتل النيابية مناسبة” . واتهم “القوات” بري بانه “سخّف ومزّق وتلاعب مئات لا بل آلاف المرات بمفهوم الحوار الذي يمكن ان يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومعلوم ان الحوار الجدي يتم خارج الإعلام وفي الغرف المغلقة، وهذا الحوار بالذات لم يتوقّف لحظة واحدة بين الكتل النيابية في محاولة للتوافق على رئيس جديد للجمهورية، ولكن من دون نتيجة حتى الآن بسبب إصرار الممانعة على آلية غير دستورية، أي طاولة حوار (بِريّة)، ورفضها للآلية الدستورية بالذهاب إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية “. وقال “القوات” ان بري “يهدِّد مبادرة تكتل “الاعتدال الوطني” التي تنص على التداعي والتشاور لجلسة واحدة وليس على الحوار المعلّب مسبقًا بهدف إيصال الوزير السابق سليمان فرنجية “.
ولكن بري قال مساء في حديث تلفزيوني ان ” اجواء الاتصال الذي اجراه به الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات الماضية كان جيدا، وانه ابلغه ان هناك مبادرة لتكتل الاعتدال تحظى بدعمه ودعم الخماسية وعندما يستجد جديد نعود للتهاتف”. وردا على سؤال عما اذا كانت مبادرة “الاعتدال” قد انتهت، قال بري: “بالعكس، بعدها بعز شبابها “، مشيرا الى انه “اكد للتكتل في زيارته الاخيرة لعين التينة استعداده للمساعدة والتسهيل”.
وفي ظل جولة جديدة سيقوم بها سفراء مجموعة الدول الخماسية على القيادات، زارت امس السفيرة الأميركية ليزا جونسون رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه في بنشعي. كما التقى نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب السفير الفرنسي هيرفي ماغرو.
الجنوب
اما في ملف الجنوب فأكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عقب زيارته لدار الفتوى في اول أيام رمضان “اننا نتابع الاتصالات مع جميع المعنيين محليا ودوليا لإبعاد الحرب عن لبنان على الرغم من كل ما أصيب به وطننا حتى الآن ، لا سيما لجهة عدد الشهداء الذين نوجه التحية لارواحهم، وباذن الله فان الامور لن تتطور أكثر من ذلك”. وتمنى ان تجري الانتخابات الرئاسية “في أسرع وقت، واليوم قبل الغد، لان الانتخاب ضروري لكي تستقيم المؤسسات الدستورية وتبدأ ورشة الإصلاح المطلوبة”. وقال “انتخاب الرئيس ليس نهاية المطاف، بل هو بداية أمل من اجل الاصلاح والحل في البلد”.
على الصعيد الميداني في الجنوب لجأ الجيش الإسرائيلي مجددا الى استعمال الأسلوب الدعائي فألقى بواسطة مسيّرة مناشير فوق منطقة الوزاني. وجاء فيها: “يا ابن الجنوب، “حزب الله” يخاطر في حياتكم وحياة عائلاتكم وبيوتكم، ويدخل عناصره ومخازن السلاح لمناطق سكنكم. من ساحة بيتك عحساب عيلتك والله حرام”.
واستمر التوتر على حاله على الحدود، اذ شن الطـيران الحربي الاسرائيلي غارة على اطراف بلدة الجبين استهدفت منزلا. واعلن الجيش الإسرائيلي ان “طائراتنا الحربية قصفت موقعا عسكريا لحزب الله في الجبين وهاجمنا موقعاً عسكرياً في الطيبة خلال الليل”. وتعرضت تلة حمامص لقصف مدفعي. وسقطت مسيرة معادية جراء عطل فني في خراج بلدة حلتا قضاء حاصبيا.
من جانبه، اعلن “حزب الله” عن سلسلة عمليات فاستهدف موقع جل العلام كما “شن هجوماً جوياً بأربع مسيرات انقضاضية على مقر الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع وأصابت أهدافها بدقة”. واعلن انه تصدى لمسيرة إسرائيلية في أجواء المناطق الحدودية وأجبرها على العودة للأراضي الفلسطينية المحتلة كما استهدف مجموعة للجنود الإسرائيليين عند قيامها بتركيب تجهيزات تجسسية جديدة في موقع المرج بالصواريخ. ونعى الحزب علي محمد زين من بلدة سحمر في البقاع الغربي.
وفي سياق المواقف من الوضع مع لبنان داخل إسرائيل لفت ما اعلنه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد من أنه “اذا حصلت مصادمات في الشمال، فلن يكون هناك ما يكفي من الجنود لخوضها” .وقال لابيد: “إذا لم يتجند “الحريديم” ليس لدينا الحق في إصدار المزيد من الأوامر إلى الاحتياط”.